قضايا قتل النساء في غزة... بين القانون والموروث المجتمعي

ارتفعت حالات قتل النساء في غزة فقد راحت أكثر من 60 امرأة ضحية جريمة قتل منذ بداية العام الحالي.

رفيف اسليم

غزة ـ أكدت الناشطة الحقوقية والنسوية على أن تعديل القوانين مطلب أساسي لتحجيم ظاهرة العنف ضد النساء وجرائم القتل ضدهن، والقضاء على ثقافة الإفلات من العقاب.

شهدت فلسطين في الفترة الأخيرة عدد من حالات القتل المتعمدة ضد النساء من مختلف الفئات العمرية ولأسباب متعددة، لذلك حاولت وكالتنا مناقشة أسباب تنامي تلك الظاهرة ومدى ارتباطها بالقوانين والنظم التي نص عليها الدستور الفلسطيني والموروث الثقافي والديني للمجتمع أيضاً، عبر لقاء مع الناشطة الحقوقية والنسوية فاطمة عاشور.

أوضحت الناشطة الحقوقية والنسوية فاطمة عاشور أن هناك عدة أسباب وراء تنامي ظاهرة قتل النساء أبرزها القوانين والموروث الثقافي والاجتماعي والخطاب الديني والإعلامي.

ولفتت الانتباه إلى أن القانون الفلسطيني المطبق في الضفة الغربية وقطاع غزة غير موحد ففي الضفة ألغى الرئيس الفلسطيني محمود عباس القتل على خلفية الشرف بعد مقتل الشابة آية برادعة التي ألقاها عمها في البئر وقد كشف حيازتها للهوية عن الجريمة، مستدركة أن حالات القتل لم تنتهي لذلك يجب التفكير بالأمر من منظور آخر وهو الموروث الثقافي والمجتمعي.

وبالرغم من أن تعديل القوانين هو مطلب أساسي لتحجيم تلك الظاهرة ويجب أن ينطلق منه، إلا أنه يبقى من المهم العمل على تغير الخطاب الديني والإعلامي وتدريب العاملين في مجالات الصحة والتعليم والقضاء على ثقافة الإفلات من العقاب وتقبل الآخر ونبذ العنف والكراهية وإلغاء فكرة أن المجتمع وصي على النساء ومن هم أصغر سناً بحكم أن المجتمعات الأبوية هي من تحدد المقبول من عدمه لمن يعيش داخلها، على حد قول فاطمة عاشور.

وترى أن المحاكمات العادلة ضرورية في قضايا قتل النساء، بحيث لا تكون سريعة كمقتل الفتاة التي اعتدى عليها عمها في مدينة رفح، ولا تكون بطيئة كالحكم في قضية المغدورة استبرق بركة التي استغرق إصدار الحكم ما يزيد عن السنة، لأن السريعة تنتقص من حق الجاني والمتأخرة لا تكون بصالح المجني عليه، مشيرةً إلى أن الأمر يحتاج إلى ملف بوقائع مكتملة يستغرق إعداده المدة المنصوص عليها بالقانون لا أكثر ولا أقل.

وعن سبب التأخير في إصدار الحكم بقضايا القتل، تشير إلى أن كثرة الملفات وازدحامها لدى القاضي وعدم وجود موظفين هي سبب أساسي في تأخر إصدار الحكم ببعض القضايا، لافتةً إلى أن هناك تقصير في تطبيق القانون منذ البداية ووصولاً لعملية الضبط والاحضار ناهيك عن المساحة الفضفاضة التي تترك للقاضي والمطلق عليها السلطة التقديرية التي تجعل يخفف الحكم في بعض القضايا من القتل العمد لغير العمد على سبيل المثال.

وشددت على أن التعامل مع قضايا النساء يحتاج إلى آلية معينة من خلال تعاون وزارة شؤون المرأة مع كافة الوزارات الأخرى، لإنشاء خطة وطنية متكاملة مع إلغاء فكرة أن قضية المرأة يجب أن تدافع عنها هي وحدها في ظل حاجتها إلى تكاتف من المجتمع ككل، منوهةً إلى أن الانقسام وعدم إجراء الانتخابات لفترات طويلة عزز من التأثيرات السلبية على قضايا النساء خاصة مع عدم تواجدهن في مراكز صنع القرار.

وعن الحكم في قضية "استبرق بركة" لفتت فاطمة عاشور الانتباه إلى أنه لا يمكن النظر بمدى دقة الحكم سوى بعد الاطلاع على الملف ونتائج التحقيقات والطب الشرعي وبما أن هذا الأمر غير ممكن فما يبقى هو متابعة ما ورد عبر الإعلام وشهادات الشهود التي أفادت أن الجاني يعلم أن الضرب المبرح لمرأة حامل كان على الأقل سيفقدها جنينها، فإن نجت هي بجسدها الضعيف من البديهي أن لا ينجو هو، لذلك الدوافع الإجرامية متواجدة فلا يرفع عنه القتل العمد.

وأوضحت أن الضرب عندما يتسبب في موت أحدهم يتحول من جنحة إلى جناية، ومثل هذه الجريمة ستعمل على ضرب النسيج المجتمعي لذلك يجب تشديد العقوبة لأن من تعرضت للقتل على يده هي زوجته التي من المفترض أن تكون في نطاق حمايته، مشيرةً إلى أن مثل تلك الجرائم ستؤثر على النساء ككل من خلال عدم شعورهن بالأمان في بيوتهن مما يضعف قدرتهن على التفكير والإنتاج والإبداع لأن المرأة طوال الوقت ستبقى تفكر كيف ستحمي نفسها.

ويذكر أن هيئة الجنايات الكبرى أصدرت حكماً بمعاقبة المدان (م/أ ع) بالسجن المؤبد ومصادرة أداة الجريمة المضبوطة على ذمة القضية، وذلك في واقعة مقتل "استبرق سليمان بركة"، حيث أدين المتهم بتهمة القتل عن غير قصد، وحمل أداة مؤذية استناداً لقانون العقوبات الفلسطيني رقم 74 لسنة 1936، وجاء الحكم بناءً على أدلة الإثبات التي قدمتها النيابة العامة.

وكان المتهم قتل المجني عليها في الثالث عشر من حزيران/يونيو العام الماضي، وذلك بعد أن انهال عليها بالضرب المبرح مما أحدث لها نزيفاً دموياً حاداً كما هو موضح ومبين تفصيلاً في تقرير الطب الشرعي "تقرير الصفة التشريحية" وذلك بوجه غير مشروع ومخالف للقانون.

وراحت رباب أبو صيام البالغة من العمر 30 عاماً وهي مطلقة وأم لثلاثة بنات، الأربعاء 27 تموز/يوليو، ضحية جريمة قتل، في ساحة منزلها الواقع في شارع "بن يهودا" بمدينة اللد، وكانت الضحية تعمل معلمة في إحدى المدارس بمدينة اللد، إلا أنها اضطرت لترك عملها وانتقلت للسكن في منطقة النقب جنوبي البلاد، بسبب التهديدات التي تلقّتها.

وأوضح والد الضحية أن ضابطاً في الشرطة حذره قبل وقوع الجريمة بعدة أيام أن ابنته في خطر شديد، ويجب ألا تعود إلى اللد، إلا أنه تفاجأ بحضور الضحية إلى منزلها، حيث قالت إنها ترغب برؤية بناتها، لتُقتل خلال ذلك، بعد أن أوصت أهلها برعاية بناتها.

ووثّقت كاميرات المراقبة جريمة القتل، إذ وصلت سيارة بيضاء إلى الشارع أمام منزل عائلة الضحية، وترجّل منها شخص وأطلق النار على الضحية، ثم عاد إلى السيارة وفرّ هارباً من المكان، كما ذكر شهود عيان أن رجلاً مقنعاً كان يرتدي زياً أسود اقتحم ساحة المنزل، وأطلق النار على والد الضحية، فأصابها بثلاث رصاصات في رأسها وثلاث أخرى في جسدها، بينما كانت طفلتها ابنة العامين في حضنها.

وأضاف الشهود أن والدة الضحية حاولت الدفاع عنها، إلا أن الرجل دفعها بقوة وطرحها أرضاً، فيما ذكرت وسائل إعلام أن الشبهات تحوم حول زوجها السابق الذي انفصلت عنه قبل شهرين، إذ تشير مصادر عائلية وأمنية إلى تلقي المغدورة تهديدات تمسّ حياتها.