تصاعد العنف ضد الأبناء... جريمة قتل طفل تثير الرأي العام اليمني

يتصيد العنف الفئات الضعيفة مع استمرار النزاعات المسلحة وغياب الاستقرار الاجتماعي في مختلف المدن اليمنية

نور سريب
اليمن ـ ، وقد تعددت أشكال الجريمة التي تستهدف الأطفال كونهم من الفئات الأضعف في المجتمع اليمني.
بحسب دراسة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف حملت عنوان "محجوب عن الأنظار"، أعداد كبيرة من الأطفال يعانون من العنف الجسدي، ونحو 6 من كل 10 أطفال فيما بين سن سنتين و14 سنة على مستوى العالم يتعرضون للعقوبة البدنية من مقدمي الرعاية على أساس منتظم.
 
ضحية جديدة في اليمن
لم يكمل عامه الثالث الطفل "عثمان" في بداية حياته شاء القدر أن يتوقف به العمر هنا بجريمة استنكرها كل من شاهد صورها أو حتى قرأ عنها وقعت في محافظة الضالع تحديداً قرية لكمة لشعوب، حيث قام أب بذبح ابنه الصغير من الوريد إلى الوريد مستخدماً المنجل، صبيحة الثالث من شباط/فبراير في وادي قريب من المنطقة، كان دافع الجريمة وفق التحقيقات الأولية أن الأب قرر الانتقام من الزوجة التي تركت المنزل عقب خلاف أسري ومعاقبتها جراء رفضها العودة إليه.
لم يكن الطفل الضحية هو المستهدف الوحيد بل شقيقه الأكبر البالغ من العمر 7 سنوات وشقيقته البالغة من العمر 5 سنوات، وما أن بدأ الأب بجريمته مختاراً الطفل الأصغر أصيب الطفلين بالذعر والهلع وركضوا في الوادي وعجز والدهم القاتل عن ملاحقتهم، وبعد عمليات بحث وجدوا الأطفال مشتتين في المنطقة هاربين من والدهم الجاني باحثين عن الأمان.
وعن مصير الأب بعد اكتشاف الجريمة التي قام بها، قال مصدر أمني لوكالتنا، أنه "فور تلقي البلاغ قامت شرطة محافظة الضالع بالقبض على الأب وتم نقله إلى السجن المركزي لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقه جراء الجريمة التي ارتكبها".
 
جريمة لن تكون الأخيرة
وعن استمرار تعنيف الأبناء من قبل الأسرة، قالت رئيسة مركز الدراسات الاستراتيجية للمرأة والطفل الدكتورة في الصحة النفسية انجيلا المعمري "ما حدث في الضالع سيتكرر في المحافظات الأخرى لأنه في المجتمعات التي تعاني من النزاعات والحروب عادة ما نلاحظ ارتفاع نسبة العنف الذي ينعكس على الأسرة، وهناك عدة عوامل تساعد على ذلك منها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية والقانونية".
وأوضحت أن "حادثة قتل الأب لطفله لن تكون الأخيرة فهي إحدى الجرائم الإنسانية وأظهرت مستوى تضخم العنف وممارسته على فئات ضعيفة لا تستطيع الدفاع عن نفسها وسلبها الحق في الحياة، وهناك حالات تقوم بهذا العنف نتيجة تعرضها لعنف أشد ولكنها لا تستطيع أن تدافع عن نفسها، فتلجأ إلى ممارسة العنف على من هم أضعف منها".
وأضافت "في كل الحالات نحن بحاجة إلى تسليط الضوء أكثر على دور الجهات المختصة بتقديم خدمات الدعم والمساندة النفسية لفئات المجتمع المختلفة، وتفعيل دور الإعلام الإيجابي في عرض القضايا ومعالجتها من قبل المختصين وليس لمجرد نشر الإشاعات وارتفاع نسبة الجرائم، وتفعيل دور الجهات القانونية والأمنية لممارسة دورها الحقيقي في إرساء ضوابط العقاب لكل من يرتكب خطأ أو انتهاك أو جريمة ليكون رادع لعدم تكرار هذه الحوادث".
 
موقف القانون 
فيما قالت الحقوقية صفاء مراد أن "موقف القانون سلبي للغاية تجاه العنف، فقد أتاح للآباء ممارسة الاعتداء الجسدي والنفسي بحجة التأديب وما نصت عليه المادة 146 من قانون الطفل في فقرتها ج متناقض بين الحماية والأذى، ما يجب استيعابه أن تعنيف الأطفال جريمة ولا تبرر بحق التأديب وستنعكس على المجتمع، هؤلاء الأطفال سيكبرون ويجدون العنف وسيلتهم للحياة حتى عندما يؤسسون حياتهم الخاصة في المستقبل".
وأكدت على أن ضعف القانون اليمني "لم يقف عند التعنيف والأذى الجسدي والنفسي بل بلغ إلى التساهل مع مرتكبي جريمة القتل، حيث أن المادة 233 والمادة 59 من قانون الجرائم  والعقوبات اليمني، اعتبرت الأبناء فروع وفي حال قتلهم من قبل آبائهم لا يصلح القصاص من الآباء لكونهم الأصل وجعلت الدية والحبس لثلاث سنوات هو المقابل". 
من جانبها قالت المحامية ورئيسة مؤسسة دفاع لحقوق الانسان هدى الصراري "من المؤسف أن المنتهكون لحقوق الأبناء يعرفون أن لديهم قانون يبرر لهم جريمتهم ويقدم الحجج، وهذا تسبب في مقتل عشرات الأبناء في اليمن"، مؤكدة على أن "هذا الأمر لن يتوقف ولن يتبدل إلا بوضع قانون رادع يجرم هذا القتل ويشدد عقوبة الآباء القتلة، فلا يوجد أي مبرر لقتل هذه الأرواح وكون القاتل هو الأب فالحزن أعمق وأكبر أن يكون مصدر الأمان هو القاتل وهو المرعب للأطفال".
 
احتجاج شعبي 
وقد نظم العشرات من أبناء محافظة الضالع، في السادس من شباط/فبراير الجاري، وقفة احتجاجية للمطالبة بتعجيل القصاص للأب، مؤكدين عن مساندتهم لأم الطفل المقتول، ومستنكرين الجريمة الجسيمة التي راح ضحيتها الطفل ذو الثلاث سنوات.
وقالت مديرة إدارة المرأة والطفل في المجلس الانتقالي الجنوبي بمديرية الأزرق في محافظة الضالع، الدكتورة اشواق علي الطيري "واقع الأطفال تعيس في بلادنا فغالبية ضحايا الحرب هم الأطفال، فالعديد من الأطفال اللذين تعاني عائلاتهم من الوضع الاقتصادي المتدهور وعدم القدرة على توفير مستلزمات الدراسة، تركوا الدراسة ليتحملوا المسؤولية والعمل الشاق لتوفير لقمة العيش، ومع كل ما سبق ذكره تعتبر معاناة الأطفال اللذين يواجهون العنف الأسري أكبر تلك المآسي، فالأسرة هي المنطلق وهي الملاذ الآمن ما أن يتحول الآباء إلى قتلة يختل ميزان الحياة لدى الأطفال".
وأضافت "ما حدث في الضالع جريمة كبيرة ومؤلمة ومحزنة ونحن سنقف مع أم الطفل بكل ما نستطيع، والحقيقة أن هؤلاء الأطفال بحاجة لدعم نفسي، واطالب بمعاقبة الأب على فعلته بالقصاص لكونه شخص بالغ وعاقل وأزهق روح طفل بسبب خلاف أسري وتسبب بتشويه طفلين نفسياً وتجرد من إنسانيته".