ابتسامة المقاتلات للأمهات والأطفال
لم يفاجئ مستوى الأخلاق والتضحية التي تظهرها المقاتلات تجاه نساء وأطفال داعش المنطقة فقط بل أثار دهشة العالم كله
سوركل شيخو
الحسكة ـ . فعلى الرغم من نظرات نساء وأطفال داعش التي تقذف شراراً، تتعامل المقاتلات معهم بمحبة وقلوب دافئة.
وعلى الرغم من أن سكان المنطقة عانوا من الأحداث المؤلمة، إلا أنهم يتصرفون بعطف وحنان مع الجميع. توفر المقاتلات من خلال نضالهنَّ وتضحياتهنَّ حياة آمنة وسلمية. ويقدمنَّ أرواحهنَّ من أجل بناء وطن يحتضن الجميع.
يعيشون حياة مختلفة عن حياة الآخرين، ويمارسون العنف ويرتكبون جرائم القتل ضد كل من يريد إيذاء تنظيمهم الخطير. يعيش أكثر من 16 ألف لاجئ وعائلة من داعش في مخيم الهول. فقط 16 ألف شخص يشكلون تهديداً وخطراً كبيراً على ملايين الأشخاص في العالم. فيمكن لأي امرأة وطفل تأثروا بفكر داعش وتلقوا التدريبات وقتلوا العشرات من الأبرياء أن يزعزعوا أمن واستقرار البلاد. لذا تتصرف المقاتلات اللواتي شاركنَّ في حملة الإنسانية والأمن في مخيم الهول بحذر شديد. فعند البحث وتفتيش الخيام، يعيدون كل ما قاموا بفحصه إلى مكانه. وأكثر ما أدهشني ولفت انتباهي هو التعامل الأخلاقي الذي تظهره المقاتلات الكرد عند الحوار والتحقيق مع الدواعش.
مفهوم حماية المرأة والحياة
ولكيلا تشعر المرأة التي كانت تحمل طفلتها بين ذراعيها بالتعب، قامت إحدى أفراد قوى الأمن الداخلي بحمل الطفلة بين ذراعيها واحتضانها بدفأ وحمايتها. تكفي هذه الصورة فقط لتبين مستوى الروح التي تتمتع بها المقاتلات ومشاعرهنَّ تجاه شعبهنَّ ومجتمعهنَّ. فهذه المقاتلة التي تحمل سلاحها على كتفها وتعمل بمفهوم حماية المرأة والحياة من جهة، ومن جهة أخرى تحمي الحياة بين ذراعيها ولا تسمح لها بالإصابة بالبرد، أصبحت من خلال مسؤولياتها وواجباتها قدوة للآخرين. فذلك المنديل الأزرق على رأسها يظهر مدى نقاء قلبها وعقلها. لقد استطاعت المقاتلات بابتسامتهنَّ كسر الكثير من القيود والحواجز وفي نفس الوقت دخلنَّ القلوب وكسبنَّ المحبة، كما أنهنَّ عُرفنَّ بحماية كرامة شعبهنَّ من قبل الجميع.
من جهة أخرى وبينما كنت أسير داخل المخيم، صادفت مقاتلة مرحة وذات وجه باسم. وعندما كانت تلك المقاتلة تمازح الطفلة التي كانت بين ذراعي والدتها، أردت على الفور اغتنام تلك اللحظة وتخليدها في التاريخ من أجل أن يرى العالم حقيقة المقاتلات. شعرت بشغف تلك المقاتلة ذات الشعر المجعد المجدول كسنابل القمح وحبها للأطفال دون أن ألتقيها. تلك لحظةٌ يمكن أن تتكرر ولكن نفس الشعور لا يتكرر. كانت ممازحتها وملاعبتها للطفلة مختلفة تماماً، حتى أن الطفلة شعرت بدفء ومحبة تلك المقاتلة. فقد نبعت الضحكة التي ارتسمت على شفاه تلك الطفلة الصغيرة من جمال تلك المقاتلة. وبجمال روحها احتلت ذات الشعر المجعد والضفائر السوداء، صاحبة الكوفية الحمراء قلب كل من رآها وكسبت ودهم. وخاصة أولئك الأطفال الأبرياء الذين ذنبهم الوحيد هو أن آبائهم وأمهاتهم دواعش.
لا يتصرفون كأشخاص مسلحين بل كحماة للشعب
من جهة أخرى صادفت إحدى أفراد قوات الأمن (الأسايش) أثناء قيام المقاتلين بإجلاء اللاجئين العراقيين وإفراغ قطاعهم. يخاف المجتمع في جميع البلاد من المقاتلين وأعضاء النظام العسكري، لأنهم يمارسون الضغوط على الجميع، ولكن بشكلٍ مختلف ومثير للاهتمام لا يُعرف المقاتلون في شمال وشرق سوريا فقط كمقاتلين بأسلحتهم وبنادقهم. بل على العكس من ذلك، يتعاملون كحماة ومدافعين عن هذا الشعب. وبالإضافة إلى مساعدة الأطفال وكبار السن على عبور الشارع، يلعبون مع الأطفال أيضاً. واليوم عندما كانت إحدى النساء تجر العربة التي تضع داخلها والدتها المسنة البالغة من العمر 70 عاماً وطفليها. قامت إحدى أفراد الأمن (الأسايش) بمساعدتها وجرت العربة بدلاً منها. كان مغزى هذه اللحظة هو كيف أن أعضاء الأمن والمقاتلين يشعرون بألم أمهاتهم ولا يريدون أن يشعرنَّ بالعجز. في الوقت نفسه، كان مقاتلي قوات مكافحة الإرهاب بتعاملهم ونهجهم تجاه الأطفال يمنحونهم القوة ولا يسمحون لهم بالشعور بالخوف. ومما لفت الانتباه أيضاً أن الأطفال قد رفعوا علامة النصر مع المقاتلين. فالتحية التي قدمها أحد أعضاء قوات مكافحة الإرهاب لطفل يبلغ من العمر أربع سنوات أعطته القوة والروح المعنوية.
تُشن حرب قاسية وقذرة جداً على عالم الأطفال
في نفس الوقت الذي كنت أتجول فيه مع المقاتلين في المخيم، صادفت طفلة تبلغ من العمر 8 سنوات كانت ترتدي ملاءة سوداء فوق رأسها. سألتها لما وضعت الملاءة على رأسها، كان جوابها أنها عندما ترى الجميع يرتدون ملاءة سوداء على رؤوسهم، فإنها هي أيضاً تضعها على رأسها دون معرفة السبب. قالت بأنها تريد خلعها لكنها تخاف ولا تستطيع اتخاذ مثل هذه الخطوة. أرادت تلك الطفلة التكلم أكثر لكن والدتها رمقتني بنظرة حادة وأمسكت يدها وأخذتها ولم تدعها تنهي حديثها. حاولت أن أوقفها لكن لم أستطع. يتم شن حرب قاسية وقذرة للغاية على عالم الأطفال. فيبدو الأطفال وهم في ربيع أعمارهم وكأنهم أجداد وجدات يبلغون من العمر 80 عاماً من خلف تلك الملاءات السوداء.
إذا لم يتخلص مخيم الهول من مرض داعش، سيضيع مستقبل جميع الأطفال. ولا يخفى أيضاً أنه سيتم بناء عالم تسوده أفكار داعش. فخطر هذا المخيم يزداد يوماً بعد يوم وهو يعتبر القلب النابض للداعش في نفس الوقت. والفرق بين المقاتلين الأنقياء، وأطفال ونساء داعش مثل الفرق بين الأرض والسماء.