قاصرات ضحايا الطلاق المبكر تتحملن وصمة العار في إدلب
تهرب الفتيات في مخيمات إدلب من حياة الشقاء إلى الزواج لتجدن أنفسهن بعد فترة قصيرة مطلقات.
لينا الخطيب
إدلب ـ تضطر الكثير من الفتيات القاصرات في إدلب للهروب من جحيم ظروف الحرب إلى الزواج والمسؤولية المبكرة بدوافع اجتماعية ومادية، فضلاً عن الانقطاع عن التعليم وهيمنة التقاليد الموروثة إلى الزواج لينتهي بهن الحال إلى الطلاق الذي يسلب الفتاة حقوقها ويضعها أمام مستقبل مجهول، وينعكس سلباً على حياتها المقبلة وحالتها النفسية.
"لم يعد اسمي طفلة بل أصبحت امرأة مطلقة" تقول علا العبسي (14 عاماً) من مدينة إدلب بكلمات مبعثرة وحزن يرتسم على وجهها، فزواجها لم يستمر سوى ستة أشهر، بسبب عدم الانسجام مع زوجها وكثرة المشاكل، لذا فضلت طلب الطلاق والعودة إلى منزل أهلها.
تقول عن معاناتها "تزوجت بعمر الثالثة عشرة من شخص يكبرني بتسع سنوات، ولم أكن أعرف حينها عن الزواج سوى الفستان الأبيض ولبس الحلي وشراء الملابس الجديدة، لكنني وجدت نفسي فجأة أمام مسؤوليات كبيرة لم أستطع تحملها والنهوض بها، فتحولت حياتي إلى تعاسة وكثرت المشاكل مع زوجي، ووصلت إلى الانفصال".
وتبين أن معاناتها لم تنته بمجرد حصولها على الطلاق، لأن كلمة "مطلقة" باتت ملازمة لها، كما قضى زواجها المبكر على حياتها المستقبلية، مضيفة "بعد الطلاق بدأت أعاني من الضغوطات النفسية والاجتماعية، حيث أصبحت ممنوعة من الخروج بمفردي، أو استخدام الهاتف، باعتباري مطلقة ومحط أطماع ضعاف النفوس وألسنة الناس التي لا ترحم".
وتتعرض الفتيات القاصرات المتزوجات، للعنف اللفظي والجسدي، دون أن يجدن وسيلة للشكوى نظراً لانعدام القوانين في المدينة التي تسيطر عليها الفصائل المرتزقة.
سلام الحمود (16 عاماً) من قرية كفر يحمول شمال إدلب انفصلت عن زوجها منذ سنة، بسبب عدم قدرتها على تحمل حياتها الزوجية والعنف الممارس ضدها بحسب تعبيرها، وعن ذلك تقول "أجبرت على ترك مقاعد الدراسة والزواج رغماً عني، لرغبة أبي وأمي بتزويجي من ابن عمي الذي يبلغ من العمر 25 عاماً، دون أن يكون لدي حق الاعتراض أو حتى إبداء الرأي، وبعد فترة وجيزة صدمت بسوء معاملته لي، حيث أصبح عصبي المزاج، يعنفني باستمرار ولأتفه الأسباب، وفي كل مرة كنت أترك المنزل كان يجبرني والدي على العودة مجدداً".
وتؤكد أنها في المرة الأخيرة عادت إلى منزل أهلها والدماء تغطي وجهها نتيجة تعرضها للضرب بعصا، ما أدى لجرح في رأسها "بعد ذلك اقتنع أهلي بضرورة الانفصال عنه، دون أن يسمحوا لي بتقديم شكوى قضائية ضده، خشية تجاهل القانون لمعاناتي، وخوفاً من وصمة العار التي قد تلحقني من المجتمع، وحفاظاً على أواصر القربى مع أسرته".
والدة سلام الحمود وتدعى عليا الداني (41 عاماً) تقول "كنت أعتقد أن الزواج تحصين للفتاة وستر، لكنني اكتشفت بعد فوات الأوان أن زواج الطفلة فكرة خاطئة وقرار غير صائب يؤدي لعواقب وخيمة، باعتبار الفتاة تكون عاجزة عن تحمل أي صعوبات نتيجة قلة الوعي بمصاعب الحياة".
تزداد مشاكل الطلاق المبكر في حال كانت "الزوجة الطفلة" أماً لأطفال آخرين
سهى الدياب (16 عاماً) هربت من واقع النزوح المرير إلى الزواج، فكان مصيرها طلاق مبكر مع طفلة هي الضحية الأولى، ستعيش حياتها في البحث عن كيفية سد رمقها وتعليمها وتربيتها، وعن ذلك تقول "نزحنا من مدينة سراقب بداية عام 2020 إلى مخيم عشوائي بريف إدلب الشمالي، واضطرت أسرتي المكونة من 9 أفراد للإقامة في خيمة واحدة، فوافقت على الزواج لأتخلص من حياة الفقر والخيام والتشريد".
وأضافت "باعتبار زوجي عاطل عن العمل وعديم المسؤولية، أجبرني على السكن مع أهله للإنفاق علينا، لكنني لم أتمكن من تحمل المشاكل الأسرية ومجاراة أهل زوجي الذين كانوا يعاملونني كخادمة داخل المنزل، عدا عن الألفاظ المسيئة التي كانت تصدر منهم بحقي، فلم أجد حلاً سوى العودة إلى أهلي مع طفلتي الوحيدة، وكان الطلاق هو الحل الأمثل".
وأشارت سهى الدياب إلى أنها تشعر بنظرة قاصرة لنفسها، إلى جانب الخوف والقلق من مواجهة المجتمع والحياة المقبلة، بعد أن باتت عبئاً مع ابنتها على أهلها.
المرشدة الاجتماعية دلال الأحمد من مدينة أطمة شمال إدلب، قالت لوكالتنا "النزوح والفقر والضائقة المالية وتدني المستوى المعيشي لكثير من الأسر تدفع بناتها القاصرات ليهربن من واقعهن ليقعن ضحايا الزواج المبكر، فتعالج مشكلة الفقر بمشكلة أكبر منها ويصعب حلها لاحقاً".
وأكدت أن الفتاة في سن المراهقة تكون أفكارها غير ناضجة لتحمل مسؤولية تربية الأطفال، ومسؤولية بيت وأسرة وما يصاحبها من علاقات اجتماعية، فتعجز عن إدارة أمورها وأمور بيتها على مختلف الأصعدة.
وتبين أن الطلاق هو تفكّك أسري يحدث بإرادة الزوجين ويؤدي لضياع الأطفال، ويأخذ بهم إلى مستقبل مجهول، دون أن يكون لهم ذنب، سوى أنهم ولدوا لوالدين غير منسجمين، فيعيشون ظروفاً صحية واجتماعية ونفسية صعبة، وتؤدي بهم إلى مشاكل لا تنتهي.
وتحمل دلال الأحمد الأهل مسؤولية الأضرار والأمراض المستقبلية التي قد تصيب ابنتهم والضغوطات النفسية التي تؤثر على صحتها كالاكتئاب، والإحباط وارتفاع ضغط الدم، وتؤكد على ضرورة توعية الأسر بأهمية التعليم في حماية الفتيات وتوسيع مداركهن في فهم الأمور الحياتية.