ياسمين علاء: الزخم العالمي والمحلي أثر إيجاباً على قضايا النساء وساهم في تحقيق انجازات ملموسة

أرث كبير حملته المؤسسات النسوية على كاهلها وتاريخ نضالي وأزمات تتوالى ومشهد متأرجح من حين لآخر

أسماء فتحي

القاهرة ـ أرث كبير حملته المؤسسات النسوية على كاهلها وتاريخ نضالي وأزمات تتوالى ومشهد متأرجح من حين لآخر، وعمل دؤوب نحو إيجاد حلول للأزمات المفروضة على النساء وما يتعرضن له من انتهاكات ممنهجة في كثير من الأحيان، كل هذا وغيره من الأمور أصبحت محط اهتمام الباحثين في الشأن النسوي في محاولة منهم للوقوف على إجابات للتساؤلات المطروحة وإيجاد آليات للتعامل معها ومعالجة البعد المجتمعي شديد التعقيد في القضايا النسوية.

للوقوف على بعض القضايا الخاصة بالنساء من خلال العمل الذي قامت به، كان لوكالتنا الحوار التالي مع الباحثة النسوية ياسمين علاء، التي تعمل معيدة في العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والتي تماشت إلى حد كبير مع الوضع النسائي من خلال عملها على رصد ودراسة وبحث مجموعة كبيرة من التقارير الدولية والعربية والمحلية ارتبطت بأوضاع النساء وقضاياهم وآليات الدعم والحلول الممكنة.

حالة زخم واسعة النطاق تحدث بحلول يوم المرأة العالمي... كيف ترين حجم تأثير ذلك اليوم على قضايا النساء المختلفة؟

لهذا الاحتفاء تأثير ملموس في خلق الحراك، فهو احتفال بما حققته النساء العاملات من إنجازات ومكتسبات اقتصادية في المنطقة الغربية ثم تطور الأمر ليشمل باقي الحقوق المنتهكة على مختلف المستويات من تمكين سياسي واجتماعي وثقافي بالإضافة إلى الاقتصادي.

والتركيز على يوم المرأة المصرية في تقديري بالغ الأهمية، الذي يوافق 16آذار/مارس، لخصوصيته من جهة والعمل على رصد نضال المرأة المصرية واستعادة حقوقها المختلفة وذات الطابع الخاص في بعض القضايا.

ومع الحراك والزخم العام خلال هذا الشهر تتنوع المطالب وتتفرع لتشمل التمكين الشامل للنساء، وبالتزامن مع انتشار الوباء العالمي "كورونا" رصدنا الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في المجال العام والخاص، ونعمل في حركة متكاملة لوضع الأيدي على هذه انتهاكات.

السوشيال ميديا والمؤسسات النسوية التي سيطرت على المشهد في مصر خلال الفترة الأخيرة، هلا أخبرتنا عن حجم الاستجابة والتفاعل الناتج عن هذا الحراك؟

جميعهم له تأثير في قضايا وأزمات النساء خلال الفترة الأخيرة، فالسوشيال ميديا خلقت حراك مجتمعي حول الكثير من القضايا بداية من المتحرش أحمد بسام زكي حتى اليوم وظهرت على الساحة أيضاً حركة جديدة للنساء بدأت تحقق انجازات ملموسة مؤخراً.

والضغط عادة ما يحرك الكثير من القضايا، إلا أني لازالت أرى أن الحراك والزخم المجتمعي على القضايا المختلفة يأتي بثماره وتأثيره الضاغط إذا ما توافق مع المزاج العام وحدث عليه إجماع نسبي.

كما أن المبادرات والمؤسسات المختلفة وخاصة النسوية منها كان لهم دور فاعل وإيجابي في الكثير من القضايا وتحرك المجتمع تأثراً بموجة الكلام الشجاعة التي قامت بها الناجيات أو الضحايا.

وأرى أن المبادرات والمؤسسات النسوية هي الوحيدة القادرة على تحريك المياه الراكدة والقضايا المسكوت عنها مجتمعياً ومن ثم الانتصار لأصحابها سواء كان مادياً أو معنوياً أو من خلال فتح المجال للحديث عنها بعدما كان درباً من المحرمات.

 

كيف ترين عمل المبادرات الشابة على تكملة المؤسسات وهل ترينها إضافة قوية بأدواتها وشكلها الجديد؟

أجد أن المبادرات الشابة لديها طاقة ووجوهها جديدة ولديها قدرة أكبر على معايشة الواقع، فالأصل أنها نتاج أفكار وحركة من الأرض، وتتحدث عن فكرة ناتجة عن تجربة أصحابها والمحيطين بها، ولديهم أمل ولغة خطاب قريبة وبسيطة على السوشيال ميديا.

وتمكنت المبادرات الشابة من استخدام أدوات مختلفة فحصلوا على الزخم في كثير من القضايا، وأرى أن لديهم أزمات وتحديات كالعنصر البشري وبعضهم لا يمتلك الخبرة الكافية للتعامل مع القضايا النسوية ويحتاجون للمؤسسات النسوية ذات الخبرة والتاريخ لتقديم الدعم لهم، كما أنهم يعانون من نقص في الموارد التي تمكنهم من تحقيق أهدافهم ورغم ذلك أحدثوا حراك فعلي على الساحة بشكل عام.

وتلك الحالة خلقت تضامن نسوي من فتيات قمن بالتضامن النسوي الحقيقي مع الناجيات على سبيل المثال، ومتفائلة بالجيل الجديد لأن لديهم القدرة على خلق حالة من الزخم حول القضايا بلغة قريبة وبسيطة.

قمتي كباحثة بالعمل على عدد من التقارير الدولية والمحلية... فهل بإمكانك إخبارنا على أبرز ملامحها؟

عملت على عدد من الملفات بالفعل ومنها المرأة في مناطق الصراع كـ "المرأة السورية واليمنية"، والتمييز المضاعف الواقع عليهن، لكونهن نساء بالأساس فضلاً عما تمر به بلدانهم من أزمات.

كما قمت بالعمل على رصد وضع النساء في ظل انتشار الفيروس العالمي كورونا، فوضعهن يسيطر عليه الهشاشة التي زادت وتضاعفت خلال تلك الفترة على وجه التحديد وبدأنا بالعمل لرصد ذلك وتحديد آليات المواجهة، ومعرفة أسباب وقوع النساء تحت وطأة العنف بشكل مضاعف خلال تلك الفترة.

وركزنا على قضايا العنف الأسري إلى حد كبير كما قمنا برصد الانتهاكات الواقعة على النساء ومعدلاتها المرتفعة إلى حد كبير، وهو عمل شديد الصعوبة في ظل الجائحة، ونعمل في الوقت الحالي على التفكير والبحث في إمكانية ظهور حركة نسوية جديدة.

اللاجئات هن الأكثر عرضة للانتهاكات ورأينا ذلك في الموجة الأخيرة... هلا اخبرتنا عن وضعهن وما يتعرضون له من ابتزاز؟

نعم، هن فئة تعرضت لعنف وابتزاز على كل المستويات وانتهكت الكثير من حقوقهم وتم استباحتها خاصة في ظل الوباء، ونحن نتحرك من خلال  الكلام الذي قامت به نساء من جنسيات مختلفة ومنها الافريقية وخاصة الذين تعرضوا منهم للطرد من المنازل، وتم استغلالهم جنسياً بل وتعرض بعضهم للاغتصاب.

وتعاني تلك الفئات على وجه التحديد من ظروف خاصة خلال فترة كورونا ومنها نقص الأموال وعدم القدرة على تلقي العلاج ويمكن القول أن بعضهم عانى من ضغوط مضاعفة عن الطبيعي خلال تلك الفترة

وعملنا على نشر الوعي بالفيروس والتداوي منه والوقاية وسبل التعامل مع الاصابة في ظل الامكانيات المحدودة المتوفرة لديهم، كما قمنا بالسعي لتوفير بيوت استضافة لهم بالتعاون مع الشركاء الفاعلين في هذا الملف.

ما هو تأثير السينما على قضايا المرأة؟ وهل ترين أن هناك تغير في المعالجات أم أنها مازالت تمارس انتهاك وتعدي على حقوق النساء؟

 لدينا أرث لا يستهان به في السينما المصرية رسخ في الوجدان الاعتداء على المرأة وجعله أمر مقبول ومحبب للنفس باستخدام الطابع الكوميدي فترسخت في الوعي واللاوعي.

وأيضاً كان هناك تاريخ قديم للسينما المصرية معبر عن النضال النسوي من أجل الحق في العمل والتصويت وكانت هناك أفلام لمعالجة القضايا النسوية وطرحها على المجتمع.

لذلك يمكننا القول أن لدينا مسار متأرجح فالسينما من جهة ترسخ الانتهاكات في قضايا الجسد على سبيل المثال وعلى الجانب الآخر كان هناك معالجة سينمائية ودرامية لقضايا نسوية حقيقية.

أما الآن فيتم تسليط الضوء على قضايا المجتمع وبدأت الدراما تنظر على الواقع ومنها مسلسلات تحدثت بعضها عن التحرش وأخرى عن بعض قضايا الأحوال الشخصية.

كان هناك سلسلة من حلقات حملت عنوان "إلا أنا" في قصص منفصلة بسيطة تنتهي حلقاتها في أيام قليلة ناقشت عدد من القضايا بعضها متعلق بالجسد والأحوال الشخصية وجذبت انتباه بعض المؤسسات بالفعل لتلك القضايا.

وكانت هناك معالجات درامية حقيقية أخذت من ترند السوشيال ميديا ملهم لرفع وعي شريحة كبيرة جداً من الأسر المصرية مؤخراً وأثرت في المناخ العام، وعلى الجانب الآخر مازالت هناك انتهاكات تمارس في مسلسلات وأفلام سينمائية بل وإعلانات لنجوم كبار، وهناك مجموعة من المواد الدعائية المتكاملة ترسخ الاعتداء على النساء.

هل ترين أن التغيير بات ملموس خاصة بعد استحداث أدوات توعية وتفاعل مع قضايا عديدة منها الختان وزواج القاصرات؟

 أرى أن القضيتين ليسوا على نفس المستوى لأن تشويه الأعضاء التناسلية للفتيات أخذت زخم دولي ومحلي وهو ما نتج عنه إحراز نتائج إيجابية ملموسة إلى حد كبير.

كما أن الجانب المؤسسي الرسمي عمل على تلك القضية تحديداً بشكل واضح وملموس من خلال التدريب والتوعية وكذلك المؤسسات الدينية التي أكدت أنها ليست من الدين وأنها عادة افريقية فضلاً عن المؤسسات النسوية التي تبنتها وضغطت من أجل تغليظ عقوبتها وتفعيلها.

ولقي العمل على منع تشويه الأعضاء التناسلية للإناث قبول مجتمعي إلى حد ما حيث أعلنت الكثير من الأسر أنها لن تختن أبناؤها والوعي نسبياً وصل للكثير من البيوت باستثناء بعض القرى التي لازالت مراكزها الصحية تتربح من الأمر، ورغم أن تلك الجريمة لم تنتهي ولم تنحصر بالمعنى الكامل إلا أن هناك عمل مؤسسي ومجتمعي على مناهضتها.

أما في قضية تزويج القاصرات فالقانون والجانب المؤسسي لازال يتعامل معها باستهتار ونحن متأخرين فعلاً في تلك القضية والأمر يحتاج لبعض الخطوات الأكثر جرأة في هذا الملف والعمل على رفع أكبر لمعدل الوعي.

ما تقديرك لأهمية الدور التشريعي في محاصرة الجرائم التي ترتكب بحق النساء؟

هناك وضع أفضل إلى حد كبير متمثل في تغليظ العقوبات وهو ما ساهم في تقليل الجرائم ومنها ما يمكن أن نجده لا يحقق المرغوب ولا يلبي الاحتياج كما هو الحال بالنسبة للتحرش.

وأرى أن القوانين مجرد أداة ولن تكون وحدها قادرة، والعمل على الجانب التوعوي والتثقيفي له تأثير فعال في الحد من الجرائم وهي الخطوة الأسبق على التشريع بل والضامن لفاعليته على أرض الواقع.

فكل النساء تتعرض للتحرش رغم أن العقوبة تم تغليظها وهذا مؤشر واضح على عدم جدوى التشريع منفرداً فهناك انتصارات قانونية فعلية ولكنها غير كافية وتحتاج لأدوات أخرى مكملة.

 

البعض يقول أن النسويات يعملن في غرف منعزلة بعيدة عن المرأة التي تقهر خاصة، فكيف ترين تلك الاتهامات اللصيقة بالمؤسسات النسوية؟

لا علاقة لها بالحقيقة فهي مجرد تشويه للحركة الأكثر قدرة فعلياً على التغيير والأكثر قرباً من الواقع وتعبيراً عن آلامه وتطلعاته واحتياجات أفراده وخاصة النساء.

وهذه الاتهامات لصيقة بالقضايا النسوية لأنها ليست على المزاج العام، كمفهوم النسوية في حد ذاته فنحن بتنا نتعايش معها ولا نكترث لها لأن ببساطة عملنا على غير هوى المجتمع وهذا أمر طبيعي.

وقطاع كبير بالفعل من المؤسسات يرصد قشور القضايا ولا يتعمق بها لأنها تعمل من الأعلى للأسفل، أما المؤسسات النسوية هي تلك الموجودة فعلياً على الأرض لأنها تسير من الأسفل للأعلى.

 مجموعة من الاجراءات أعلنت عنها الدولة مؤخراً ومنها أنها تدعم حقوق النساء... ما تقديرك لتأثير المسار المؤسسي الرسمي تجاه قضايا النساء على أرض الواقع؟

هناك تأثير فعلي ناتج عن توجه الجانب الرسمي بمؤسساتها المختلفة من سلطة تنفيذية وتشريعية وقضائية نحو إصدار بيانات بخطابات كاملة موجهة للنساء.

ولكن الأمر يحتاج لتفكير في طبيعة هذا الخطاب وما إن كان يحتوي على بعد نسوي حقيقي أم لا، لنجده أيضاً متأرجح فهو داعم لبعض القضايا ولا يلتفت لأخرى، كما أن هناك خطابات أبوية صريحة من السلطة القائمة ولكنها قد تبدو موجهة للنساء.

ولدينا قانون قيم الأسرة المصرية التي لا نعلم عنها شيء وهو ما يجعلنا أمام سؤال شائك باحث عن سبيل للتعامل مع تشريع لا يعلم الكثير محدداته ويتم تطبيقه على النساء دون أن نمتلك له تفسير.

ورغم أن عدد كبير من الخطابات الصادرة عن المؤسسات الرسمية تحمل طابع الوصاية والأبوي، إلا أن هناك تقدم إلى حد كبير في التعاطي مع قضايا النساء بشكل عام.