رانده فخرالدين: القوانين لا يتم تفعيلها لعدم القناعة بأهمية متطلبات النساء

أكدت الدكتورة رانده فخر الدين أن القوانين لا يتم تفعيلها لعدم القناعة بأهمية متطلبات النساء، مشيرةً إلى أن واحدة من أهم الأسباب التي تحول دون قدرة النساء على المشاركة والظهور هي نظرة المجتمع.

أسماء فتحي

القاهرة ـ فرض الواقع المحلي مجموعة من التساؤلات والاشتباكات التي باتت محل صراع جدلي ومنها دور الإعلام في تسليط الضوء على القضايا وتراجع الدور الفاعل للمجتمع المدني، وأسباب عدم تنفيذ ترسانة القوانين المنظمة والرادعة لعدد ليس بالقليل من الأزمات القائمة، بل وسطحية بعض المشروعات التي تتم بالفعل سواء على مستوى الأنشطة أو التدريبات أو ما عرف مؤخراً بالتمكين.

القضايا السابق ذكرها استلزمت الوقوف عليها مع أحد الفاعلين على الساحة المجتمعية وهي الدكتورة رانده فخر الدين التي فندت معنا جميع الاتهامات التي تلقى على كاهل المجتمع المدني وما يثار حوله من سطحية الدور الذي يقوم به بعض العاملين فيه حيناً، وبعده عن الشارع وواقعه أحياناً، بل وعدم تفكيره في الاستدامة سواء على مستوى الوعي أو التمكين الاقتصادي، وهو الأمر الذي أرجعته إلى تقييد آليات عمله، وأزمته مع المؤسسات الحكومية التي تكمن في سعيها للقيام بدوره التنفيذي تاركةً ما عليها من أعمال ترتبط بالسياسة العامة.

وفي حوارنا مع الدكتورة رانده فخرالدين سنلمس وضع النساء في مختلف أنحاء البلاد نتاج دورها داخل أغلب المحافظات واطلاعها على معاناتهن كاملة من خلال ما سمعته منهن، وما شاركت فيه من لقاءات استهدفت تنمية وعييهن بحقوقهن المسلوبة وسبل الحصول عليها والتي كان جانب كبير منها مع مؤسسات عاملة في ملف الحقوق والحريات، فضلاً مع الجهات الحكومية المهتمة بتنمية الوعي المجتمعي وتحديداً في ملف الصحة باعتبارها طبيبة واستشارية في هذا المجال.

 

حديثنا عن أبرز الظواهر التي عمل عليها مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي؟

يتميز مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي بالعمل على القضايا الشائكة التي قد لا يرغب الكثيرون في العمل عليها لذلك أعتز بالعمل معه لما له من دور في البحث والتدقيق وتوفير المعلومات، فضلاً عن مصداقيته الشديدة وقضاياه الهامة التي تحظى بتفاعل واهتمام الرأي العام.

ومركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي عمل على عدة محاور متنوعة منها العنف ضد الشباب، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث وكذلك التحرش ومختلف أشكال الممارسات الضارة بالمجتمع.

وآخر دراسة قام بها مركز تدوين كانت حول العنف بين الشباب مع التركيز على الجانب الخاص بتشويه الأعضاء التناسلية التي تفتقر لمعدلات بحثية مناسبة لحجم تلك الظاهرة المتفشية في المجتمع منذ سنوات طال أمدها والتي يمكن من خلالها التعرف إلى حد كبير على الوضع الراهن.

والأرقام كانت صادمة منها أن عدد ليس بالقليل من طلبة كلية الطب لا يعلمون عن القانون الحالي، وبعضهم يرى أن هناك حالات تستلزم التدخل الجراحي، وجزء كبير منهم قرر ممارسة تلك الجريمة بعد تخرجه، فضلاً عن التأكد من وجود نحو 90% من الأهالي لا يعلمون شيئاً عن القانون ومنهم من يرون أن ختان بناتهم سيؤثر ايجاباً على صحتهم.

 

بصفتك من الفاعلين في المجتمع المدني البعض يرونه لم يتمكن من الوصول للشارع وبث أفكار لا تعبر عن الاحتياجات الحقيقية له... فما رأيك بذلك؟

أرى أننا بدأنا في استهداف الشارع ووصلنا فعلياً ولكننا بحاجة لمزيد من الوقت ففي بعض الأحيان يتم العمل على القضايا من المكاتب كما يثار والبعض حقيقة لا يفهم كلياً الاحتياجات الحقيقية للمجتمع والمرأة فيضع ما يراه مناسباً دون الرجوع لأصحاب الشأن والمعنيين به، فالأصل في العمل يتطلب الاستماع لاحتياجات الفئات المستهدفة وأفكارهم بشأنها ثم تكييف ذلك مع ما يتوفر من أدوات لتحقيقه.

فكيف يمكننا الحديث مع المرأة عن المساواة وهي لا تستطيع تناول طعامها مع الزوج من الأساس، لذلك نحتاج للوصول بشكل فعال لها والعمل على فتح آفاقها المعرفية بالأساس حول فكرة الزواج والشراكة ومنها نتحدث عن غيرها من الأمور.

والقضايا المجتمعية الشائكة تحتاج للنزول والجلوس مع النساء أينما كانوا وكذلك إشراك أزواجهن لاعتبارهم الفاعلين في أغلب المجتمعات فكلاهما يجب أن يعي الدور المنوط به كي يتمكنوا من بناء جيل جيد وسوي لا يعاني من الاضطرابات التي قد تفرزها تأزم علاقتهما وقهر أحدهما للآخر من أجل مجتمع أكثر فاعلية واستقرار.

 

هناك ترسانة من القوانين... فلماذا لا يتم تنفيذها لصالح النساء بل وتعطل أحياناً مع القضايا الشائكة؟

هناك العديد من الأسباب أودت بنا لهذا المشهد يأتي في مقدمتها عدم اقتناع منفذ القوانين بحقوق النساء ومعاناتهن، بل بعضهم قد لا يجدوا في ختان الاناث على سبيل المثال أزمة، وبعضهم قد يعتبر تزويج القاصرات "عفة" ولا يحتاج لعقاب من الأساس.

فالقائم على تنفيذ القانون جزء من تكوين هذا المجتمع المتأزم لذلك لا يستطيع ربط القضايا المطروحة ببعضها وقد لا يرى تبعات تشويه الأعضاء التناسلية على كيان الأسرة واستقراره، ولا يفقه أن هناك ربط بين تزويج القاصرات وحدوث تسرب من التعليم وبالتالي انتشار الجهل الذي يعد بيئة خصبة لنمو الأفكار التخريبية وتبعاتها.

ويمكننا ضرب مثال بقانون الأحوال الشخصية الذي مر عليه نحو 100 عام وما زلنا نناقش إمكانية العمل على تعديله أو تغييره رغم أن المجتمع تغير بشكل كامل والسبب في ذلك أنه معني بالمرأة في الأساس، وهناك دعم غير مشروط لجميع أدوات قهر النساء والتحكم في حياتهم باعتبار ذلك ضرورة.

وهناك أمر لا يمكن إغفاله يكمن في المصلحة الفضلى للطفل، فبدلاً من الجدل الواسع حول حق المرأة والرجل والصراع الذي بات سابقاً لجميع القضايا وكأنه سباق هيمنة وسيطرة واستحواذ يجب أن يتوجه كل ذلك نحو الطفل ذاته.

وإجمالاً يمكننا القول أن عدم إيمان منفذ القانون هو الذي يحول دون تنفيذه على الأرض وكذلك عدم إيمان المجتمع نفسه بحقوق النساء فيتسترن على الجرائم المرتكبة بحقهن.

 

نعاني كثيراً في الوقوف على أسباب بعض الظواهر السلبية القائمة ولا نتمكن من تحديد نتائج العمل على تصويبها... فلماذا هناك ضعف في العمل البحثي والاحصائي مؤخراً؟

للأسف هناك عجز ونقص شديد في البحث والتدقيق والوقوف على الأرقام وذلك لأن المسح السكاني الصحي يتم كل 4 سنوات وقد مر بمجموعة من الأزمات نتج عنها فجوة في معدل الصدور فأحد نتائجه كانت خلال عام  2008، بينما تأخر التالي عليه حتى 2014 ولم تصدر نتائجه إلا في 2015، والخلاف حتى الآن يكمن في الاستقرار على من يقوم بالبحث ذاته لذلك تعطل ولم يصدر أي جديد منذ ذلك التاريخ حتى اليوم.

ويمكننا أن نفهم موطن الأزمة الكامن في عدم وجود اهتمام وإدراك لضرورة وجود أبحاث ودراسات بل وتأثير ذلك على خطط البلد التنموية وغيرها المرتبطة بأرض الواقع.

وهناك أيضاً تقييد على حرية البحث للجهات الغير حكومية، وفي حال الرغبة للقيام بعمل دراسة أو بحث هناك سلسلة من الإجراءات المعقدة أحياناً ومنها الحصول على موافقة من الجهاز المركزي  للتعبئة والإحصاء، فالمجتمع المدني قادر على عمل الأبحاث وتسليمها للجهات المعنية، ويمكنني أن أؤكد أن الأرقام لن يتم الإعلان عنها ولكنها هامة ولا بد من القيام بها حتى يتسنى للجميع العمل على بينة واضحة، ونأمل أن يتم إتاحة الفرصة لنا قريباً أو نغير هذا الوضع من أجل الصالح العام بالأساس.

 

الكثير من برامج التمكين سطحية ومؤقتة... فلماذا لا يسعى المجتمع المدني لخلق استدامة بما يقدمه للنساء؟

هذا أمر صحيح نسبياً وقد لاحظت حدوثه أثناء تجولي بالمحافظات ولمست فجوة حقيقية مع النساء، ففكرة الاستدامة يجب أن تكون نابعة من النساء أنفسهن، وقبل ذلك يجب تدريبهن على اختيار المشروع الذي قد يحقق نجاح وأرباح من واقع احتياجات محيطهن الضيق ومن ثم نضمن استمرار عملهن، والخلل يأتي من منحهن المال وتركهن وهو ما ينتج عنه عدم القيام بأي مشروع حقيقي فالبعض يقوم بسداد ديون الأسرة من الأموال الممنوحة ولا ينفذ شيء لذا فالمتابعة المستمرة هي الضمان الأكبر لتحقيق المستهدف من تمكين اقتصادي.

والتمكين يكمن في تأهيل وتعليم النساء طرق عمل دراسة جدوى مبسطة وإن كانت خاصة بإنتاج الصابون السائل في المنازل على سبيل المثال أو صنع الجبن أو غير ذلك من المشاريع متناهية الصغر التي قد يحتاج لها المجتمع المحيط بهن وهو ما يسهل عملية التسويق فيما بعد ويذلل الكثير من العقبات التي قد تواجه خطط الاستدامة.

 

نفتقر لوجود النساء الفاعلات في مراكز صنع القرار... برأيك ماهي الأسباب؟

نحتاج لتعليم النساء أولاً وتأهيلهن قبل التحدث عن مراكز صنع القرار وفاعليتهن بها، وكذلك العمل على تغيير وضعهن الاقتصادي فنسبة فقرهن أكبر من الرجال بكثير وبالتالي لا يفكرون في المشاركة السياسية وأعباء العمل بها قبل تأمين احتياجاتهن الأساسية.

وواحد من أهم الأسباب التي تحول دون قدرة النساء على الظهور بشكل فاعل في مراكز صنع القرار تكمن في نظرة المجتمع لقدرة المرأة على المشاركة، فهي في تقديره لا تستطيع القيام بتلك المهام فلا يتم اختيارها أو دعم وجودها وقراراتها.

وهناك نماذج حقيقية قوية لشابات في البرلمان على دراية كبيرة بمعاناة النساء في هذا المجتمع الذي تحكمه السلطة الرجعية، ولكن هناك غياب واضح للفاعلات منهن في لجان الأحزاب المختلفة وكذلك النقابات رغم كونهن جزء من المجتمع المدني.

ولا يوجد وعي مجتمعي إجمالاً بأهمية مشاركة النساء في صناعة القرارات ووضع الخطط والحلول خاصة أن لهن رؤية تختلف كثيراً عن الرجال ونظرتهم للأزمات عادة ما تكون اجتماعية وأسرية شاملة وليست فردية، فالمرأة قادرة على إصدار قرارات أكثر واقعية تحمل حلول جذرية للمشاكل لأنها خلقت بقدرة غير تقليدية ومختلفة كلياً عن الرجال في التعامل مع الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.