سلسبيل القليبي: واقع النساء في أماكن الصراع يتطلب التضامن والتشبيك النسوي
دعت سلسبيل القليبي إلى ضرورة تحكيم التضامن النسوي خدمة لقضايا النساء المضطهدات في مناطق الصراع المختلفة.
زهور المشرقي
تونس ـ أكدت سلسبيل القليبي أن النساء تم استغلالهن كأدوات حرب وهو مؤشر خطير ومخيف يستهدفهن، مشيرة إلى أن غياب المحاسبة والإفلات من العقاب يشجع على ممارسة الانتهاكات بحق النساء.
ترى المختصة في القانون الدولي، سلسبيل القليبي، في حوار مع وكالتنا، أن الصمت الذي رافق الجرائم التي عاشتها السوريات والليبيات شجّع على ارتكاب المجازر في غزة وافغانستان والسودان وغيرهم، داعية الجمعيات النسوية في شمال أفريقيا والمنطقة إلى التنسيق والتشبيك لمحاربة كل أشكال العنف والقتل التي تمس النساء.
وقالت من المؤسف أن تكون الهيئات الدولية على غرار محكمة الجنايات الدولية في خدمة أجندات سياسية وتميز في طريقة عملها بين عربي وأفريقي وغربي.
برأيك ما هي الاجراءات التي يمكن اتخاذها قانونياً بحق إسرائيل وخاصة فيما يتعلق بالانتهاكات بحق النساء؟
أن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل تعود بالنظر إلى المحكمة الجنائية الدولية وخصوصية الأخيرة بالمقارنة مثلاً مع محكمة العدل الدولية أنها تقاضي الأشخاص لا الدول أو المؤسسات وتلاحق أفراداً وهي تصل عقوباتها للسجن وتشمل قادة الدول من سياسيين وعسكريين، تلك الجرائم المستهدفة للنساء والأطفال والوقائع التي نعانيها بشكل يومي تثبت عملية القتل بشكل واسع وهمجي واستهداف هذه الفئات عمداً.
نحن نعلم أنه في قانون الحرب هذا محظور لكن إسرائيل لا تعترف بشيء، اليوم هناك أشخاص يمكن أن يمثلوا أمام المحكمة للمحاسبة ولمقاضاتهم وملاحقتهم وتنفيذ عقوبات سجنية، فحين نأخذ مثال المحكمة الجنائية الخاصة التي أُنشأت خصيصاً للنظر في جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة وهذه المحكمة قاضت وسجنت قادة على غرار سلوبودان ميلوشيفيتش، المعروف بارتكابه أبشع الفظائع وعمليات القتل في البلد المذكور وحوكم في محكمة الجنايات الخاصة، واليوم لدينا محكمة جنائية دولية ولايتها عامة قادرة على النظر في كل الجرائم التي تتم في نطاق النزاعات المسلحة.
هل يمكن للمؤسسات المعنية بحقوق النساء رفع دعاوى ضد إسرائيل أمام محكمة الجنايات الدولية؟
الملاحقة والمقاضاة ستكون بناءً على قانون الحرب فيما يتعلق بنظام "الحرب" الذي يخضع لنظامين قانونيين مختلفين، أولهما ما يعرف بالحق في خوض الحرب وثانيهما متعلق بقانون الحرب الذي يضع الضوابط والقواعد التي يجب احترامها لا سيما وأن الحرب هي عملية عنف لكن هناك قانون يدخل في أنسنة التحارب، وهذا القانون تنظمه معاهدات جينيف الأربعة التي تم وضعها عام 1949 وهي تلزم هذه الضوابط وبالتالي ما يسمى بجرائم الحرب هي من بين ما تمت الإشارة إليها وتتمثل في محظورات في إطار عمليات العنف المتبادل في أي حرب حيث يوجد خطوط حمراء يجب عدم تجاوزها كضرورة التمييز بين المنخرطين في الحرب كالجيوش والقوات المسلحة والمدنيين، وتقول معاهدة جيينف إن جرحى الحرب الذي يكونون من القوات المسلحة حين يغادرون ساحة القتال يجب استثنائهم من الاستهداف أيضاً.
اليوم في إطار الحرب على غزة سمعنا كثيراً عن جريمة الإبادة وهي مُعرّفة في المعاهدة ويمكن تلخيصها في كل ممارسة من شأنها أن تقتل بشكل جماعي مجموعة معينة إما لصبغتها القومية أو الدينية أو العرقية، ولاحظنا نوايا الإبادة في غزة إما كلياً أو جزئياً وهو يتجلّى في منع عملية التكاثر لتلك الفئة المستهدفة وتمارس جرائم لعدم القدرة مستقبلاً على الإنجاب لقطع السلالة، ولا ننسى عمليات التهجير الجماعي بضغوط وتخويف وارهاب لتلك المجموعة لإرغامها على التحول بشكل جماعي من منطقة إلى منطقة أخرى بادعاء أنها آمنة، وهي أيضاً من الجرائم التي يتحدث عنها القانون الدولي الإنساني وهذه الممارسات فيها ملاحقة قضائية من محكمة الجنايات الدولية في لاهاي التي أحدثت بمقتضى معاهدة روما.
ما الجدوى من المحكمة الجنائية الدولية كون دورها غير فعال؟
فيما يتعلق بالجدوى من المحكمة، حين نتناول الأمر بطريقة مجردة ونتطلع على القانون الأساسي للمحكمة والمعاهدة التي أحدثتها لا يمكن القول إلا أنها حدث متميز، لأنها تقاضي الأشخاص، وتقول المعاهدة إن الشخص المتهم التي ستتم ملاحقته ولا زال يحكم في دولته لا تمنحه صفه حصانة وهو أمر جيد، لكن من ناحية أخرى حين نطلع على الموقع الرسمي للمحكمة ونلقي نظرة بسيطة على مجموعة القضايا المنشورة وعن الأشخاص الذين صدرت ضدهم بطاقات جلب وإجراءات مفتوحة وتحقيقات ضدهم، وهي حوالي ثلاثين قضية نجد أن أغلب القادة هم أفارقة، ما يطرح تساؤلات كثيرة، هل أن هذه المحكمة أُنشأت فقط لملاحقة القادة الأفارقة؟، وسنتناول مثلاً قضية تعكس أن هذه المحكمة لا تتعامل بنفس الجدية والانضباط مع جميع القضايا، فقضية روسيا وحربها على أوكرانيا وقضية الاحتلال وحربه على فلسطين وحالياً على غزة لا سيما وأن الحرب على القطاع ليست بجديدة ونتذكر جميعنا حرب 2014 التي تندرج ضمن نوايا ضمها إلى بقية الأراضي المحتلة، وحين ننظر إلى كيفية تعامل المحكمة مع روسيا حيث تم فتح تحقيق في أذار 2020 من قبل المحكمة بقرار من النائب العام ضد روسيا، وفي17 من الشهر ذاته 2023 وقع إصدار بطاقة جلب ضد الرئيس فلاديمير بوتين، بالنسبة لفلسطين وقع التوجه إلى المحكمة في أيار 2018 بقضية ضد إسرائيل وتحديداً القادة العسكريين ورئيس حكومة الاحتلال، ليتم فتح التحقيق في أذار 2021 أي بعد ثلاث سنوات، ومن ذلك اليوم لم يحدث أي تطور؟ هل تقدمت القضية هل اتخذت تدابير معينة ضد هؤلاء؟ هل سمعنا على تجميع معطيات لبداية التحقيق، لا بل تم قبر الملف وكلنا نلاحظ تجند المجتمع الدولي للعودة للضغط على المحكمة، حيث تجمع مجموعة من المحامين من دول العالم لإعداد الملفات التي سيتم تقدميها لمحكمة الجنايات الدولية باسم دولة فلسطين، وأيضا قدمت جنوب أفريقيا دعوة ضد إسرائيل أمام المحكمة بناءً على جرائم الحرب والإنسانية التي ارتكبت، واليوم ربما موازين القوى قد تتغير، ونجاعة المحكمة والالتزام والسرعة في تناول الملفات ليست بنفس الدرجات حيث تطبق سياسة المكيالين تبعا للأطراف المعنية، وهذا نراه بالعين المجردة وبالتواريخ التي ذكرتها تعكس هذا بشكل واضح.
فموازين القوى بدأت في التغير لأن المجتمع الدولي راقب وشاهد فظاعة الجرائم غير المسبوقة في عنفها وحدتها واسترسالها، وعدد الضحايا المرعب في حيز زمني ضيّق، فهناك جريمة إبادة معلنة، وحتى المحتل لا يحاول إخفاء تلك الفظاعة بل يستعرضها ويتباهى بها رغم وحشيتها وحتى خطاب العنف الذي بدأ منذ أول يوم للحرب حين قال علنا، سنقتل كل هذه الحيوانات، وسنقصفهم بالقنابل النووية، لا ننسى أن النائب العام لمحكمة الجنايات زار بنفسه غزة وعاين فظاعة ما يحدث.
هل هناك قوانين تحمي النساء خلال النزاعات المسلحة؟
في قانون الحرب هناك اتفاقية رابعة من معاهدة جينيف تتحدث عن وضع النساء والأطفال في حالة التحارب والتي تمنحهم الحماية الخاصة، برغم أن القانون الدولي الإنساني نص على مبدأ المساواة بين كل المدنيين في الحرب ويجب أن يخضع الطرفين لنفس الحماية والحقوق والضمانات، لكن هذا القانون يستخدم عبارة التمييز ليس في مفهومها المعروف بل في معنى الاختلاف، لاعتبار أن هناك فئات لا يمكن معاملتها بنفس الطريقة من بينها النساء اللواتي تتحدث المعاهدة عن ضمانات خاصة وحماية لهن، تتعلق مثلاً بحرمتهن الجسدية وحمايتهن من الاغتصاب وحماية أجسادهن التي تتحول أحياناً في الحروب إلى أداة حرب، القانون الدولي الإنساني يفرض هذه الحماية الخاصة ويحجر تلك الممارسات، ويفرض أنه حين يقع اعتقال النساء في الحرب يجب أن يكون مكانهن منفصل عن الرجال ويراعي الوضع العائلي يعني عدم فصل الأم عن أبنائها ومراعاة الحوامل أيضاً والمرضعات، في قانون الحرب هناك فرض لأحكام خاصة بالنساء وآليات حماية خاصة للنساء، لاعتبارهن أنهن معرضات لعمليات عنف خاصة بهن.
أين دور الجمعيات النسوية من هذه المجازر؟
دور الجمعيات النسوية يتجلى في التوعية كأن الناس لا يدركون أن النساء مستهدفات في الحرب وهناك أصوات تقول إن اغلبية الضحايا نساء لأنهن قابعات في مكانهن، لكن ما نشاهد في غزة أبرز أن هناك عملية استهداف مباشرة، حيث باتت النساء أداة حرب والاعتداء عليهن يدخل ضمن استراتيجية الصراع، وهذا يجب التوعية به، ثانياً يجب التوعية بأن استهداف النساء هو جريمة حرب قائمة بذاتها، كما يجب التحرك لإيقاف هذه الاستهدافات ضدهن من قبل الحركات النسوية والجمعيات، ونتساءل إن لم تتحرك في مثل هذا الظرف متى يمكن التحرك؟
كما يجب التحرك أولاً وقبل كل شيء من منطلق مبدئي قبل الوصول إلى موضوع اهتمامها ونشاطها، ما يعني أننا اليوم أمام أبشع اشكال الحرب على دولة وشعب يقاوم من أجل التحرر والانعتاق من الاحتلال، وهو حق يكفله القانون الدولي، هذا الشعب الذي يخضع لكافة أشكال الاعتداءات المسلحة، فالنسويات يجب أن تتحركن من هذا المنطلق ومن باب طمس حق الفلسطينيات منذ أكثر من سبعين عاماً مع التوجه الممنهج لطمس الهوية والتهجير القسري وإخلاء الاراضي الفلسطينية وضم ما تبقى منها للمحتل.
الجمعيات النسوية هي جمعيات حقوقية بالأساس ولا يمكنها الصمت أمام هذا الوضع المأساوي مع التركيز على أن الحرب أخذت منحى خاص وهو استهداف النساء والاطفال علناً وهو أمر لا يقبل أخلاقياً ولا قانونياً، يجب أن يكون هناك تحركات ثابتة من قبل هؤلاء، فضلاً عن التشبيك فيما بينها عبر العالم وإعلاء أصواتهن دعماً لرفيقاتهن في غزة وغيرها.
وأيضاً في خضم هذا يجب التحذير من تجنيد النساء، وخاصة من باب مسألة المساواة بين الجنسين يمكن المطالبة بالحق في المشاركة مثلاً في المقاومة المسلحة لكن يجب التنبيه على أن التوجه نحو المساواة بينهما في التجنيد قد يكون مبنياً على اعتبارات مخيفة وهو أنه في الحروب نحتاج إلى تبضيع الجنود والدفع بهم إلى ساحة الوغاء لا على أساس المساواة بل جعلهن في الواجهة كما حدث في أوكرانيا وهو أمر يهدد حياتهن.
لماذا يتغاضى المجتمع الدولي عما تعيشه النساء في أماكن الصراع؟
سوريا وليبيا أيضاً شهدا حربا وعدواناً خارجياً ولم تكن حرباً أهلية كما أراد الغرب التسويق لها، المشكلة أن الأطراف التي شاركت في هذا العدوان متعددة ومتشابكة ومُعقدة في نفس الوقت بالتالي لم نرى تبعات للجرائم التي تم توثيقها بالصورة والفيديو واستهدفت النساء، المسؤول عن تلك الفظائع من الصعب تحديده وقد يستغرق وقتاً وحتى مرتزقة داعش إلى اليوم لانعرف من الأطراف التي تكون منها التتظيم وفي الحرب السورية والليبية كانت هناك نسبة للمرتزقة مرتفعة جداً ما يصعب الأمر فدخول هؤلاء عقّد العملية في تحديد المسؤولية.
فما يجب فعله هو استمرار النضال لمحاسبة منتهكي الحرمة الجسدية للنساء في سوريا وليبيا ومن دفع بسبي الإيزيديات والمتاجرة بالليبيات لتجنب العودة لتلك المجازر والممارسات العنجهية.
كما يجب أن تتجند الجمعيات الحقوقية والنسوية والنخبة الثقافية والقانونية والسياسية لتقصي آثار هذا الفظائع ومحاكمة الجناة محلياً ودولياً، يمكن مثلاً في سوريا أن نتحصل على شهادات من نساء اختطفن وعذبن من قبل داعش ومختلف الفصائل المسلحة لتقديمها في دعاوى إلى المعنيين بالأمر بعد أن خفتت نار التحارب، الأهم أننا لا ننسى ما عاشته النساء في تلك المناطق برغم الأحداث الأخرى الحاصلة القادرة على نسيان المجازر السابقة في سوريا على غرار ما يحدث في غزة والذي حجبت لفظاعتها العديد من التجاوزات الأخرى في المنطقة.
وأعتقد أن ما يرتكبه الاحتلال في فلسطين هو نتيجة للصمت على ما حدث في سوريا ولم يتحرك له العالم حيث لم نرى نتيجة ملموسة من حيث التتبعات، إضافة إلى أن تلك القوى المحتلة عادة ما تخضع لحماية خاصة من القوى العظمى التي قد تكسر من الناحية القانونية المحاكمات والتعاون وبالتالي العقوبات، يجب أن نُذكر بشكل يومي بما عاشته سوريا وليبيا واليمن وافغانستان وتلك المآسي التي مست النساء واستهدفتهن.
هذا ويجب تحديد المسؤوليات والبحث عن الجناة ومعاقبتهم ومحاسبة من جند ومول ودعم ودرب، وهذا قد يحملنا إلى حقائق قد تكون صادمة لأنها ستفضح الدول المتورطة والتي لن تكون من المنطقة فقط بل سنجد القوى العظمى التي تمتلك العتاد والخبرة والمال، وندعو إلى التشبيك النسوي لدرء استغلال النساء كأدوات حرب.