سلوى كنو: نطالب بسياسة اقتصادية ناجعة تُنصف المرأة الريفية والوصول إلى المساواة في الإرث

برغم كل النجاحات التي حققتها الحركة النسوية في تونس منذ عقود إلا أن واقع النساء الريفيات ظل على حاله

زهور المشرقي

تونس ـ برغم كل النجاحات التي حققتها الحركة النسوية في تونس منذ عقود إلا أن واقع النساء الريفيات ظل على حاله... واقع مأساوي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث يعشن الإقصاء في ظل انتهاج سياسة اللامبالاة من الدولة والأحزاب التي تتذكر واقعهن خلال الحملات الانتخابية فقط، بل أصبحت في عهد الساسة الحاليين ورقة انتخابية تسويقية مُربحة لاستجلاب الناخبين وإقناعهم، علماً أن تلك السياسيات لم تعد تنطلي على نساء اليوم اللواتي بتن واعيات بوضعهن طامحات محاربات مقاومات من أجل التغيير وإنهاء عقلية ذكورية مستبطنة تنظر للنساء بدونية خاصةً في المناطق القروية.

وتشدد رئيسة "جمعية دعم المبادرات في القطاع الفلاحي" سلوى كنو السبيعي، في حوار مع وكالتنا على ضرورة صياغة منوال اقتصادي قادر على النهوض بواقع المرأة الريفية وتحسينه، مشيرةً إلى أن النساء القرويات يعشن الإقصاء والتهميش في ظل ظاهرة تأنيث الفقر.

 

أطلقتم مؤخراً حملة مناصرة من أجل ضمان حق النساء في الوصول إلى الإرث في الوسط الريفي... كيف يمكن تفعيل هذه الحملة على أرض الواقع؟

مكاسب النساء التي تحققت منذ عقود تنقصها مساعي جدية للتنفيذ والتمتّع بها، حيث أن الصعوبة ليست في المساواة بل في كيفية الوصول إلى ذلك الحق الإنساني في المساواة الفعلية لأن التمتع به سيكون له تأثير إيجابي كبير على منظومة القطاع الفلاحي بصفة مباشرة، إضافةً إلى أن أغلبية النساء اللواتي يعملن في القطاع الفلاحي هن عاملات بأجر متدنٍ وفي ظروف صعبة ووسائل نقل مهترئة نتج عنها العديد من الحوادث التي أودت بحياة عشرات العاملات.

أن نسبة النساء اللواتي تتمتعن بمساحات من الأراضي الزراعية التابعة للدولة، ظلت ضعيفة جداً بمعدل لا يتجاوز الخمسة بالمائة، في حين أن حوالي 85% من تملكن الأراضي الفلاحية تكون عن طريق حصولهن على حقهن في الإرث، ويعتبر الإرث بالنسبة للمرأة وسيلة لإطلاق مشاريع في هذا المجال والاستثمار فيه، ونحن نعمل على مرافقة النساء وبخاصة الريفيات للوصول إلى حقوقهن كاملة.

ولا ننسى ما تعانيه المرأة في الأرياف من استغلال اقتصادي بالرغم من أنها تشكل النسبة الأكبر من اليد العاملة الفلاحية، واليوم يجب العمل على التصدي لحرمانها من الإرث، التزاماً بالجانب الحقوقي والقانوني على المستوى الدولي الذي يشرع للمساواة.

الفصل الثالث من قانون مكافحة العنف يتحدث عن العنف الاقتصادي لكنه لا ينص على الإرث كحق اقتصادي، ونحن نريد أن يقع تنقيح هذا الفصل ونصر على المطالبة أيضاً بتنقيح الفصل 19 من نفس القانون والذي يتعلق بالغرامة المالية على من يرتكب جريمة عنف اقتصادي وهي ضمن القانون الحالي، أقل بكثير من الغرامة التي تتعلق بجريمة العنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي، وهذا غير معقول، ودليل على كون المشرع لم يعطِ أهمية للعنف الاقتصادي المتسبب في الوضعية الدونية للنساء وارتفاع نسب الفقر في صفهن... فالمرأة التي ليس لها مورد رزق أو استقلالية مادية معرضة أكثر للعنف مقارنة بتلك المستقلة مادياً، لذلك نطالب بتنقيح الفصل حتى تكون العقوبة ردعية ونتمكن من التأثير على الرجال لإعطاء أخواتهم حقهن في الميراث.

 

يتم التركيز على المرأة الريفية في نشاطاتكن... كيف يمكن مساعدتها في تحسين وضعها خاصةً وأنها تعاني الإقصاء والتهميش؟

تلعب النساء في الأوساط الريفية دوراً مهماً في القطاع الزراعي وكذلك على الصعيد الأسري لا يمكن تجاهله، ويستوجب النهوض بوضعهن جهوداً بين كل المتدخلين وخاصة مؤسسات الدولة، والمجتمع المدني من خلال جمعيات تعمل على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، نحن كجمعية نعمل عبر مقاربة تتمثّل في دعم ثقتهن في أنفسهن والأخذ بأيديهن إذ غالباً ما نجد منسوب تلك الثقة مهزوزاً في تلك المناطق جراء العقلية الذكورية والموروث الثقافي، كما نسعى إلى دعم قدراتهن في المجال التقني للتمكن من إدارة المشاريع الفلاحية، ولدينا تجربتان غايةً في الأهمية لعام 2021 ـ 2022 بالشراكة مع المندوبيات الجهوية للتنمية الفلاحية والتي تقوم بدور ترشيدي مهم في المجال الزراعي والإحاطة بالنساء في هذا القطاع، إلى جانب دور الإشراف والمراقبة والمتابعة فنياً بالنسبة لمجال التنمية الفلاحية الذي تواجه فيه النساء صعوبات كبيرة للتمركز والنجاح، ونسعى في جمعيتنا بالتعاون مع شركائنا في مندوبيات الفلاحة إلى تذليل الصعاب، وكانت لنا تجربة في محافظة الكاف بالشمال الغربي، وأخرى في برج العامري بمحافظة منوبة، ومن بين الأهداف التي نعمل على تحقيقها دفع النساء إلى تصنيع المنتوجات الفلاحية، إلا أنهن يواجهن عراقيل تتجلّى في التسويق الذي يتطلب خلق فضاء لبيع المنتوج أسميناه "السوق التضامني"، فضلاً عن التسويق عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهو جانب نركز عليه مع النساء في الأرياف.

ويدعو المنشور الوزاري 4عدد 227 الصادر في تشرين الأول/أكتوبر عام 2018، المندوبيات الجهوية للفلاحة إلى تخصيص فضاءات للنساء لبيع منتوجات الريفيات إلا أن بعض المندوبيات استجابت وبعضها الآخر لم يُعر اهتماماً للموضوع.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن المطلوب بمناسبة تواصل الاحتفالات بشهر المرأة في إطار اليوم العالمي للدفاع عن حقوقها، هو دعوة المؤسسات والمجاميع الفلاحية في كل الجهات إلى الالتزام بذلك المنشور وفتح أماكن لتمكين النساء من تسويق الإنتاج، ونطالب الجهات المعنية بتوفير قروض للنساء لتنفيذ بعض المشاريع الزراعية الصغرى دون اشتراط ضمانات مسبقة أو إجراءات معقدة، وهنا تقع على وزارة المرأة مسؤولية تفعيل دورها في مناهضة العنف ضد النساء، وبخاصةً الاقتصادي منه، وفي الدفع نحو شراكة فعلية بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني لخلق تجارب نموذجية تساعد النساء وتدعم قدراتهن وتخلق أماكن عمل لهن.

 

جدل حول نوايا تنقيح المرسوم 88 المنظم لعمل الجمعيات... لماذا هذا التخوف برأيكم؟

اعتبر أن تنقيح المرسوم 88 ليس بأولوية حيث تمتلك تونس مرسوم خاص ومنظم لعمل الجمعيات وهو كاف ومراقب لعملها، ونعتبر أن الأولوية يجب أن تتركز على كل ما من شأنه أن يدعم القطاع الاقتصادي والفلاحي وينهض بواقع النساء في الأرياف وكذلك الشباب والعاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا لتحسين الظروف المعيشية. وإذا كان الدافع إلى التنقيح هو التخوف من الجمعيات المرتبطة بالتمويل الخارجي وبتبييض الأموال والإرهاب فالملاحظ أن هذه الجمعيات تحديداً لا تمرّ أموالها بالطرق القانونية ولا عن طرق البنك المركزي، فطرقها غير مشروعة وعن طريق أساليب ملتوية برغم وجود القانون، أما بقية الجمعيات التي تعمل بإخلاص ووطنية على دعم مساعي الدولة في خلق فرص العمل والمساهمة في مجالات التنمية ومساعدة الفئات التي تعيش الإقصاء كالنساء في الأرياف والأحياء الشعبية والمدن، فإنها ستتضرر من مرسوم التنقيح وسيتقلص نشاطها ومجال عملها، واعتبر أن المرسوم الصادر عام2011 كافٍ للمراقبة والمتابعة والمحاسبة.

 

هل بلغت المرأة التونسية درجة التناصف التام مع الرجل؟

في الدستور هناك بند ينص على التناصف بين الجنسين وقد نادينا بذلك بعد الثورة، لكن على أرض الواقع يختلف الأمر نهائياً، فنحن لا نرى ترجمة لذلك في مراكز القرار وفي البلديات وغيرها... ما ينقصنا في تونس اليوم والذي يجب التركيز عليه هو تغيير السلوك والعقليات حيث كنا أفضل قبل الثورة، ولكن بعد عام 2011 وبالرغم من التحركات والمطالب المستمرة والتنصيص على مسألة التناصف وحقوق النساء في الدستور والقانون الأساسي لمناهضة العنف الصادر عام 2017، إلا أن العقليات تراجعت وعمليات التمييع والشد إلى الوراء تواصلت برغم كل الجهود التي يقدمها المجتمع المدني إيماناً بحقوق النساء والمساواة التامة وبأهمية التناصف في كل المجالات وصولاً إلى العيش في مجتمع متوازن يحفظ حقوق الجميع وينمو ويتطور بإرادة الجميع.

وأودّ التذكير بأن العمل على الدفاع عن حقوق النساء هو عمل يومي مستمر طوال أيام السنة لا يرتبط بالمناسبات المحلية والدولية، بالرغم من أن الثامن من آذار/مارس اعتبر محطة هامة لدعم الحقوق بصفة واضحة وتم تجسيدها من قبل السلطة وأصحاب القرار.