قتل النساء وصمت الحكومة يؤرق النسويات في تونس

مع ضعف الوعي من قبل النساء، وغياب التوعية من قبل مؤسسات الحكومة للتحذير من خطورة الصمت تجاه العنف، تواصل النسويات النضال من أجل تطبيق قانون مكافحة العنف ضدهن وتوفير مراكز إيواء آمنة لهن ولأطفالهن.

زهور المشرقي

 تونس ـ أكدت الحقوقية وأستاذة القانون منية قاري، أن ظاهرة قتل النساء انتشرت في تونس وباتت ظاهرة يتم التحدث فيها اليوم نتيجة جهود المجتمع المدني الذي يعمل على فضحه ورصده ومحاولة إيصال صوت المعنفات للتنبيه من خطورة التطبيع مع العنف أي كان.

لا يمكن اعتبار آفة قتل النساء في تونس وليدة السنوات الأخيرة أو اعتبار العنف نتيجة للفوضى التي عاشتها البلاد بعد الثورة، بل كان قتل النساء من الظواهر والتابوهات المسكوت عنها في العهد السابق للثورة، حيث ترفض في العادة الأنظمة الاوتوقراطية والاستبدادية الحديث إعلامياً في مثل هذه المسائل التي تراها "شأن داخلي"، وأمر مشوه للمجتمع في الخارج، وبعد عام 2011 انقلبت موازين العمل الصحفي والحقوقي وعمل المجتمع المدني الذي بات يسعى لفضح هذه الظواهر لمعالجتها بسن قوانين رادعة لها.

واستمر النضال النسوي في تونس الذي بدأ منذ الاستقلال، وكان حافزاً لسن قوانين تنصر حقوق النساء بعيداً عن الجندر والنوع الاجتماعي، على غرار قانون السماح الآمن بالإجهاض الذي كانت تونس سباقة عربياً وإقليمياً وحتى دولياً فيه، وقانون مكافحة العنف الصادر في آب/أغسطس 2017، والذي كان ثمرة لجهود نسوية وصراع خاضته النسويات والمجتمع المدني بعد صيحة فزع أطلقت تحذر من الارتفاع المهيب لجرائم تعنيف وقتل النساء في تونس.

وكان تقرير لجمعية "أصوات نساء" قد أكد في أيار/مايو الماضي، أن تونس شهدت خلال العام الماضي موجة مفزعة من جرائم قتل النساء بلغت 25 جريمة، لافتاً إلى أن 13 من النساء قتلن على يد أزواجهن، و3 قتلن من قبل آبائهن، وتم قتل 4 نساء على يد أقاربهن، كما قتلت 5 نساء من قبل شخص مجهول، ومنذ بداية العام الجاري وحتى نهاية آب/أغسطس الماضي، قالت الجمعية إن 20 امرأة قتلن أغلبهن على يد أزواجهن.

قالت الحقوقية وأستاذة القانون منية قاري، إن ظاهرة قتل النساء انتشرت في تونس بدليل الاحصائيات التي أصدرتها وزارة المرأة والأسرة، ويتابع المجتمع المدني ذلك ويرصد الأرقام المقلقة، معتبرةً أن تلك الآفة ليست منفصلة عن العنف ضدهن وهي أقصى مظاهره "حجم تعنيف النساء قد يكون بنفس الدرجة قبل سنوات لكن التوجه الصامت عن ذلك وعدم وجود إرادة لمواجهته زاد من انتشاره".

وأكدت أن "قتل النساء بات ظاهرة نتحدث عنها اليوم نتيجة جهود المجتمع المدني الذي يقاوم لفضحه ورصده ومحاولة إيصال صوت المعنفات، ورفع توعية الإعلام بخطورة الظاهرة لاقناعها بتغطيتها وتناولها للتنبيه من خطورة التطبيع مع العنف أي كان، وقبوله والخوف من مواجهة المعنف ومقاضاته، وهو أمر يحسب للمجتمع المدني".

وعن ارتفاع حالات قتل النساء بالرغم من وجود القانون 58 الصادر عام 2017، المتعلق بخط حماية النساء من العنف، اعتبرت منية قاري، أنه لا يمكن التصدي لهذه الظاهرة دون تشريع، لكن الأهم وضع آليات قوية لتنفيذه فضلاً عن أهمية وجود إرادة سياسية لمجابهة الآفة وتوفير ميزانية، لاعتبار المقاومة لن تكون مجانية من إيواء ومقاضاة، بل يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الحالة الاجتماعية للمعنفة.

ولفتت إلى ضرورة توعية مختلف الأطراف في المجتمع من خطورة الظاهرة على مدار العام وليس في أوقات محددة "العمل يجب يكون يومياً، في القنوات التلفزيونية والإذاعات، لا نجد مثلاً الرقم للخط الأخضر أو سبوت يبين للنساء أهم الخطوات التي يجب اتباعها حين يتم تعنيفهن".

وأوضحت أنه "نتيجة الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لم يعد التصدي لقتل وتعنيف النساء أولوية الدولة ولاعتبار ذلك لاحظنا تراخٍ في عمل مؤسسات الدولة في حماية النساء ضحايا العنف، وبقيت الجمعيات تناضل وحدها وتتعهد بضحايا العنف وعلى الرغم من التضييقيات لم تتوقف ولم تخذلهن".

وعن مأزق مراكز الإيواء الذي يساهم العدد القليل منها في عودة المعنفة في أغلبية الاحيان إلى مكان المعنف، أوضحت منية القاري، أن تونس تحوي 15 مركز إيواء، لكن الأشكال الحقيقي يتمثل في عظم معرفة طبيعة تلك الجهة التي فتح فيها المركز لمعرفة طبيعة العنف هناك وعدد المعنفات من توجهن لمراكز الأمن وقدمنا شكايات الوزيرة السابقة كان توجهها فتح مركز بكل ولاية على الاقل، لكن يعتبر هذا عبارة عن تقسيم إداري لاينبع من الحاجة "هناك مراكز مفتوحة وتزورها امرأة في الشهر أي أنها لا تعمل، وهناك مراكز أخرى لاتجد فيها أماكن شاغرة مايفسر غياب دراسة معمقة لتقييم الحاجات الحقيقية لتلك الجهة، وهو مايدفع بارتفاع العنف بكل درجاته".

وشددت على أهمية العمل على تدريب القائمين على مراكز الإيواء والوحدات المختصة ومختلف الهياكل المتدخلة لمعرفة كيفية استقبال المعنفة والتعامل معها بشكل سلس وتوجيهها "بعضهن تخشين زيارة مركز الأمن أو مركز الإيواء لأنهن تشعرن وكأنهن في سجن، وهناك اعتداء على خصوصياتهن في الخروج والدخول بوقت محدد وغيره من الشروط التي تضعها مراكز الإيواء مثلا حسب نظامها الداخلي".6

وعن نفاذ النساء المعنفات للعدالة والذي تعتبرنه "معقداً"، أكدت أن القانون 58 يضمن لهن العديد من الامتيازات لكن على أرض الواقع يغيب الإرشاد والتوجيه في المحاكم، إضافة إلى عدم توفر الإعانة العدلية التي يضمنها النص القانوني ولا تتوفر، علاوة على طول الإجراءات "لا توجد إجراءات خاصة تتمتع بها ضحايا العنف، ما يشتتهن بين القضاء المدني والقضاء الجزائي وغياب توعيتهن بحقوقهن وواجباتهن حول الخطوات التي يجب أن تتخذ لبداية مسار التقاضي، وأحياناً ترهقن قبل انطلاق مقاضاة المعنف، فتتركنا المنديل وتستسلم وتعود لأربع العنف وللمعنف، الذي قد يقتلها بدافع الانتقام أو يعذبها، بالتالي نؤكد على سهولة الولوج للقضاء لحماية النساء من العنف".