إدلب... فوضى السلاح تنهي حياة أطفال وتسبب بإعاقات لأخرين
بالرغم من أن المدنيين في إدلب يبررون حيازتهم على الأسلحة والذخائر لدوافع أمنية تتعلق بكثرة عمليات السرقة إلا أن سطوة السلاح بينهم باتت تشكل جزءاً كبيراً من حصيلة أعداد الضحايا خاصة من فئة الأطفال.
هديل العمر
إدلب ـ ينتشر السلاح وتجارته في مناطق الشمال السوري ما يسهل امتلاكه من قبل المدنيين بصورة كبيرة، دون الحاجة للحصول على تراخيص، أو وجود جهات رقابية، فضلًاً عن التوتر الأمني الذي يدفع بالمدنيين إلى امتلاك السلاح لـ"الدفاع عن النفس" وهو ما أدى لتكرر الحوادث والأخطاء القاتلة بحق أطفال أبرياء جراء حيازته واستخدامه.
توفي الطفل عبد الملك شعبان البالغ من العمر سبع سنوات بعد إصابته بطلقة من سلاح بارودة نوع بمبكش من قبل شقيقه البالغ من العمر 15 عاماً عن طريق الخطأ في بلدة حربنوش الشهر الفائت.
وقالت فداء الجوني (36 عاماً) جارة العائلة أنه تم سماع صوت إطلاق نار بعد منتصف الليلة ليهرعوا للمكان ويروا الطفل عبد الملك قد فارق الحياة بعد أن أطلق شقيقه النار عليه وأرداه قتيلاً دون قصد.
لم ينسى الطفل حسام الرحال (14 عاماً) النازح في مخيمات قاح حين قتل صديقه عن طريق الخطأ أثناء تعليمه على استخدام السلاح حين خرجت طلقة وأصابته في صدره ليتوفى بعد ساعات قليلة.
واعتقل حسام الرحال وتم إطلاق سراحه بعد أن تمكنت عائلته من دفع الدية لعائلة صديقه الضحية، وفي حادثة مشابهة تعرضت الطفلة مروة الحسين لطلق ناري من شقيقها أثناء لعبه بالمسدس الذي كان في المنزل ما تسبب لها بشلل دائم مدى الحياة أواخر العام الماضي.
وكذلك تعرضت الطفلة فاطمة الحاسي (12 عاماً) المقيمة في مخيمات دير حسان لطلقة في ساقها من قبل شقيقها أثناء شجار وقع بينها وبين أخرين في المخيم، لتؤدي الإصابة لقصر في عظم الساق وإعاقة دائمة لها في شهر كانون الثاني الفائت.
وقالت الناشطة رند الأصيل (31 عاماً) إن انتشار السلاح في مناطق المعارضة بات "مخيف جداً" ولا يتركز خطره على فئة الأطفال وحسب وإنما على المجتمع بأكمله وإن كان بصورة أكبر على الأطفال جراء الانفلات الأمني.
وأوضحت أن النسبة الأكبر للحوادث الناجمة عن استخدام السلاح هي في مناطق الشمال السوري لعدم وجود الضوابط والإدراك بمخاطر هذه الظاهرة وعدم وجود مركزية بالتزامن مع وجود عدد كبير من الفصائل.
سلام الفطراوي (40 عاماً) المقيمة على أطراف مدينة إدلب لا ترى حرجاً من حيازة السلاح في منزلها كإجراء احترازي خوفاً من السرقة لا سيما أنها تعيش بمفردها مع أطفالها في منطقة نائية عن المدينة بعض الشيء وتقول إن "جرائم السرقة ازدادت بسبب الفقر والغلاء والجوع وقلة فرص العمل التي تشهدها المنطقة".
وإن كانت سلام الفطراوي لا ترى حرجاً من امتلاك المرء للسلاح وخاصة في ظل الظروف الأمنية الصعبة التي يعيشها، فإنها تحذر من "الاستهتار بخطورة الأمر على الأطفال وبقية أفراد الأسرة وتجنب إمكانية وصول الأطفال للسلاح والعبث به ما سيكون له بلا شك عواقب وخيمة".
من جهتها قالت المرشدة النفسية حنان الجبين (29 عاماً) أن معضلة حيازة السلاح ووجوده في كل منزل تقريباً لم ينعكس على حوادث القتل التي راح ضحيتها أطفال من تلك العوائل وحسب وإنما انعكست سلباً على سلوك الأطفال أيضاً، الذين اعتادوا مشهد رؤية أنواع الأسلحة بشكل يومي، على نحو صارت ألعابهم تحاكي هذه المشاهدات ويرغبون باللعب في الأسلحة الإلكترونية وببنادق ومسدسات بلاستيكية.
وأوضحت أن الكثير من الأطفال يستمتعون اليوم بممارسة الألعاب الحربية، التي تجذب انتباههم وتستحوذ على تفكيرهم إلى درجة الإدمان، وهو ما جعل الألعاب الإلكترونية من أولوياتهم، خاصة العنيفة والتي يمكن أن تزيد الميل إلى العنف والعدوانية لدى الأطفال، ويعد ذلك من الآثار السلبية التي تحتاج إلى متابعة ومراقبة من قبل الآباء والأمهات لا سيما مع وجود الأسلحة الفردية بكثرة في المنازل اليوم.
وتقترح حنان الجبين العمل من جانب المعنيين على ضبط فوضى السلاح والحد من انتشاره وعقد جلسات توعوية للأطفال والأهالي بخطورة استخدام السلاح ومراقبة الألعاب التي يختارها الطفل من قبل الأهل، مع ضرورة حمايته من أضرارها على سلوكياته، والاستعاضة عنها ببناء علاقات وعادات صحية مع أقرانه خالية من العنف والسلاح.