وسط صمت مريب... إبادة وتغيير ديمغرافي مستمر في عفرين

تستمر عمليات التغيير الديمغرافي في عفرين المُحتلة، بإنشاء مستوطنات في نواحي المقاطعة، وتوطين عوائل المرتزقة، وتغيير أسماء القرى وفرض اللغة التركية، بالإضافة إلى تدمير المزارات وبناء جوامع، في خرق للقوانين الدولية

فيدان عبد الله
الشهباء ـ .  
مُنذُ عام 2018 والاحتلال التركي يرتكب أفظع الجرائم والانتهاكات بحق أهالي عفرين، إلى جانب إبادة الطبيعة، وغيرها من الأعمال الإجرامية أمام أعين المجتمع الدولي الذي لا يُحرك ساكناً، إلا أن حلم العودة لأكثر من 350 ألف مُهجر في مخيمات النزوح بالشهباء باقٍ بانتهاج المقاومة ركيزة أساسية في حياتهم. 
 
 
وعن الوقائع والتغيير الديمغرافي المُمنهج على أرض عفرين المُحتلة، تقول عضوة مُنظمة حقوق الإنسان عفرين- سوريا روشين حدو "أن التغيير الديمغرافي هو ذاك التحول الذي يطرأ على القوام والبنيان السَكاني على رُقعة جُغرافية ناجمة عن أفعال إرادية من قبل جهة أخرى ليفقد إرادته في ذلك التحول".
وتتابع "التغيير الديمغرافي لا يتم إلا إذا سبقه فعل إجرائي آخر، من نقل مجموعات سكانية من مكان، وجلب مجموعات سكانية أخرى ليحل مكانه، وهو ما يُسمى بالتهجير والنقل القسري، ويندرج ضمن جرائم حرب ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وفق القانون الدولي الإنساني".
وعن سياسة التهجير القسري المُمارسة، تبين "طُبقت هذه السياسة في عفرين على طريقتين، بفعل الاحتلال التركي، الأولى من خلال التهجير المباشر، بإرغام الأهالي للخروج من أرضهم ومنازلهم"، وتشير إلى أنه في تللك الفترة هُجر أكثر من 350 ألف نسمة من أهالي المنطقة، وتم توطين عوائل مرتزقة الاحتلال التركي بدلاً منهم.
وشنت الدولة التركية هجماتها على مقاطعة عفرين في 20كانون الثاني/يناير 2018، استخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة الثقيلة البرية والجوية، لتحتلها في 18أذار/مارس في ذات العام، بعد مقاومة عظيمة أبداها الشعب لمدة 58 يوماً.
وتضيف "التهجير القسري الغير مُباشر، يتم عن طريق الضغط على الأهالي الأصليين، واضطهادهم لإجبارهم على ترك موطنهم، وهذا ما يُمارس بعد احتلال عفرين".
ويتعرض الأهالي من كبار وصغار ونساء خاصة في عفرين المُحتلة لشتى أنواع الانتهاكات يومياً، منها عمليات اختطاف، قتل، والاستيلاء على ممتلكاتهم الخاصة، "جميع أشكال الضغط والاضطهاد الذي يُمارسه الاحتلال التركي يهدف إلى إبادة الشعب وإخلاء المنطقة من سُكانها الأصليين بشكل إجباري".
وبحسب إحصائيات منظمة حقوق الإنسان عفرين ـ سوريا في عام 2020، فقد بلغ عدد الضحايا 58 بينهم 9 نساء، وبلغت حالات الخطف 987 شخصاً، كما فقد وجرح 170 شخصاً نتيجة الانفجارات التي بلغ عددها 39، واختطفت 35 امرأة، وسجلت 67 حالة اغتصاب بحق النساء، و5 حالات زواج قسري.
ويُعتبر التهجير القسري وفق القوانين الدولية جريمة من جرائم الحرب، وجريمة ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، "وفق نظام روما الأساسي والمواد رقم 6، 7، 8، والمادة 49 لاتفاقية جنيف الرابعة، والبروتوكولان الإضافيان الأول والثاني لجنيف هي أيضاً تنصُ على أن التهجير القسري من جرائم الحرب".
وتُعتبر سياسة إسكان أهالي غير عائدين للمنطقة في أرض لا تعود لهم، وأعمال النهب والسرقة والاعتقالات واقتطاع الأراضي وضمها لتركيا وغيرها، وبث الهلع والخوف في نفوس الأهالي لتهجيرهم من أخطر السياسات التي تُطبق في عفرين المُحتلة، وترتقي إلى جرائم تطهير عرقي وإبادة.
وتؤكد أن الاحتلال التركي عمد إلى إقامة مُخيمات عشوائية في عفرين، وبناء 18 مُستوطنة مُوزعة في كافة نواحي المقاطعة، "فعلى طريق قرمتلق في ناحية شيه أنشأ 200 منزل مساحة كل واحدة منها 70 كم، وفي سهل قرية سوركه التابعة لناحية راجو بنى مستوطنتين، وآخر في قازقلي، وشمال قرية تاتاره تم إنشاء مستوطن آخر، وفي ميدان أكبس إلى جانب قرية عطمانة في ناحية راجو".
وتبين بأنه أُنشأ في ناحية بلبلة مستوطن في قرى خلالكا، وقسطل خضريا، وقسطل مقداد، وثلاث مستوطنات أخرى في ناحية شرا في كل من قرى بافلون، بعرافا وماتينا، وفي باصوفان وشاديرا بناحية شيراو، وعلى طريق كفر شيل، "بدعم من جمعيات ومنظمات قطرية، كويتية وهي ما تسمى بجمعية إحسان الخيرية، وجمعية العيش بكرامة، إضافة إلى مُنظمة تركيا تسمى "آفات" التي تمول لإنشائها".
 ويهدف الاحتلال التركي من التغيير الديمغرافي وارتكاب الجرائم والانتهاكات إمحاء الهوية الكردية في المنطقة، وإضفاء صبغة تركية من خلال تدريس اللغة التركية في المدارس بدلاً من الكردية، وتغيير أسماء المدارس، والشوارع والساحات من الكردية للتركية والعربية، ورفع علم الاحتلال التركي فوق المدارس، وإصدار هويات شخصية باللغة التركية، إلى جانب تغيير أسماء المواطنين الكردية، هذا ما تؤكده روشين حدو.
وتشير إلى أن الاحتلال لم يكتفي بهذه التغييرات، بل يتعمد إلى بناء المساجد في القرى الإيزيدية، وتفريغ بعض القرى الإيزيدية من سكانها الأصليين، "يُجبرون الإيزيديين على اعتناق الإسلام، ويدمرون مزارات وأماكن عبادتهم، كما نهبوا كنيسة المسيحيين في مركز عفرين من محتوياتها، ودمروا مركز العلويين في ناحية موباتا".
وتُوثق مُنظمة حقوق الإنسان عفرين ـ سوريا الانتهاكات، وتُرسل التقارير إلى لجنة تقصي الحقائق الخاصة بسوريا التابعة للأمم المتحدة، وتطالب عضوة مُنظمة حقوق الإنسان عفرين- سوريا روشين حدو "المُنظمات الحقوقية والدولية والمجتمع الدولي التدخل الفوري، ووقف الأعمال الإجرامية، وإخراج الاحتلال التركي وإعادة سكانها الأصليين".
وعمد الاحتلال التركي بعد تهجير الأهالي لجلب ما يُقارب 400 ألف من عوائل مرتزقتها من جميع مناطق ومحافظات سوريا، وتوطينهم في منازل مدنيي عفرين الذين هُجروا، ويقطنون اليوم في مخيمات الشهباء.