تونس سباقة في تقنين الإجهاض... بأيّ ثمن؟

شددت ناشطات على ضرورة مواصلة النضال وتكثيف الجهود لتتمتع النساء بحقهن في تعزيز صحتهن الإنجابية دون مساومات أو ضغوطات واتهامات.

زهور المشرقي

تونس ـ برغم تقنين الإجهاض في تونس منذ حوالي خمس عقود، لاتزال النسويات تطالبن بالمزيد من الحقوق لتعزيز الصحة الجنسية والانجابية للتونسيات وعدم ممارسة أي ضغوطات عليهن، وتجددت الدعوات بعد إلغاء الولايات المتحدة الأمريكية القرار التاريخي المعروف بقضية "رو ضد ويد" الذي يمنح النساء الحق في الإجهاض.

من السهل جداً في تونس التي تعتبر أول دولة عربية وإفريقية تُقنّن الإجهاض عام 1973، أن تُقبل أي امرأة على الإجهاض بدون أي ورقة تثبت سبب حملها أو سبب إقدامها على هذه الخطوة، وهي من إنجازات الحركة النسوية على مدار عقود من النضال والعمل إيماناً بحق النساء في اتخاذ القرارات مهما كانت صعوبتها، وكل ما يتطلّبه الأمر هو أن تتوجه المرأة أو الفتاة إلى أي مستشفى عمومي أو مركز للتنظيم العائلي بشرط ألاّ تتجاوز مدّة الحمل ثلاثة أشهر حتى لا تتعرض حياة الأم للخطر.

وقالت الناشطة الحقوقية والمختصة القانونية حنان العباسي لوكالتنا، أنّ تونس تُعتبر رائدة في مجال تقنين الإجهاض واعتباره ضمن أحقية الملكية الجسدية التي يجب النأي بها عن كل التدخلات والضغوطات، مذكّرة بأنّ الفصل 214 من المجلة الجزائية نصّ على السماح بالإجهاض في حالة ألا يتخطى عمر الجنين 3 شهور وأن توجد ضرورة صحية للإجهاض كالخطر المحدق على حياة الأم أو في حالة وجود عيب خلقي سينتج عنه جنيناً مشوهاً.

واعتبرت حنان العباسي أن ذلك بمثابة الثورة التي لاتزال تناضل من أجل انتصارها نسويات في بلدان عظمى، وقد يكون ماعاشته الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة الأخيرة خير دليل بعد قرار المحكمة العليا الأميركية الصادر في 24 حزيران/يونيو الماضي، حول إلغاء الحق في الإجهاض على مستوى البلاد وما أثاره القرار من ضجّة واسعة في صفوف النساء بشأن إمكانية اعتماد الإجهاض الدوائي بالغ الخطورة والذي قد يؤدي إلى وفاة الأم.

وأوضحت حنان العباسي أنّ تقنين الإجهاض في تونس مكّن من تعزيز الصحة الإنجابية والجنسية للتونسيات، لافتة إلى أن جائحة كورونا خلال السنوات الأخيرة أعاقت وصول النساء إلى بعض الحقوق الأساسية ومنها الحق في الإجهاض، ولا سيما أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها تونس منذ 2011 تركت أثراً، وذلك عبر ترك مؤسستين عموميتين فقط في الخدمة بالعاصمة وأخرى في محافظة سوسة بالساحل التونسي، معتبرة أن ذلك بمثابة التهميش لنساء المحافظات الداخلية اللواتي لا تجدن مكاناً يلجأن إليه في حال قررن التخلص من جنينهن لظروف صحية أو لدواعي اجتماعية أو غيرها.

وأشارت إلى أنه برغم من ريادة تونس عبر سن قانون منذ السبعينات إلا أنّ ممارسة هذا الحق قد يواجه صعوبات كثيرة بسبب سياسات الدولة بعد عام 2011 وعجزها عن توفير المساحات الآمنة للقيام بهذه العملية بعد أن كانت 72 مؤسسة تحتضن النساء في سرية تامة ودون إفصاح عن هوية المرأة ولا حتى طلب هويتها، مشددة على أن بعض النساء يجدن أنفسهن مجبرات على القيام بالإجهاض في مصحات خاصة بمبالغ تصل إلى 700 دينار أي ما يعادل الـ 300 دولار بسبب التجارب الفاشلة التي تؤدي إلى وفاة الأم نتيجة أخطاء طبّية خاصة بعد التقصير الحاصل نتيجة التسيب والفوضى الذي خلقته الثورة، وتعاني المستشفيات والمصحات الخاصة التونسية في السنوات الأخيرة من نقص فادح في توفير أدوية الإجهاض خاصة مع أزمة نقص الأدوية التي تعيشها تونس منذ عام 2018، حيث تلجأ ثلث المجهضات إلى القطاع الخاص.

وأوضحت أنه "كان لتقنين الإجهاض أن يكون متيسراً لو توفرت شروط الثورة الحقيقية، من توفير للأدوية ومتابعة الأم، والأهم من هذا كله تكثيف مراكز القيام بالإجهاض في إطار تعزيز الصحة الإنجابية للتونسيات، وهي حقوق يضمنها المشرع ضمن الفصل الخاص بالإجهاض في المجلة الجزائية، ولا ننسى أن النساء في المناطق المنسية والمهمشة يفتقرن لهذا الحق في تعدٍّ صارخ عن إنسانيتهن لممارسة هذا الحق، ومحاربة منطق الوصاية على النساء، والفئة الهشة سهلة الاستهداف".

ومن جانبها ترى المختصة في علم الاجتماع صبرين العجرودي، أن أسباب الإجهاض تتراوح بين الصحية في صورة تسبب الحمل في تعثرات للأم أو وجود تشوه خلقي للجنين وأخرى اجتماعية ترتبط بالحالة الاقتصادية للأم أو بمدى عدم تمكن الأم مستقبلاً من الاعتناء بأبنها والتكفل به ضمن عائلة توفر له كل مقومات الحياة الكريمة، أو ارتباط الحمل بعلاقة خارج إطار الزواج وما يسبب هذا الأنجاب من وصم اجتماعي للأم ضمن مجتمعات محكومة بنزعة أخلاقية ودينية بالأساس.

وأشارت صبرين العجرودي، إلى أن تونس كانت سباقة دولياً إلى تقنين هذا الحق الإنساني للنساء لكن من المؤلم الحديث اليوم عن فئة من النساء يجهضن في منازلهن بسبب نقص حملات التوعية في ما يخص الصحة الإنجابية، متطرقة إلى دور الجمعيات النسوية في أداء هذا الدور التوعوي.

وأكدت على ضرورة تمكين النساء من ممارسة حقهن بكل أريحية بعيداً عن المزايدات الاجتماعية أوربط الأمر بالجانب الديني وغيره، لافتة إلى أن هناك قانوناً صريحاً وواضحاً يجب تفعيله ومراقبة آليات تطبيقه من الناحية الصحية والأخلاقية، مشيرة إلى أنّ هناك العديد من التجاوزات الخطيرة المسكوت عنها التي تهدد حياة الأم أحياناً خاصة حين يكون فضاء الإجهاض خاصاً بسبب عدم توفره في المستشفيات خلال السنوات الأخيرة.

ودعت الجمعياتِ النسوية التونسية إلى تكثيف الجهود لتمتع النساء بحقهن في تعزيز صحتهن الإنجابية دون مساومات أو ضغوطات واتهامات.

ولفتت صبرين العجرودي، إلى أن الإجهاض ساعد تونس في تنفيذ سياسة الحد من النسل وكانت ناجحة مقارنة بالعديد من الدول التي لا تزال تعاني من الانجاب المفرط بسبب عدم تقنين الإجهاض وحرمان المرأة من ذلك الحق.

وقالت "لا ننسى أننا نعاني أيضاً من نقص فادح في عدد أطباء اختصاص النساء والتوليد في المحافظات الداخلية حيث لا يتعدى العدد الـ 10 أطباء على 10 ألاف امرأة، وفق آخر إحصائية لوزارة الصحة التونسية عام 2019، وهو أمر خطير قد يعيق التمتع بذلك الحق".

وأوضحت "نحن هنا لا ندعو إلى الإجهاض بل ندعو إلى توفير كل الإمكانيات والآليات من أجل تعزيز الصحة الإنجابية للنساء، حتى لا يفهم أننا من دُعاة ومحرضات النساء والشابات على الحمل ومن ثم التخلص من الجنين، بل يجب اللجوء للإجهاض كملاذ أخير".

وأضافت أن "تونس سباّقة إلى تقنين الإجهاض لكنْ بأي ثمن على النساء؟... فأحياناً يكون استكمال الحمل أخطر على المرأة صحياً واجتماعياً، فضلاً عن أهمية توعية مهنيّي الصحة والقيام بدورات تكوينية في كيفية التعامل مع النساء اللواتي ترغبن في الإجهاض تحت أي ظرف كان".

ويلاحظ أن مهني الصحة لا يتعرضون إلى أية عقوبة في حالة رفضهم القيام بعملية الإجهاض للنساء، لاسيما وأن الأغلبية تربط ذلك بأمور دينية، وهوما تناضل من أجله النسويات، وقد تجددت الدعوات بعد حادثة الولايات المتحدة الأمريكية وقضية "رو ضد ويد" الشهيرة.

ووفق إحصائيات الديوان الوطني للأسرة والعمران البشريّ لعام 2021، فقد بلغ عدد حالات الإجهاض سنوياً 9500 بعد أن بلغ قرابة 13 ألف حالة سنويّاً، أغلبها تُجرى بمراكز الصحّة العمومية وفق إحصائيات 2017،  بعد حملات التوعية التي يقوم بها الديوان للضغط على النسب التي كانت مخيفة.