إدلب... نساء تحت وطأة التحرش والابتزاز
نتيجة غياب المحاسبة تتفاقم ظاهرة التحرش في إدلب، وأدى صمت الضحية خوفاً من المجتمع إلى تعرضها لأمراض جسدية ونفسية.
هديل العمر
إدلب ـ تشكل ظاهرة الابتزاز والتحرش في إدلب، الهاجس الأكبر للنساء العاملات في القطاع العام، خاصة في ظل ندرة الوسائل المتاحة أمامهن، للتعبير عما تتعرضن له من مضايقات وضغوط.
غياب الثقافة الاجتماعية المحكومة بمورثات العادات والتقاليد، تحتم على النساء اللواتي تعملن في الشأن العام، الصمت تجاه ما تتعرضن له من محاولات تحرش أو ابتزاز.
فضلت ريم عرفات هو اسم مستعار، البالغة من العمر 28 عاماً، مقيمة في مخيمات بلدة عقربات شمال إدلب، ترك عملها والبقاء في المنزل، بعد تعرضها المستمر للابتزاز ومحاولة التحرش من أحد الإداريين في المؤسسة التي تعمل بها.
وقالت إنها لجأت لهذه الخطوة كونها الحل الوحيد المتاح أمامها، وسط مجتمع نمطي يرفض فكرة تفكير المرأة أو الناجية من مواجهة ما تتعرض له من مضايقات وضغوط، خاصة إذا كانت هذه المضايقات تتعلق بالابتزاز والتحرش.
وأوضحت أنها كانت تتعرض باستمرار لمحاولات تحرش جنسي من قبل الإداري المسؤول عن عملها، ولكنه وبعد أن بائت جميع محاولاته بالفشل، لجأ لابتزازها بطرق وصفتها بـ "الرخيصة" كالتهديد بطردها من الوظيفة، والتواصل مع زوجها لإخباره بقصص ملفقة، في محاولة منه للضغط عليها واستغلالها جنسياً.
ولا تخفي بتفكيرها بتقديم شكوى لمدير المؤسسة، إلا أنها تراجعت بعد يقينها بأن شكواها لن تلقى أي اهتمام أو استجابة كون المتحرش "من المحسوبين" على المدير العام، مشيرةً إلى أن مخاوفها من طلاق زوجها لها، منعتها من البوح بالتهديدات ومحاولات الابتزاز التي كانت تتلقاها، لتجبر على ترك الوظيفة للحفاظ على بيتها وأطفالها من التشتت والضياع.
ورغم رفعها دعوى قضائية ضد المتحرش، لم تتمكن سلوى الوكيل البالغة من العمر 34 عاماً من تحصيل حقها من الشخص الذي تحرش بها، بعد إنكاره التهم الموجهة إليه، وافتقار الحادثة للإثباتات والمعطيات والشهود.
وتعمل سلوى الوكيل في مكتب إحصاء كمنسقة وجامعة بيانات في مخيمات الأرامل بالقرب من الحدود التركية، إذ أن عملها يقتصر على جمع بيانات النساء والمعيلات وعدد أفراد أسرهن والأوضاع المعيشية والمستلزمات التي تحتجن إليها.
وقالت إنها "تعرضت للتحرش أثناء عملها في إحدى المخيمات العشوائية من شخص وجه لها كلمات تحمل إيحاءات جنسية، ما دفعها لمغادرة مكان العمل بذعر وارتباك كبير".
وعن آثار ما تعرضت له أوضحت أنها سببت لها أزمة نفسية تمثلت بالخوف المستمر من تعرضها لحادثة مشابهة أثناء قيامها بعملها، مؤكدةً على أنها ستترك العمل في حال واجهت موقفاً مماثلاً لذلك الذي حصل لها.
وغياب الرادع والقوانين، بالإضافة لتعامل المجتمع مع مثل هذه القضايا، من أبرز الأسباب التي أدت لتنامي ظاهرة التحرش التي باتت شبحاً يلاحق النساء العاملات والناشطات في مناطق مختلفة من إدلب.
ومن جانبها قالت الناشطة الحقوقية لما قطيع البالغة من العمر 38 عاماً، وهي من سكان مدينة إدلب، إن الدستور يجرم التحرش الجسدي واللفظي تحت مسمى "التعرض للآداب والأخلاق العامة" حيث تتراوح عقوبته من ثلاثة أشهر إلى ثلاثة سنوات.
وبينت أن السبب الذي أدى إلى تفاقم هذه الظاهرة هو سوء تعامل السلطات مع الأمر الواقع مع مثل هذه القضايا، التي دفعت بالظاهرة نحو الانتشار بشكل متسارع، وسط تشجيع مجتمعي عليها، والذي يجبر الضحية على كتم ما تتعرض له من أذية نفسية وجسدية.
وأكدت على ضرورة المحاسبة القانونية الجدية على كل ما تثبت عليه جريمة التحرش، مما يحفظ حقوق المرأة ويحميها من هكذا ظواهر شاذة، وهو ما سيؤدي إلى انحسار هذه الآفة التي وصفتها "بالخطيرة" على النساء العاملات والمرأة بشكل عام.