اضطراب ما بعد الصدمة... تأثير انفجار مرفأ بيروت على الأمهات اللبنانيات

ما زال اللبنانيون يكافحون لنسيان مشاهد الدمار والجرحى والموتى لانفجار بيروت في 4 آب/أغسطس 2020، الذي تسبب في مقتل حوالي 200 شخصا وإصابة نحو 6000 وتشريد 300 ألف شخص

كريستيان واكد
بيروت ـ .
لقد ترك الانفجار في مرفأ بيروت آثاراً على اللبنانيين لمدى الحياة. بحسب نتائج أولية لدراسة قامت بها الجامعة الأميركية في بيروت، يعاني ثلثا سكان مدينة بيروت من اضطرابات في النوم بعد الانفجار الذي نتج عن 2750 طنا من نترات الأمونيوم كانت مخزنة داخل المرفأ. 
علمت الحكومة بوجود هذا المخزون من نترات الأمونيوم ولم تفعل شيئاً لحماية مواطنيها. منذ الانفجار المزدوج في مستودع بمنطقة الميناء ما زال اللبنانيون ينتظرون تفسيراً أو اعتذاراً. من حقهم معرفة الحقيقة لأن هذا الأخير هو حجر الزاوية في شفاء جرحهم العاطفي العميق وصدماتهم.
يشعر اللبنانيون اليوم بالتخلي عنهم، وبينما توجد ضرورة مهمة لعلاج جرحهم العاطفي، فإن وضعهم الاقتصادي يجعلهم مشغولين ويمنعهم من معالجة مشاكل صحتهم النفسية.
وبالرغم من ذلك، فإن غريزة البقاء على قيد الحياة تبقى الأهم، إلا أن الصدمة غالباً ما تؤدي إلى مرحلة الرهاب الذي يعد قناعاً لاضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
حتى الأشخاص الذين لم يصابوا بجروح جسدية خلال انفجار بيروت يحملون جروحاً نفسية عميقة لها تأثير مباشر عليهم. يجب التعامل مع الصدمات العاطفية ومعاناة الناس بنفس خطورة الجروح الجسدية.
ومع ذلك، فإن المشكلة الرئيسية التي يواجهها لبنان اليوم هو الافتقار إلى خدمات رعاية الصحة النفسية الموثوقة ولاسيما عند الأمهات اللواتي تعانين من رهاب فظيع خصوصاً بما يتعلق بصحة وسلامة أطفالهن.
أوضحت الإخصائية في العمل الاجتماعي دورا أبو متري أن أغلبية الأمهات اللبنانيات وخصوصاً اللواتي تعشن في أكثر الأحياء المتضررة من جراء الانفجار تعانين من اضطراب ما بعد الصدمة الذي يؤدي إلى العودة اللاإرادية وبشكل متكرر إلى الأحداث التي شكلت التجربة المؤلمة في حياتهن وكأنها تجري في الوقت الحالي من جديد؛ من خلال الكوابيس أو إعادة إحياء الأحداث خلال النهار.
وتضيف دورا أبو متري أن هؤلاء الأمهات تعانين من حالة قلق دائم، خاصة حالات الرهاب أو الفوبيا من الأصوات المفاجئة حتى ولو كان صوت سيارة تمر على الطريق، بالإضافة إلى الفوبيا من الحشود والأماكن المكتظة والأماكن المغلقة، وزادت درجة الخوف على أفراد العائلة بشكل هستيري أحيانا، أما في بعض الحالات تعاني الأمهات بعد الانفجار من اضطرابات الشخصية كالانطواء على الذات والعزلة، الشعور بالهجر والعدوانية، كما وهناك أمهات ظهرت عليهن أعراض نفسية تمثلت في الآلام كانتشار الآلام من دون أسباب طبية، وتزايد اضطرابات في المعدة، والأمراض الجلدية الخ. 
في حين أن الكثير من الأمهات تتجنبن التكلم عن موضوع الانفجار أمام الاطفال، رائدة الأعمال وأم لطفلين فيدال الحاج قررت أن تكون في كامل الشفافية مع أطفالها، تقول "ربما يتجنب معظم الناس شرح هذه الدراما لأطفالهم، لكني اخترت أن أخبرهم القصة كاملة. كنت باستمرار في حالة غضب دائم بعد الانفجار فشرحت لهم أن هذا ليس خطأهم، ولكنني أشعر بالحزن الشديد لما حدث لبيروت حيث أصبح بعض الناس بلا مأوى، وفقدت بعض الأمهات أطفالهن، وفقد البعض والديهم وأحبائهم، وهذا غير مقبول. شرحت لابني لماذا من المهم أن نذهب ونساعد الناس في تنظيف الحطام كما جعلته يختار بعض البطانيات والملابس والألعاب لبعض الأشخاص الذين قد يحتاجون إليها. فيما بعد طلبت منه أن يرسم ما يشعر به، لقد رسم مستطيلاً فوضوياً كبيراً بألوان وتفاصيل قذرة وقال: هذه هي بيروت الآن، لكن انظري هنا هذا المستطيل النظيف هنا سأصنع بيروت، ويمكنك أن تريني أقف بجانبها مبتسماً..".
وأشارت فيدال الحاج إلى أن "الأمر استغرق 4 أشهر لأكون قادرة على ذرف الدموع. كنت مكتئبة جداً وغاضبة جداً. ولكن عندما يتعلق الأمر بالعائلة والأطفال، تستمر الحياة .أحياناً أعزل نفسي داخل فقاعة لألعب معهم، أو لطهي وجبتهم المفضلة ولكن الآن بعد الانفجار يتطلب الأمر المزيد من الجهد لأكون قادرة على القيام بكل ذلك".
وأكدت أن "كل شيء تغير بعد الانفجار، الأمر مروع عندما لا تشعر بالراحة في بلادك، والسبب أنك لا تستطيعين أن تغيري الواقع، في الوقت الحالي، بصيص الأمل الوحيد هو مغادرة لبنان لأشعر بالراحة والأمان مع أطفالي".
انفجار الرابع من آب/أغسطس عام 2020 في مرفأ مدينة بيروت وكل تداعياته النفسية والجسدية استدعت تدخل أخصائيين من مجالات عدة لدعم ومساعدة المتضررين على الصعيدين النفسي والاجتماعي، كما على صعيد تلبية الحاجات اليومية الملحة، في وقت يواجه فيه لبنان مشاكل اقتصادية هائلة مما أدى إلى نزوح عدد كبير من الأطباء والمختصين في معالجة المشاكل النفسية ولا تزال الكثير من الأمهات في بيروت تواجهن في شكل منعزل اضطرابات نفسية بعد الانفجار مما يؤثر على تربيتهن للأطفال وحياتهن العائلية والشخصية.