شرعنة العنف وأزمة الوعي المجتمعي... الأسباب والحلول

أثارت واقعة قتل الطالبة الجامعية نيرة أشرف حالة من الجدل من شأنها أن تغير معالم الحراك المدني تجاه العنف بعد أن باتت الضرورة ملحة للعمل على تغيير الوعي المجتمعي تجاه المرأة كأحد أولى خطوات الحفاظ على حياة النساء.

أسماء فتحي

القاهرة ـ حالة من الألم تنتاب جميع المتابعين لواقعة قتل الطالبة نيرة أشرف، على يد زميلها لمجرد رفضها الارتباط به وقرارها الانفصال عنه وقطع سبل التواصل معه، والأزمة التي باتت معاناة تسيطر على أفكار المهتمين بقضايا النساء هي أسلوب التعاطي مع تلك الجريمة، وكيف برر المجتمع حدوثها بل راح البعض يحرض أكثر ضد كل فتاة لا يتناسب شكلها، أفكارهم الرجعية.

تلك كارثة بالمعنى الحرفي للكلمة حيث باتت الفتيات مهددات لمجرد ارتدائهن ملابس لا تلائم المعتدي، وحديث وسائل التواصل الاجتماعي كان فاضح وكاشف إلى حد كبير لتلك الأزمة، فراح بعض الرجال يطلقون عبارات لا تقل قسوة عن الحادث ذاته، بل أن البعض نشروا تعليقات تفضل اغتصابها كبديل عن القتل، وآخرون رأوا أن الفتاة لا ترتدي ثياب شرعية وتستحق ما حدث، بينما ظهرت بعض النماذج الدينية التي تتحدث عن حسابها ووضعها في الآخرة بل وتدعوا الفتيات لملابس بعينها في حال رغبتهم في حماية أنفسهن وكأنه تبرير ضمني للقاتل.

وانتفض المجتمع المدني والمهتمين بالشأن العام في صدمة من تلك التصريحات خاصة أن جيران القاتل علقوا على الواقعة بشكل مرعب فهو في تقديرهم "لا يمكنه القتل ولا نسمع له صوت إلا حينما يضرب أمه وأخواته البنات" وكأنهم فخورين بما يمارسه من اعتداء على نساء بيته أو على الأقل يرونه طبيعياً، فالحادث أثار العديد من التساؤلات والرفض بل والخوف، سنعرض جانباً منه في تقريرنا لنرى كيف يمكن لمجتمع أن يشرعن ممارسة العنف على نسائه بهذه البساطة، كما سنستعرض موقف جزئي للمجتمع المدني من القضية.

 

"نطالب بإقرار قانون مناهضة العنف"

طالبت رئيسة مجلس أمناء مؤسسة "قضايا المرأة المصرية" المحامية عزة سليمان، بسرعة إقرار قانون مناهضة العنف الموحد والموقع عليه من نحو 60 نائباً ونائبة برلمانية.

واعتبرت عزة سليمان أن واقعة قتل نيرة أشرف إنذار حقيقي بضرورة خلق أدوات ردع للممارسات المنتهكة لحقوق النساء ومنها العنف المجتمعي والأسري، مؤكدة أن المجتمع يبرر العنف والقتل على أساس النوع وما حدث من سيل تعليقات مطبعة مع المجرم توضح حقيقة غياب آليات الردع لكافة أشكال العنف.

وروت عزة سليمان واحدة من الوقائع المعبرة عن احتواء المجتمع للعنف واحتضانه قائلة "ناشدت المؤسسة والجهات المعنية بحماية الطالبة مريم منذ أيام من العنف الذي يمارسه أهلها ضدها ولكننا فوجئنا بتسليمها لهم من قبل المعيدة بالجامعة بدلاً من حمايتها"، معتبرة ما يحدث نتاج ثقافة وموروث تمييزي على كل المستويات، ومؤكدة أن الردع يجب أن يكون نتاج تعاون التشريع والتوعية المجتمعية وعمل المجتمع المدني.

وعن التزامات مصر الدولية أكدت المحامية عزة سليمان "أنه بموجب اتفاقية مكافحة كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) وتوصيات الاستعراض الدوري الشامل، فإن الحكومة ملتزمة بسرعة إصدار قانون مناهضة العنف الموحد ردعاً لأشكال العنف المتنوعة ضد النساء والفئات المهمشة".

 

"نستنكر ربط زيادة العنف ضد المرأة بمظهرها"

قالت رئيسة مجلس إدارة جمعية نهوض وتنمية المرأة إيمان بيبرس، أن ظاهرة العنف الموجهة ضد النساء باتت منتشرة إلى حد كبير في مختلف المحافظات، متخطية كل التوقعات، ولكن الأسوأ على الإطلاق أن يحدث تبرير لهذا الفعل الغير إنساني ويتم ربطه بالمظهر والملابس التي ترتديها الفتيات.

واعتبرت إيمان بيبرس، أن هناك تعليق من أحد علماء الدين على حادث قتل الطالبة نيرة أشرف استدعى التوقف والقلق لأنه ربط بين انتشار العنف وملابس النساء، بل إنه أوجد مبررات لتلك الممارسات بنصيحته التي وجهها لهن بارتداء ما وصفه بـ "القفة" حتى لا يتم انتهاكها وتتمكن من السير في سلام، معتبرة أن ربط العنف بالمظهر هو واحد من التحريض على ممارسته ورجوع بمكتسبات النساء للخلف.

وعن الثقافة المجتمعية تجاه المرأة اعتبرت إيمان بيبرس، أن الآراء التي تم تداولها بشأن ملابس النساء ومظهرهم تعود بالثقافة للوراء سنوات طويلة باعتبار المرأة المسؤولة عن تعرضها للتحرش أو الاعتداء عليها لتصبح الضحية والمتهمة في ذات الوقت، مشيرة إلى أن النساء بتلك الأفكار يتحملن أخطاء المجتمع بل وقد يجبرن على ارتداء أزياء معينة على غير رغبتهن.

وطالبت بتفعيل القوانين الصادرة لصالح المرأة وتشديد العقوبات الخاصة بها، لإيقاف سيل العنف الممارس على النساء الذي وصل لحد قتلهن في الطرقات، معتبرة أن الجمعيات النسوية عليها دور كبير في متابعة تلك القضايا والوقوف أمام كل من يحاول النيل من مكتسبات النساء ونضالهن الطويل، مشددة أيضاً على الدور الهام لوسائل الاعلام بمختلف أنواعها والذي يجب أن يراعي عدم التقليل من شأن المرأة فضلاً عن العمل على نشر الوعي وطرح الحلول إن أمكن.

 

"هناك تطبيع مجتمعي مع العنف والبحث عن مبررات أداة تحايل على الموروث الثقافي"

ورأت مديرة البرامج بمؤسسة المرأة الجديدة، لمياء لطفي، أن تطبيع المجتمع مع العنف الممارس تجاه النساء ليس مستحدثاً فهو موروث ثقافي ناقم على المرأة ويسعى بكل قوته للسيطرة على إرادتها بل وإدانتها إن خالفت هذه الأفكار تارة بالاعتداء عليها ومرات كثيرة بحملات تشويه السمعة.

وأكدت لمياء لطفي، أنهم وجدوا ذلك جلياً في القضايا التي تبنتها المؤسسة خلال الفترة الأخيرة منها على سبيل المثال اعتداء أسرة على طفلتهم والتي كانت قد تقدمت ببلاغ عبر عرائض النائب العام وأصيبت بجروح أدت إلى شل حركتها بل أنها لازالت تعالج من آثارها هذا الاعتداء الأسري حتى الآن، وأغلب الردود الرسمية كانت تستهدف الوصول لتصالح حتى لا يتم سجن الأب رغم كونه معتدي.

وأضافت لمياء لطفي أن واقعة اغتصاب أب لطفلته البالغة نحو الـ 17 عام نفسها لاقت ردود غريبة منها "مش طفلة أوي يعني"، في إشارة لقدرتها على حماية نفسها، معتبرة أن الثقافة التي تم ترسيخها في وجدان ذلك المجتمع بالأساس هي حاضنة للمعتدين من الرجال، ومبررة لأفعالهم لاعتبار النساء الحلقة الأضعف التي يحق لهم كسرها وانتهاكها، معولة على دور مؤسسات المجتمع المدني وخاصة النسوية منها في التصدي لهذا الموروث والتخلص منه لحماية الفتيات خاصة في صغرهن من الوصاية الحاضنة للعنف سواء داخل الأسرة أو خارجها.

 

"على المجتمع أن يكف عن تبرير الجاني"

وبدورها قالت رئيسة مؤسسة "المحاميات المصريات لحقوق المرأة" هبة عادل، أن تبرير جريمة الجاني هي جريمة أخرى تضاف إلى الواقعة، ولا يمكن إغفال تأثيرها القوي على الحراك العام خلال الفترة المقبلة.

وأكدت هبة عادل على أن الوقت قد حان ليدرك المجتمع أن الآراء السلبية تحريض على جرائم أخرى يتضرر منها المجتمع كله بل وتفتح الباب أمام التعدي على حقوق الغير بالمخالفة للدستور والقانون.

لذلك ترى هبة عادل أن الدور المطلوب من المجتمع يتمثل في الكف عن تبرير الجريمة، وعدم مساندة الجاني لأنه مجرم وفقاً للقانون مطالبة بمحاكمات عاجلة وعادلة، كأداة للردع والترهيب من ارتكاب مثل تلك الجرائم.

واعتبرت هبة عادل أن تصديق الضحايا وتوفير الدعم لهن واحد من أهم حلول الأزمة الراهنة، فضلاً عن ضرورة عودة دور الرقابة المجتمعية فقد كان بإمكان من حرص على تصوير الواقعة إنقاذ حياة الضحية فالقانون المصري يتيح لمن يشاهد جريمة الإبلاغ عنها ومنع حدوثها متى استطاع ذلك.

 

"ممارسات العنف ارتفعت مؤخراً والوعي المجتمعي الحل الأمثل"

ورأت رئيس مجلس إدارة جمعية صبية للمرأة والطفل نهلة الضبع، أن معدل الجرائم وممارسات العنف الواقع على النساء ارتفعت خلال الفترة الأخيرة، معتبرة أن ما حدث من ردود أفعال حول الواقعة الأخيرة وغيرها هي تعبير عن الثقافة المجتمعية، مؤكدة أن هناك بالفعل شرعنة لممارسة العنف تجاه النساء.

وأكدت على أن الوقت قد حان للعمل على إيجاد آليات تمنع التعاطف مع المعنف والمحرضين على مثل هذه الممارسات، لأن تبرير الجريمة ومساندة الجاني تساعد وتشجع على ارتكاب مثيلاتها لاحقاً، لافتة إلى أن النيابة العامة عليها متابعة مثل هذه الكتابات التي ترسخ مفاهيم مخيفة ومرعبة تقيد النساء وتجعل للآخرين السلطة عليهم.

واعتبرت نهلة الضبع أن المعنف لا يقوم بالاعتداء خاصة إن كان تحرش بدافع جنسي ولكنه شخص مؤذي يفكر في انتهاك واستباحة أجساد النساء، مؤكدة على وجود محاولات دؤوبة من المجتمع المدني مستهدفة تحقيق الوعي المجتمعي الذي يحتاج لوقت قد يطول من العمل المستمر فضلاً عن إرادة من الحكومة للحيلولة دون ارتكاب تلك الجرائم.

 

"موجة الانتهاكات الحالية تأصيل للعنف الممارس ضد النساء"

بينما اعتبرت المديرة التنفيذية لمؤسسة "بنت النيل" أسماء دعبيس، أن الانتهاكات الأخيرة ومنها التعاطي الإعلامي الفج مع جريمة ذبح الطالبة نيرة أشرف يأصل للعنف الواقع على النساء، خاصة ما تبع ذلك من محاولة لتشويه الضحية بالخوض في حياتها الشخصية وتفاصيلها حتى يتم إلقاء اللوم عليها.

وأكدت أسماء دعبيس، أن الخطاب الذي وجهه أحد شيوخ الإعلام "مبروك عطية"، حمل تبريراً واضحاً للعنف في محاولة لإيجاد سبباً لارتكاب تلك الجريمة بل وللعنف الموجه ضد النساء بشكل عام، معتبرة أن التشريعات مسؤولة عن التطبيع مع العنف ضد النساء لأن القوانين ملتوية وغير منصفة بشكل حقيقي لهن، فضلاً عن وجود قصور في أوجه الحماية، قائلة "تكثر الجرائم بسبب التتبع والملاحقة والتهديد، ولا توجد حماية مسبقة للمبلغات ولا يوجد  شكل إجرائي لحمايتهن".

وكشفت أسماء دعبيس، عن غياب كامل لأدوات ردع المحرضين على الجرائم، معتبرة أن هناك تواطؤ من الإعلام على أجساد النساء والتحكم في مصائرهن كنتاج للرغبة المسيطرة عليهن في فرض وصاية على النساء وحرمانهم من مجرد الاختيار، لافتة إلى أن هناك تطبيع مجتمعي واضح مع العنف يجب أن يتكاتف الجميع لمواجهته.

 

"المجتمع المدني الوحيد القادر على معالجة الخلل الحالي"

بينما اعتبرت المديرة التنفيذية للاتحاد النوعي لمناهضة الممارسات الضارة ضد المرأة والطفل، الدكتورة راندة فخر الدين، أن المجتمع المدني هو الوحيد القادر على التعامل مع الواقع المحرض على العنف وانتهاك النساء بدرجة كبيرة باتت مؤسفة خاصة بعد جريمة القتل الأخيرة وما تلاها من تعليقات لا تنم إلا عن غياب للإنسانية قبل الوعي بحقوق النساء.

وأضافت الدكتورة رانده فخر الدين، أن تراجع مستوى الوعي كما هو واضح من التعليقات التي عجت بها مواقع التواصل المختلفة على الحادث الأليم نتاج تهميش المجتمع المدني وتراجع دوره الذي هو بالأساس يعمل على تغيير هذا الموروث الرجعي والسلطوي تجاه إرادة النساء ورغباتهم.

وأكدت أن الوقت بات حرجاً والعمل على تغيير وعي المجتمع أصبح ضرورة ملحة للحفاظ على أرواح الفتيات المتعرضات لمختلف أشكال الانتهاكات، بل واللواتي أصبحن في قبضة تقدير الآخر وسلطته وهو أمر مخيف ويحتاج للعمل الجاد والتكاتف للخروج من تلك المحنة التي باتت تشرعن الاعتداء على النساء لمجرد أن لهن إرادة مختلفة أياً كان نوعها أو حجمها عن الرجل المهيمن.

 

"المئات وقعوا على عريضة وقف التحريض على العنف والنيابة تستجيب"

قالت مؤسسة مبادرة "سند للدعم القانوني للنساء" نسمة الخطيب، المبادرة تلقت عدد من البلاغات من الفتيات عبر الصفحة الخاصة بها وبالتواصل المباشر معها شخصياً بتهديدات من شباب بمصير نيرة أشرف في حال عدم خضوعهن لرغباتهم في الارتباط أو الزواج، وهو الأمر الذي أقلقها إلى حد كبير وتم تقديم الدعم القانوني لهن ومتابعتهن في تقديم البلاغات بمباحث الإنترنت.

واعتبرت نسمة الخطيب، أن تعرض هؤلاء الفتيات للتهديد كان أحد الدوافع التي جعلتها ومجموعة من الصحفيات والناشطات النسويات يقررن عمل عريضة لمناهضة التحريض على العنف الموجه للنساء، مؤكدة أنها لاقت قبول وتأييد كبير في مختلف الأوساط وتوالت التوقيعات والمشاركات من مختلف الفئات الرافضة لتلك الممارسات المنتهكة لحقوق المرأة بشكل عام والمهددة لأمنها وسلامها النفسي والمجتمعي.

وأكدت نسمة الخطيب، أنها من قامت بصياغة بيان العريضة الموقع عليه من المئات وتلى ذلك إنشاؤها لتطبيق التسجيل بعدما ارتفع عدد الموقعين، وأعربت عن امتنانها لجميع المشاركين في هذه العريضة التي أتت بثمارها باستجابة النيابة العامة التي نوهت في بيانها الصادر يوم الأربعاء 22حزيران/يونيو، بخصوص تطورات القضية بالتصدي بحزم لجرائم العنف ضد النساء والشباب.

 

نسويات وصحفيات وناشطات تطالبن النائب العام بالتدخل لوقف التحريض على العنف

صدر بيان حمل مئات التوقيعات من نسويات وصحفيات وناشطات حقوقيات لمطالبة النائب العام بالتدخل لوقف ما يحدث من تحريض ضد النساء والفتيات، مؤكدين أن المحرض شريكاً في تلك الجريمة، وعليه فقد قاموا بالإعلان عن جمع التوقيعات لتقديم بلاغ جماعي لوقف التحريض كما طالبوا بقانون موحد للعنف يحمي نساء مصر.

ورصد البيان مجموعة من التعليقات المحرضة على العنف وتبرء الجاني وتبرر جريمته بذريعة أنه يعاني من أمراض عقلية ونفسية.