زواج الفاتحة تحايل من أجل تزويج القاصرات

برغم اعتبار قانون مدونة الأسرة المغربي وثيقة عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثباته، إلا أن هناك أسر لازالت تتحايل لتزويج الفتيات عن طريق ما يعرف بـ "زواج الفاتحة"، ويتم وفق الأعراف في بعض المناطق في القرى والبوادي لاعتبارات اجتماعية وثقافية واقتصادية.

حنان حارت

المغرب ـ برغم تطور بنية وعقليات المجتمع المغربي، إلا أن التحايل على القانون اعتماداً على العادات والتقاليد البالية والتجاوز لما نصت عليه مدونة الأسرة من قبل بعض العائلات لازال سارياً.

تعمد بعض الأسر إلى تزويج بناتها بالفاتحة، وذلك بقراءة سورة الفاتحة بحضور الشهود، إذ يعتبره البعض شرعياً لتوفره على جميع أركان الزواج من موافقة الطرفين وشهود وصداق، فيما يعتبره آخرون زواج عرفياً يتم من خلاله التحايل من أجل تزويج القاصرات.

وينص القانون المغربي على أن الزواح يظل باطلاً بدون وثائق ثبوتية، وهو مكسب للنساء لضمان حقوقهن في حالة تراجع الزوج وإنكاره ومحاربة ظاهرة تزويج القاصرات بالإجبار والتحايل. 

وقد انكب قانون مدونة الأسرة على مسألة توثيق الزيجات التي تمت عن طريق زواج الفاتحة، وذلك من أجل تطويق الإشكاليات القانونية والاجتماعية التي تنتج عنه، وكذلك وضع حد للهدر الحقوقي الذي يقع أولاً على المرأة وثانياً على الأطفال الناتجين عن هذا الزواج خاصة عند حدوث نزاعات أو في حالة وفاة الزوج أو الزوجة.

ولتوثيق زيجات الفاتحة التي تمت قبل إقرار مدونة 2004 نصت المادة 16 في البداية أن هناك فترة انتقالية مدتها 5 سنوات تم خلالها بشكل استثنائي إثبات تلك العلاقات الزوجية عن طريق القضاء من خلال تقديم دعوى سماع الزوجية، كما قامت وزارة العمل بحملات توعوية، ونظمت كذلك محكمة متنقلة إلى القرى النائية، كما تم تمديد الفترة لمرتين بشكل استثنائي لإنهاء زواج الفاتحة، لكن تبين فيما بعد ظهور حالات جديدة لهذا الزواح، وهو ما يؤكده ارتفاع نسب قضايا إثبات الزوجية، وبالتالي يتحول الاستثناء إلى قاعدة.

تقول نعيمة. ل 46عاماً، وهي احدة من النساء اللواتي قبلن بهذا النوع من الزواج "تعرفت على رجل يبلغ من العمر 67 سنة، أخبرني في بداية العلاقة أنه غير متزوج، لكن بعد أشهر أصريت أن يتزوجني، فكان يتهرب في كل مرة، إلى أن أخبرني ذات يوم أنه يود الزواج بي، لكنه متزوج ولديه أطفال، وأنه يتفادى غضب زوجته الأولى ويخاف من مطالبتها بالطلاق وأن ذلك يمكن أن يترتب عنه مشاكل أسرية هو في غنى عنها".

وبرغم كونها قبلت في البداية بهذا الزواج إلا أنها تعد ضحية، لأنها لم تنتبه لهول ما قامت به إلا بعد وفاة زوجها، بحيث ضاعت حقوقها كاملة "وافقت على الزواج بحضور أسرتي فقط، وقد تم الزواج بقراءة الفاتحة، ومن ثمة انتقلت برفقته إلى بيت إجار لكن بعد ثلاث سنوات من الزواج توفي، وضاعت حقوقي كزوجة بسبب عدم امتلاكي وثيقة رسمية وقانونية تثبت زواجنا".

أما فدوى. أ 19 عام، وهي ضحية شابة لزواج الفاتحة حين كانت في الخامسة عشر من العمر، تروي لوكالتنا تفاصيل هذه الفترة التي اغتصبت فيها براءتها ولوثت بأياد عائلية "أجبرني والدي على الزواج في سن مبكر وأنا طفلة لازلت العب بالدمى، وبرغم رفض القاضي في المحكمة منحي الترخيص، أُجبرت على الزواج من رجل يكبرني بعشرين سنة، ومنعت من الذهاب إلى المدرسة كباقي رفيقاتي، بعد أن قبض ثمن بيعي، لقد وهبني والدي بقراءة الفاتحة فقط، وأنا طفلة لا أفقه أي شيء عن الزواج ولا أعرف مسؤولياته، ولا أفهم أين تم الزج بي".

وبعد صمت قليل أضافت "أرادوا التخلص من مسؤولياتهم تجاهي بحجة الحاجة والفقر وعدم القدرة على تعليمي وتوفير احتياجاتي، وتم غرس فكرة بداخلي أن الزواج كان لمصلحتي، وبعد فترة قصيرة، أعادني ما يسمى بزوجي إلى أسرتي ثم اختفى إلى اليوم، أنا اليوم ضحية للجهل والفقر، مستقبلي مجهول ولا أعرف ماذا ينتظرني". 

وتعليقاً على هذه المآسي التي تتسبب فيها العائلات، قالت الحقوقية نجاة الرازي، عضو مكتب الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء، إن زواج الفاتحة هو تحايل على القانون بهدف التعدد وتزويج القاصرات.

وأكدت أن بعض العائلات تسمح بزواج الفتيات مبكراً، لأنهم يحصرون دور المرأة في المطبخ وأعمال المنزل والإنجاب "هناك نظرة معينة للمرأة بأنها في مرتبة أدنى، وأنها تابعة اقتصادياً وأن وظيفتها هي الإنجاب ورعاية الأسرة، وبالتالي عندما يتم اختزالها في هذه الوظائف يصبح تزويجها قبل سن 18 سنة سواء عن طريق الفاتحة أو طلب الإذن من القاضي مقبولاً".

ولفتت الحقوقية أن مدونة الأسرة الحالية تحوي ثغرات في المادتين 20و21 وهي أنها تسمح بتزويج الفتاة قبل سن 18 سنة، وتتيح لمسألة الاستثناء المرتبط بإذن القاضي "لا يمكن تناول تزويج القاصرات من الناحية القانونية بدون ربطه بورش تعديل مدونة الأسرة، لأن جميع مقتضيات مدونة الأسرة بما فيها تعريف الأسرة وتعريف الزواج بما فيه عقد الزواج وطريقة ربط العلاقة الزوجية وطريقة إنهائها، إضافة إلى بعض المقتضيات المرتبطة بالحضانة والنفقة والولاية الشرعية على الأطفال وتعدد الزوجات ونظام المواريث كلها تخضع لنفس الفلسفة".

وأضافت أن هناك بعض الأسر "لا تعي أن الفتاة مكانها الأساسي هو المدرسة وأنها مواطنة ويمكن أن تساهم في عملية التنمية الاجتماعية، عندما تتابع دراستها وتعليمها وتحصل على شهادات عليا، وأنها إذا عملت يمكن أن تحصل على مسؤوليات قيادية في المجال الاقتصادي وأيضاً المجال السياسي والاجتماعي". مبينةً أنه "عندما ننظر للمرأة بأنها ليست مواطنة وليست لديها تلك الحقوق يكون من السهل السماح بتزويجها قبل 18 سنة، وبأي طريقة كانت".

وأكدت نجاة الرازي أن تزويج القاصرات بأي شكل من الأشكال، يعد انتهاكاً وحرماناً من ممارسة حقوقهن الإنسانية وممارسة المواطنة، لافتةً إلى ما يسمى بـ "القوامة"، "اعتبار الرجال قوامون على النساء، ينطلق من تلك النظرة التي تركز على فكرة عدم عمل المرأة وأنه لا يمكنها أن تكون مستقلة مادياً، وبالتالي يتم السماح بتزويج الطفلات مهما كان سنهن سواء عن طريق الفاتحة أو عن طريق أخذ الأذن من القاضي".

وعن المخاطر التي تصادف تزويج الفتيات، والنساء عن طريق الفاتحة قالت "في حالة انفكاك العلاقة أو وفاة الزوج، فإن المرأة تخرج خالية الوفاض"، مشيرةً إلى أن الدراسات بينت أن أعلى نسبة وفيات خلال الوضع كانت لفتيات قاصرات "هذا انتهاك لحقوق الطفل لأن اتفاقيات حقوق الطفل التي وقع عليها المغرب ومصادق عليها تحدد السن الذي يؤهل الفتيات للإنجاب، أن هؤلاء الفتيات لا يمكنهن أخذ قرار تحمل مسؤولية بناء أسرة وهن لا تزلن بهذا العمر ودون تجارب في الحياة".

وتحدثت عن النقاش الدائر حول مراجعة المدونة "هناك آراء تريد الرجوع بنا للوراء وتدفع إلى الحفاظ على مسألة تزويج القاصرات ووضع شروط استثنائية في حين أن تقييم تطبيق مدونة الأسرة خلال مدة 18 سنة منذ إقرارها في 2004، بينت أن المادة 20 و21 التي أعطت الاستثناء أضحت قاعدة"، لافتة إلى أن الإحصائيات المتعلقة بعام 2022 تثبت ذلك "تم تقديم 2027 طلب إذن للزواج، 99 بالمئة كانت لقاصرات ومنحت المحكمة التراخيص لـ 70 بالمئة"، مؤكدةً أنه "من غير المقبول أن 70% تعطى فيها الاستجابة للطلب ونظل نعتبر الأمر استثناء، لأن الإستثناء عندما نكون أمام 1% هذا إذا أخذنا فقط  المبررات القانونية التي تقول إن الحالات التي أعطيت فيها التراخيص جاءت بناء على الحمل".

وحول مكان انتشار هذه الزيجات أوضحت "يظن البعض أن زيجات الفاتحة منتشرة في البادية النائية حيث الفقر والأمية، لكن 47% من هذه الطلبات كانت في المدن فالظاهرة منتشرة في جميع المناطق".

وعن الحلول التي تراها كفيلة للتصدي لهذا النوع من الزواج قالت "كناشطة نسائية تدافع عن حقوق النساء وتؤمن بالمساواة بين الجنسين وكجمعية موقفنا هو منع تزويج القاصرات بشكل استثنائي ومنع الإستثناء من مقتضيات مدونة الأسرة الجديدة، ويمكن عمل إجراءات احترازية، للحد من الاعتقادات البالية التي تشرعن زواج الفاتحة، وعدم السماح بتزويج القاصرات لأن مكانهن هو المدرسة وإن لم يتمكن من متابعة الدراسة، يمكن توجيههن للتدريب المهني".

ولفتت إلى أنه يجب العمل على تغيير العقليات والأفكار "يجب نشر ثقافة المساواة التي تجعلنا على وعي بأن تزويج القاصرات هو تمييز ضدها لأنه يحرمها من حقوقها كمواطنة، وكإنسانة تعيش حياتها بكرامة، وتمارس حقوقها الإنسانية في المجتمع عوض أن يتم الزج بها في مسؤوليات الأسرة وهي طفلة وبالتالي تصبح أمام مسؤولية إنجاب طفل وهي طفلة".

وعن كيفية تربية السلوك الإجتماعي الذي ينبذ كل مظاهر التمييز والعنف ضد النساء والفتيات، قالت "بالرغم من الإجراءات يمكن خرق القانون، لهذا ينبغي كلما خرق القانون أن يتم تجريم الزواج بالنسبة للذين يلجؤون للتحايل، وعلى الحكومة التدخل لوضع حد لمثل هذه الممارسات، وذلك بمختلف الإمكانيات والآليات المتاحة لديها في البوادي والجبال والمدن من أجل الوقوف على أي خرق للقانون، وإيجاد بدائل لهذه الأسر للتخلص من تلك الأعراف التي تسمح باستغلال النساء".