شكوى تحرش جديدة تثير تساؤلات حول إمكانية الحكومة الجديدة في تحقيق العدالة؟
يشهد التحرش بمختلف أشكاله انتشاراً واسعاً في لبنان، ومؤخراً قدمت شكوى من قبل قاضيات بحق أحد أرفع مراكز القضاء اللبناني وهو رئيس مجلس شورى الدولة، ما يؤكد ضرورة توعية المجتمع بهذا العنف.
![](https://jinhaagency.com/uploads/ar/articles/2025/02/20250209-swrt-2-jpg207cab-image.jpg)
سوزان أبو سعيد
بيروت ـ أكدت ناشطات وحقوقيات على أن ظاهرة التحرش بقاضيات، تسلط الضوء على أهمية تطبيق قانون تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه والعمل على ضمان بيئة عمل آمنة وخالية من خطر التعرض للتحرش الجنسي، وتغيير المفاهيم السائدة وتعميم الإدراك بأن التحرش الجنسي جرم يعاقب عليه القانون.
تناقلت منصات إعلامية عدة شكاوي تحرش مقدمة من قبل قاضيات ضد رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي إلياس، وأثارت قضية التحرش ردود فعل في الأوساط الحقوقية والنسائية، وتثير القلق كونها وقعت في إحدى أرفع مناصب الجسم القضائي، وهو ما لفتت الأنظار مجدداً نحو ضرورة توعية المجتمع والنساء خاصة.
وفي هذا السياق قالت الناشطة في المجتمع المدني المحامية مريانا برو "بداية علينا توضيح ظاهرة التحرش الجنسي للرأي العام، وهو كل اعتداء يطال الإنسان سواء بكرامته أو بجسده، ويعني انتهاك حقوق الإنسان، وقد يكون بطرق مختلفة فمثلاً المعاكسة في الشارع وهنا يكون تحرشاً لفظياً، وهناك التحرش عبر وسائل التواصل الافتراضي، حيث نشهد انتهاك لحقوق المرأة وبطريقة مرعبة، حيث يسمح أحدهم بالاعتداء على كرامة امرأة وأن يطالها في جسدها، ودائماً تعتبر المرأة في مجتمعاتنا الشرق أوسطية وللأسف عورة، وكأن جسدها مباح للجميع، وهنا يجب أن تكون العقوبات رادعة لأنه من غير المسموح للرجل أن يطال المرأة بجسدها وأن ينتهك كرامتها، وهناك العديد من الملفات في المحاكم حول هذه القضية".
وأشارت إلى أنه "ثمة قانون مختص بالتحرش الجنسي صدر في عام 2020 وبالتحديد المادة 205/2020، والذي تناول التحرش الجنسي بمختلف أشكاله، لأنه فيما قبل كان هناك قانون عقوبات شامل، يشمل الاغتصاب، الحث على الفجور، التعرض للآداب العامة وغيره".
وبينت أن "ظاهرة التحرش ليست بجديدة وتنتشر بشكل كبير، ولكن لم يكن لدينا معرفة وثقافة قانونية بأنه تحرش، فمثلاً المعاكسة في الشوارع ليس بجديدة ولكن لم نكن نعرف أنه تحرش، وكمصطلح علمي وقانوني للموضوع، ومع وجود الوعي ووسائل التواصل أصبح كل منا يعرف حقوقه، وهناك كثيرين يتعرضون للتحرش ويخافون أن يتكلموا عنه".
وأوضحت أن "التحرش لا تتعرض له النساء فحسب بل رجال وأطفال أيضاً، وقد يكون تحرشاً لفظياً أو جسدياً، وهناك خلط بين التحرش والاغتصاب وهو أمر خطير للغاية، لأن بعض القضايا تكون تحرشاً وتحاكم كاغتصاب ويخرج بعدها المتهم بريئاً بعد سنوات، فالاغتصاب يخضع في قانون العقوبات للمواد بين 503 إلى 506 وهو مختلف عن التحرش".
وطلبت من النساء اللاتي بدأن يعرفن حقوقهن التسلح بالقوة، وألا تخجلن من المطالبة بحقوقهن، وعدم السماح لأحد بالاعتداء عليهن لفظياً أو جسدياً، والتقدم بشكوى، لافتةً إلى أن "أساس ظاهرة التحرش التربية والثقافة الاجتماعية والأمراض النفسية فهناك البعض لم يتربوا على أخلاقيات معينة، وعلى الشخص أن يتحلى بالإرادة".
وعن العقوبات لفتت إلى أنها "رادعة وأحياناً قاسية، ولكن التربية والبيئة الحاضنة للتحرش هي الخطيرة حيث يبرر للمتحرش فعله بإلقاء اللوم على لباس المرأة مثلاً، وهي تنشئة يجب العمل عليها في المدارس ولدى الجيل الجديد، وأن ينشأ جيل واع بعدم السماح بانتهاك خصوصية وأجساد الغير، وليس مسموحاً لوسائل التواصل انتهاك أعراض النساء بعد أزمة معينة، فهي ثقافة مجتمع تتطلب الكثير للوصول لمجتمع راق وحضاري".
ونوهت إلى أنه "هناك أزمات قانونية عدة في لبنان من الصعب حصرها في مقال واحد، منها لجهة بطء المحاكمات، وملفات الموقوفين حيث تكتظ السجون، وهناك كثيرون تتأخر محاكماتهم ويقبعون في السجون لسنوات وتصدر بعدها أحكام بالبراءة، حينها من سيعيد سنواتهم التي ذهبت هدراً، فضلاً عن عدم وجود طبابة وتغذية، ويدخل السجين بريئاً ويخرج مجرماً، ويدخل طبيعياً ويخرج مريضاً، هناك أزمة كبيرة لا يمكن اختصارها بسطور".
ولفتت إلى أهمية استقلالية السلطة القضائية لارتباط بعض القضاة بجهات سياسية ويعملون على الملفات وفقاً لأوامر السياسيين "أؤمن باستقلالية النفوس وليس في النصوص فقط، وآمل أن تتشكل الحكومة الجديدة بناءً على الكفاءات بعيداً عن المحاصصة، ونتفاءل بفكر جديد ومنهجية جديدة في العمل لمقاربة الملفات السابقة، فلم نعد نحتمل أفكاراً بدائية ويجب أن يكون هناك ورشة لكثير من مشاريع القوانين لأن معظم قوانيننا من أيام العثمانيين والفرنسيين، ونحن في عصر الذكاء الاصطناعي فلم تعد تتماشى مع قوانين بالية".
وناشدت القضاة لقراءة الملفات والحكم عليها بضمائرهم لأن هناك الكثير من الظلم وعدم احترام لكثير من القوانين منها قوانين حقوق الإنسان وقانون الأحداث "نحن في دولة منهارة ولا أمن وهناك جرائم كثيرة، فقد أصبحنا وكأننا في مقبرة بكل ما للكلمة من معنى نتيجة الحروب والفلتان الأمني وانتشار السلاح والمخدرات، فهناك ملايين القضايا، لتبدأها الحكومة الجديدة من الصفر، فالحكومة القديمة هي منبع الفساد المستشري ولا يمكن أن تكون السبيل للخلاص".
ومن جانبها قالت عضوة منظمة فيميل مريم ياغي "عادة عندما نتكلم عن قضايا اعتداء وتحرش، نتوجه للقضاء والجهات المعنية للمطالبة والمساءلة باتخاذ الخطوات المناسبة والعاجلة في سبيل حماية الفتيات والنساء الناجيات، وكذلك في سبيل حماية العدالة بشكل عام، أما في هذه القضية فنحن نتحدث عن شخص في منصب رفيع موكل إليه حماية العدالة والنساء والفتيات، وهو رئيس مجلس شورى الدولة ومتهم بقضية تحرش وليست أي قضية تحرش بل بحق قاضيات، فهنا الجرم مركب، جرم التحرش بحد ذاته، وسوء استغلال المنصب والتحرش بقاضيات".
ولفتت إلى أن النساء وخاصة الناشطات ترين أن العدالة وحقوقهن كذلك في خطر "تم التداول كثيراً عن كون هذه القضية إساءة ومحاولة للنيل من الجسم القضائي، فليس النيل من الجسم القضائي برفع أصوات الناجيات، وبتعرية هكذا اعتداءات، النيل من الجسم القضائي هو بوجود هكذا اعتداءات ومحاولة التستر عليها وتمييع هذه القضية من خلال التسويف والمماطلة، ومن خلال نوعية الأسئلة التي تطرح خلال التحقيق والتي تحمل اللوم وإلقاء الذنب على الناجية وغيرها من الناجيات المحتملات، حيث جرى الحديث في هذه القضية بوجود قاضيات أخريات خفن أو لم يتمكن من الانضمام لهذه القضية للتحدث عما تعرضن له".
وتتساءل هل الحكم المرتبط بهذه القضية سيكون بفداحة وخطورة سوء استخدام واستغلال المنصب؟، وهل سيكون هناك تمييع لهذه القضية مع الاستمرار في التسويف والمماطلة ومحاولة تكميم الأفواه وردع الناجيات عن التصريح بما تعرضن له؟، أم العدالة هي المعيار وبيت القصيد والتي سيحققها الجميع، وهذا بطبيعة الحال اختبار للحكومة الحالية واختبار تحديداً لوزارة العدل وخصوصاً باستلام قاض منصب رئاسة الحكومة، فالعدالة مفتاح أي تحرك وأي خطوة ستتخذ في المرحلة المقبلة، والسؤال الذي يطرح نفسه هل ستكون الحكومة ووزير العدل على قدر هذا الاختبار؟".