قانون حضانة الأطفال في المغرب... بين عنف معنوي ومصادرة لحرية النساء الفردية

بات حرمان النساء من حقهن في حضانة أولادهن أمراً مثير للجدل والغضب في المغرب بين المطلقات والناشطات الحقوقيات، اللواتي يطالبن باحتفاظ الأم بحضانة أولادها حتى بعد زواجها الثاني، وعدم مصادرة حقها الطبيعي في إعادة بناء حياة جديدة.

حنان حارت

المغرب ـ منح المشرع المغربي الحق للرجل في الزواج مرة أخرى محتفظاً بحضانة الأطفال، فيما أسقط هـذا الحق عن المرأة حين بلوغ الطفل 7 سنوات، ليتمكن الطليق من المطالبة بضم الطفل إليه، وتحرم والدته منه في حال زواجها مجدداً، صورة  تنتصر للعقلية الرجعية التي تحارب المغربيات لمعالجتها.

تنص المادة 175 من مدونة الأسرة المغربية على أن "زواج الأم لا يسقط حضانتها، مادام المحضون صغيراً لم يتجاوز عمره سبع سنوات أو تجاوز هذا السن، أو إذا تأكد أن الطفل المحضون قد يلحقه ضرر من فراق أمه، أو إذا كان المحضون مصاباً بعلة أو عاهة تجعل حضانته مستعصية على غير أمه"، لكن رغم ذلك تظل العديد من المغربيات متخوفات من إسقاط الحضانة عنهن، في حالة ما أردن إعادة بناء حياة أخرى جديدة وممارسة حقهن الطبيعي في الزواج مرة ثانية.

 

إعدام بحكم القانون

تقول سلمى محمد (اسم مستعار) لوكالتنا "منذ أن حصلت على طلاقي وأنا أعيش حالة من الرعب والمقايضة من طرف زوجي السابق، دائماً يهددني بإسقاط حضانة طفلي، قال لي مراراً إنه لن يتوانى عن فضحي وجمع الأدلة التي تخول له إسقاط الحضانة عني، فرغم أنه لا يتحمل مسؤوليته اتجاه ابننا، ونادراً ما يراه، وتخلى عن النفقة عليه، لكن كلما رفعت عليه دعوى قضائية بالنفقة، فإنه يذكرني بذلك، يقول لي إنه يتتبع خطواتي، وحالما يمسك أي خطأ سيحرمني من طفلي".

وأضافت "وجدت عملاً يسد احتياجاتي وابني، ولم أعد أطالب بحق ابني ولم أعد ألجأ للمحكمة لرفع أية دعوى قضائية على طليقي من أجل النفقة على ابني، وقررت الزواج مجدداً، لكني أخشى كثيراً من الإقدام على هكذا خطوة قد تفقدني ابني".

وأشارت إلى أنه "في الوقت الذي يمنح للرجل الحق ببدء حياته من جديد بعد الطلاق، فإن المرأة تظل محرومة من حقها خوفاً من انتزاع فلذة كبدها منها، وهو أمر اعتبره جوراً وظلماً بحق جميع المغربيات اللواتي يعشن نفس حالتي".

وتخشى سلمى محمد من أن يتم حرمانها من حق حضانة ابنها فيما لو تزوجت مرة أخرى "طفلي الآن يبلغ من العمر ست سنوات، وأفكر ملياً ماذا لو تزوجت ثانية، فيمكن لطليقي إسقاط الحضانة عني بمجرد بلوغ ابني سبع سنوات، مادام يخول له القانون ذلك، ومادام طفلي سليماً جسمانياً".

 

الوصاية الاجتماعية

هذا الوضع الأليم لا تعيشه سلمى محمد فقط، بل هو تجسيد لآلاف المغربيات المطلقات والحاضنات اللواتي تعانين باستمرار نتيجة ذلك، لأن حكم الطلاق بات عبارة عن تذكرة إلى الجحيم أو إعدام بحكم القانون.

ترى عضو جمعية المرأة المناضلة نصيرة الخمليشي أن العوائق السوسيوثقافية تشكل عائقاً أمام النساء في مجتمع تغلب عليه السلطة الأبوية.

وأوضحت "تجد المرأة في كثير من الأحيان، نفسها مكبلة بمختلف أشكال الوصاية الاجتماعية ويتم التحكم بمصير حياتها منذ نشأتها، خاصة إذا كانت هشة على المستوى الاقتصادي والثقافي، وبالتالي يصعب عليها اتخاذ قرار الزواج للمرة الثانية بعد طلاقها، وذلك تحت طائلة الخوف من أن ينتزع الطليق منها أبناءها، فتظل ترافقها مجموعة من الأوصاف أنها أم غير صالحة وأنها تفكر في نفسها، وأنها تخلت عن أطفالها؛ مقابل بحثها عن مصلحتها الشخصية".

 

إشكاليات الحضانة

وقالت نصيرة الخمليشي أنه من غير المنطقي مصادرة الحريات الفردية للمرأة، ومنعها من حقها في اختيار حياة ثانية بعد الطلاق "قضية حضانة الأطفال، لابد أن تظل من حقوق المرأة بعد زواجها بآخر، فالأمر يحتاج إلى إعادة النظر، بما يسمح أن تتمكن الأم من استمرار حياتها الزوجية الجديدة في الوقت الذي تحتفظ فيه بحضانة أولادها من زوجها السابق".

وأوضحت أن هناك إشكالات كثيرة مرتبطة بالحضانة، ففي الوقت الذي يتنصل الرجل من مسؤولياته اتجاه الأبناء، ويفضل الابتعاد دون إخبار الزوجة عن مكانه، فإنها تظل "معلقة" ويظل أي شيء يرتبط بالأبناء "معلقاً"؛ وخلال هذه الفترة يمكن أن تحدث عدة مشاكل ترتبط بالحضانة، كنقل الأطفال من مدرسة إلى أخرى، وبحكم أن الولاية القانونية للرجل عليها أن تحصل على إذن منه حتى تقوم بذلك، وفي حالة غيابه، فلا يمكن للمرأة القيام بأي إجراء إداري يخص طفلها.

 

معاناة مزدوجة

وبينت نصيرة الخمليشي أنه هناك معاناة مزدوجة تعاني منها المرأة المغربية، مشيرة إلى أن الفعاليات النسائية والحقوقية في المغرب اعتبرت مدونة الأسرة ثورة وأنها أسست للمساواة بين الرجل والمرأة، لكن ذلك خلال قيام العلاقة الزوجية، لكن بمجرد انحلالها تصبح الولاية القانونية من حق الرجل بالرغم من منح الأم الحضانة، لهذا أرى أنها تظل حضانة ناقصة، وبالتالي لا يسمح للمرأة البت في أي أمر إداري يهم أطفالها قبل الرجوع للزوج.

وطالبت نصيرة الخمليشي بتعديل شامل لمدونة الأسرة، خاصة ما يتعلق بمسألة الولاية القانونية "لابد أن تكون الولاية مشتركة سواء أثناء استمرار الزواج أو بعد انحلاله"، ولفتت إلى أنه من غير المقبول أن نعطي للمرأة الحضانة ونقيدها بموافقة الأب وتوقيعه.

 

دور الإعلام

وعن دور الإعلام المغربي في الدفاع عن مسألة الحضانة للمرأة حتى بعد زواجها للمرة الثانية، قالت الإعلامية مريمة الطركا باعتبارها مقدمة برامج في الإذاعة وتتناول مواضيع الدفاع عن حقوق النساء "أحاول أن أسلط الضوء على القضايا التي تهم النساء المغربيات والدفاع عن حقوقهن المهضومة، خاصة بالنسبة للأمهات الحاضنات لاسيما وأن هذه الفئة من النساء تعاني بشكل مستمر في حالة كان الزوج مختفي وليس لديه عنوان ثابت، وكذلك في حالة التملص من المسؤولية المادية اتجاه الأبناء، حيث أن المشرع المغربي أعطى للرجل حق الولاية القانونية، وبالتالي فإن الأمهات عليهن الرجوع في كل كبيرة وصغيرة للرجل، وفي حالة كن لا يعرفن مكانه يظل أي شيء يتعلق بالأبناء مرهون بموافقته".

 

مقايضة الحاضنة

وأوضحت "إن امتياز الولاية القانونية لا تحظى به المرأة الحاضنة إلا بعد وفاة الطليق، لكن ما دام الرجل على قيد الحياة فإن أي شيء يخص الطفل لا بد أن تعود المرأة للطليق حتى يمنحها الترخيص من أجل البت في أي شأن يخص الابن كيفما كان".

وقالت "الرجل يدخل في مقايضة مع الطليقة الحاضنة، بحيث يحاول أن يتصيد أي خطأ قد تقع فيه من أجل إسقاط الحضانة عنها، وبالتالي بإمكانه رفع دعوى لانتزاع الأبناء، في حين هو يكفل له القانون الحضانة حتى لو تزوج للمرة الثانية".

 

الحرمان من الحضانة عنف معنوي

واعتبرت أن حرمان الأم الحاضنة من حضانة أبنائها بعد زواجها للمرة الثانية، وعدم المساواة بينها وبين الرجل في مسألة الولاية الشرعية، عنفاً معنوياً يمارس عليها وعلى أطفالها، بحيث يتم ذلك في وقت نمتلك فيه قانوناً خاصاً بمناهضة العنف ضد النساء.

واختتمت الإعلامية مريمة الطركا حديثها بالقول "الإعلام مطالب اليوم بالتوعية أكثر بمثل هذه القضايا، لتحقيق المساواة بين المرأة والرجل".