قانون الاتجار بالبشر بين التكاسل المحلي والزخم الدولي

الاتجار بالبشر واحدة من أبشع الأفعال التي ارتفع معدلها في الفترة الأخيرة وهو الأمر الذي جعل المجتمع الدولي ينتفض لمواجهتها لما يحتويه من ابتزاز واستغلال احتياجات الغير لدرجة تصل لاستئصال أجزاء من أجسادهم وبيعها.

أسماء فتحي

القاهرة ـ للإتجار بالبشر أشكال عديدة منها الاستغلال في أعمال الدعارة، والتمييز ضد المرأة بما في ذلك التشريعي منه، واختطاف الأطفال أو بيعهم أو الاتجار بهم لأي غرض وبأي شكل، فضلاً عن استرقاق أو استعباد العمال المهاجرين أو أي فرد من أسرهم بالعمل القسري أو السخرة.

واحدة من أشكال الاتجار هو العنف ضد المرأة ويشمل أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه أذى أو معاناة سواء من الناحية الجسدية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، ويتضمن الاغتصاب، والتعدي الجنسي، والمضايقة الجنسية والتخويف في مكان العمل وفي المؤسسات التعليمية وأي مكان آخر والاتجار بهن.

كما أن الاتجار بالبشر يشمل تبني الأطفال على الصعيد الدولي في حالة الحصول على موافقة الوالدين عبر دفع مبلغ أو تعويض، وإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة عبر التجنيد الإجباري في الجيوش أو الميليشيات المسلحة لمن لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر واستغلالهم للعمل في البغاء والمواد الإباحية.

وأخيراً يأتي استئصال الأعضاء أو الأنسجة من جسم شخص حي أو جثة، بطرق غير مشروعة، بغض النظر عن الغرض من استغلالها، سواء كان ذلك بهدف بيعها أو زرعها في جسم شخص آخر، وجميعها أمور تجعل تلك القضية الأهم للحفاظ على الإنسانية من البطش والسطوة والاستغلال المبني على الابتزاز والترهيب، وباتت مناهضته محل احتفاء عالمي واهتمام متزايد.

 

الاتجار بالبشر في مصر

صادقت مصر عام 2003 على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، واتخذت الكثير من الخطوات لمكافحة تلك الجريمة وحماية النساء والأطفال خاصةً منها.

وأنشأت اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الاتجار بالبشر عام 2007 بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1584 لعام 2007، وتم دمجها باللجنة الوطنية التنسيقية لمنع ومكافحة الهجرة غير الشرعية بموجب صدور القانون رقم 82 لعام 2016 الخاص بمكافحة الهجرة غير الشرعية.

وكلفت بمهمة التنسيق على المستويين الوطني والدولي بين السياسات والخطط والبرامج الموضوعة لمكافحة ومنع الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية في إطار الالتزامات الدولية الناشئة عن الاتفاقيات الدولية الثنائية أو متعددة الأطراف النافذة في مصر.

وتعددت القضايا التي تنظرها المحاكم المصرية بتهم تتعلق بالإتجار بالبشر وكان آخرها إحالة رجل الأعمال محمد الأمين في 23 أيار/مايو الماضي، للمحاكمة بتهمة استغلال أطفال في دار رعاية للأيتام يمتلكها في أغراض جنسية.

كما أنشأت دار إيواء لضحايا الاتجار بالبشر لرعايتهم وإعادة تأهيلهم عام 2010، لكن الحجم الكامل للأنشطة الإجرامية في هذا المجال يصعب إحصاؤه بدقة ليس في مصر فقط بل في أي مكان في العالم نظراً للطبيعة السرية لتلك الأنشطة الإجرامية.

 

الأسباب التي تحد من التوسع في تطبيق قانون الاتجار بالبشر

قالت المحامية زينب أبو طالب إن تطبيق قانون الاتجار بالبشر قاصر على الجرائم المرتبطة بتجارة الأعضاء وزراعتها في المراكز الطبية الغير متخصصة أو الغير مرخصة، وكذلك الوقائع الغير معتادة ومنها الجنس التجاري على سبيل المثال وبعض الأعمال المنافية للآداب.

وعن باقي بنود القانون ومدى تطبيقه لفتت زينب أبو طالب إلى أنها تفتقر للتوعية الكافية ببنوده وقرارات الإحالة للمحكمة بناءً على عملية الاتجار بالبشر تلك التي يتم فيها استئصال أو زراعة الأعضاء البشرية، وغير ذلك يتم توصيفه بقوانين ذات صلة منها الأحوال الشخصية والعقوبات.

وأكدت على أن القاضي ملتزم بقرار الإحالة الموجه له ومسألة التوصيف سابقة على تلك المرحلة، معتبرةً أن شدة العقوبة في قانون الاتجار بالبشر وراء عدم تنفيذه بشكل واسع، فوكلاء النيابة والقضاة يضعون الرأفة في اعتبارهم أثناء التعامل مع عدد من الجرائم خاصةً تلك المتماسة مع قوانين أخرى كالعمل والعقوبات وغير ذلك.

وتعرف اتفاقية باليرمو الاتجار بالبشر بأنه "تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها، أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال كحد أدنى استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسراً، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء".

 

عدم التبليغ عن الاتجار واحد من أسباب انتشاره

واعتبرت زينب أبو طالب، أن عدم التبليغ عن جرائم الاتجار واحدة من أكبر عوامل انتشارها خاصةً بين النساء لخوفهن من ردة فعل المجتمع ووصم أبنائهن مستقبلاً، بالإضافة إلى عدم الرغبة في تعريض الأهل للمسائلة والعقاب.

واستدلت زينب أبو طالب على حديثها بواحدة من القصص المؤلمة التي مرت عليها وتعرضت فيها الزوجة للإتجار من زوجها قائلةً "الزوج كان يضع لامرأة أعرفها منوم بالشاي ويحضر أصدقائه للاعتداء عليها ويحصل منهم على مقابل ذلك نقداً، وبعد فترة أدركت الزوجة ما يحدث وأكتفت بالطلاق"، معتبرةً أن تلك الواقعة ليست الوحيدة والكثير من النساء تخشين الفصح، ومن ثم يقررن عدم الإبلاغ عما تتعرضن له من اتجار واضح لا يقبل التشكيك.

ويعد استغلال البشر لبعضهم البعض أقدم جريمة على وجه الأرض بدأت منذ أن استقرت المجتمعات البشرية وتمايزت على أساس القوة والثروة والعرق، وشكلت العبودية أقسى أنواع هذا الاستغلال عبر جعل الإنسان سلعة تباع وتشتري مثل البضائع والحيوانات.

ورغم التطور الكبير الذي شهده القرن الماضي في إعلاء قيم حقوق الإنسان والمساواة بين البشر، لكن العالم ما يزال يستغل الضعفاء والفقراء في تجارة الأطفال، وتهريب المهاجرين، والعمل القسري، وتجارة الأعضاء البشرية، والاستغلال الجنسي، تمارسه عصابات عابرة للحدود تتحدى الأمن الفردي والجماعي للإنسانية.

 

الزخم الدولي والقوانين تؤثر بالتبعية على الداخل المحلي

وقالت زينب أبو طالب، أن مصر موقعة على أغلب الاتفاقيات الدولية المرتبطة بالإتجار، وسنت قانون رقم 64 لعام 2010 والمطبق منذ إصداره وإن لم يكن على نطاق واسع في الكثير من بنوده.

واعتبرت أن الأزمة تكمن بالأساس في التوعية بأنواع الاتجار وتبعاته والقانون المجرم له لأن الكثيرون لا يعلمون شيئاً عن بنوده وأيضاً تصنيفاته أكثر من بيع الأعضاء، وهو أمر يحتاج لقدر من العمل الدؤوب لمؤسسات المجتمع المدني على هذا الملف.

وأشارت إلى أن على النساء أن تدركن جيداً أن القانون لا يعتد برضاهن ولهن حماية خاصةً لذلك عليهن التبليغ عن أي واقعة استغلال حتى وإن أبدت موافقة على ذلك تحت ضغط الحاجة أو الابتزاز، مضيفةً أن الشهود لهم حماية أيضاً سواء على مستوى البيانات أو محتوى ما أدلوا به من معلومات.

وطالبت زينب أبو طالب، أن يتم توفير الحماية للمبلغين أيضاً عن وقوع الاتجار على غرار الشهود لأن ذلك يشجع أكثر على زيادة معدل التبليغ خاصةً إن ضمنوا عدم الكشف عن هويتهم.

وتتعدد الاتفاقيات الدولية المناهضة للإتجار بالبشر ومنها الاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة والبروتوكولات الملحقة، وصدرت في كانون الأول/ديسمبر من عام 2000 في باليرمو الإيطالية، واتفاقية حقوق الطفل، ودخلت حيز التنفيذ في الثاني من كانون الأول/ديسمبر عام 1990، والاتفاقية المتعلقة بالعمل القسري الصادرة عن منظمة العمل الدولية في الثاني والعشرين من حزيران/يونيو عام 1930.

وكذلك اتفاقية إلغاء العمل القسري والتي اعتمدتها منظمة العمل الدولية في الخامس والعشرين من حزيران/يونيو عام 1957، وكذلك اتفاقية حظر الاتجار بالأشخاص ودخلت حيز التنفيذ الدولي في 25 تموز/يوليو عام 1951، والاتفاقية التكميلية لإبطال الرق ودخلت حيز التنفيذ في 30 نيسان/أبريل عام 1957.

 

حجم جريمة الاتجار بالبشر عالمياً

وسُلط الضوء على جريمة الاتجار بالبشر في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي مع الانتشار الهائل لمواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت المشكلة حاضرة بشكل دائم في التقارير الدولية لحقوق الإنسان ومؤتمرات الأمم المتحدة، وأسفر ذلك بوضع التزام دولي للحد من تلك الجريمة التي بدا أنها تفشت كالوباء في العديد من دول العالم.

وأصبح واضحاً أن الجريمة حاضرة على مستوى العالم وعابرة للحدود، وتشكل تهديداً للأمن الإنساني وأمن الدول، وتحتاج لتعاون دولي للعمل على مواجهتها من خلال تبادل المساعدات والمعلومات والجهود المشتركة للبلدان، بعد أن أصبحت تحتل المرتبة الثالثة كأكبر تجارة غير مشروعة في العالم بعد المخدرات والسلاح، وتحقق مليارات الدولارات من استغلال الفئات الأضعف في المجتمع من النساء والأطفال.

وبرغم سرية الأنشطة الإجرامية للإتجار بالبشر فقد قدرت تقارير الأمم المتحدة أن 2.5 مليون شخص يقعون ضحية لشبكات إجرامية تعمل في الاتجار بالبشر، وأن تلك التجارة تحقق أرباحاً تصل إلى 32 مليار دولار من العمل بالسخرة، و28 مليون دولار من الاستغلال الجنسي.

بينما يقدر تقرير الخارجية الأمريكية لعام 2021، أن 40 مليون شخص يتعرضون لشكل أو آخر من أشكال الاتجار بالبشر، ويقدر التقرير أرباح تلك التجارة بأكثر من 150 مليار دولار سنوياً، وأن ثلث ضحايا تلك التجارة هم من الأطفال.