قانون الاسرة نبراس الأمل للمرأة التي وئدت في نفق النظام الأبوي عبر التاريخ

أكدت عضو مركز دارسات الجنولوجيا ميرفت حمد على أنه إذا ما تم المصادقة على قانون الأسرة فسيساهم في حل الكثير من المشاكل الاجتماعية الناجمة عن العادات والتقاليد البالية التي تنعكس سلباً على واقع المرأة ويهمش دورها.

سيلفا الإبراهيم

منبج ـ شرع النظام الأبوي منذ ظهور نظام الطبقات في المجتمع على استعباد المرأة وتهميشها، والذي أدى إلى ترسيخ الكثير من العادات والتقاليد البالية في المجتمع، التي تسلب إرادة المرأة وكينونتها وتجعلها عرضة للعنف والقتل والظلم بشرعية تامة دون وجود رادع.

فجاء قانون الأسرة في الإدارة الذاتية الديمقراطية بإقليم شمال وشرق سوريا، الذي أقر من قبل المجلس التشريعي في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2022، بناءً على أحكام العقد الاجتماعي؛ ليقضي على تلك العادات والتقاليد البالية التي تقلل من شأن المرأة وتجعلها مسلوبة الحرية والإرادة، ليلاقي تأييداً نسوياً خاصة من قبل اللواتي كن ضحايا المجتمع الذكوري.

تقول "ج. ق" البالغة من العمر 29 عاماً، أنها تزوجت وهي قاصر "قامت عائلتي بتزويجي وأنا في الخامسة عشرة من عمري، حينها كنت ادرس ولم أفقه أي شيء من الزواج، عندما كانوا يقومون بالتجهيز للحفل قمت بشراء كرة قدم لآخذها معي لمنزل زوجي، فقد كانت هذه اللعبة هوايتي المفضلة في طفولتي".

وكالكثيرات في عمرها، نتيجة عدم التوافق في مستوى الوعي انتهى الزواج بالطلاق "لم يكن بمقدوري تحمل مسؤولية الزواج في ذلك العمر، كنت اقضي وقتي في أغلب الأحيان باللعب مع أطفال الحي وكان يتم توبيخي لعدم تحملي مسؤولية المنزل أو عدم إنجازه بالشكل المطلوب، وهنا تشكلت لدي عقدة نفسية وأدركت أنه لا يمكن الاستمرار في هذه العلاقة"، مشيرةً إلى أنه للبيئة التي انتقلت إليها دور كبير "في الريف من الطبيعي أن تختلط الفتاة مع أولاد عمومتها وأقربائها في الحديث أو اللعب بينما المكان الذي انتقلت إليه فيمنع على المرأة أن تفتح الباب إذا ما طرق ولا الرد على الهاتف حتى ولو المتصل امرأة وكان هناك تقييد كبير ولم استطع التأقلم".

ولفتت إلى أنه "بعد ثلاثة أشهر من الزواج انفصلنا، ورغم محاولته ومحاولة عائلتي في استرجاع علاقتنا إلا أنني لم أقبل ذلك"، منوهةً إلى أنها فقدت بذلك الزواج الكثير من حقوقها كطفلة، وأن الزواج لن ينجح إلا إذا الطرفان واعيان وناضجان.

وهو الحال بالنسبة إلى "ع. م" البالغة من العمر 27 عاماً، التي تزوجت وانفصلت في ذات العام، تقول أنه تم تزويجها وهي قد بلغت تواً الثامنة عشرة من عمرها "بسبب العنف الذي كان يمارسه زوجي بحقي لم يدم زواجنا أكثر من شهر، وبعد مرور عدة سنوات تقدم لي أحد الأشخاص وقد كان متزوجاً، وبذريعة أنه ليس لديه أطفال كان يبحث عن فتاة للزواج بها".

وأضافت "جميع من حول شجعني على القبول بالزواج منه ولأنني كنت صغيرة لم أكن أدرك أن ذلك سينتهك حقوقي وحقوق غيري من النساء، فرغم مرور أربع سنوات على زواجنا لم ننجب أي أطفال، فقرر الزواج للمرة الثالثة لعله يزرق بطفل، ولم ينجح الأمر"، لافتةً إلى أنها آنذاك أدركت أن "مشكلة الإنجاب من الرجل وليس المرأة ولكن غروره لم يقبل الاعتراف بذلك، فبعد أن تزوج للمرة الثالثة طلبت الانفصال منه، مشيرةً إلى أن "قانون الأسرة سيلعب الدور في الحد من هذه الظواهر التي تفكك العلاقات المجتمعية".

أما "س. ش" فكانت شاهدة على حدث زواج البدل "إن رجلاً غنياً من أحد قرى منبج كان له دين كبير على أحد أصدقائه، ولأن الأخير كان يعاني من حالة مادية متردية، لم يستطع تسديد الديون المتراكمة عليه، فأقدم على تزويج ابنته بالإكراه لابن صاحب الدين، وهي لا تزال في الخامسة عشرة من عمرها، علماً أنه كان متزوجاً مسبقاً".

وأكدت عضو مركز دارسات الجنولوجيا في مدينة منبج بإقليم شمال وشرق وسوريا ميرفت حمد على أن قانون الأسرة له دور كبير في بناء جيل مؤمن بحرية المرأة، معرفةً العادات والتقاليد على أنها "مجموعة مفاهيم وسلوكيات وممارسات تراكمت عبر الزمن"، مشيرةً إلى أن العديد من تلك العادات والتقاليد بالية تنتهك حقوق المرأة.

وأضافت "يشرعن المجتمع جرائمه بحق المرأة تحت مسميات عديدة كـ (جريمة الشرف)، وحيار الفتاة وهي إجبار الفتاة على الزواج من ابن عمها أو من أحد آخر بالإكراه من قبل عائلتها دون الأخذ برأيها، بالإضافة إلى تعدد الزوجات، وزواج البدل، وزواج القاصرات، وزواج الدية أو التعويض وهي تزويج الفتاة لعشيرة متنازعة معها دون الأخذ برأيها لحل مشكلة ثأر بين عشيرة الفتاة وعشيرة أخرى أو تزويج الفتاة عوضاً عن تسديد الدين وتنتشر هذه العادات بكثرة في الأرياف"، مشيرةً إلى أن "الزواج عقد برضى الطرفين، إلا أن العادات البالية التي ذكرتها آنفاَ تخالف ذلك".

وتطرقت إلى انعكاس هذه العادات على شخصية المرأة وواقعها "أي شخص إذا ما سلبت منه إرادته يصبح فاقداً لمعناه ويسهل إخضاعه، ونتيجة مرور المرأة  بالكثير من الانكسارات عبر التاريخ واستعبادها وتراكم مثل هذه العادات والتقاليد وصل بها المجتمع إلى حالة مزرية وذليلة ومغتربة عن ذاتها، فقد أوهموها أنها خلقت من أجل الرجل وخدمته، وهنا تحرم المرأة من التعليم والعمل وتحجب في المنزل"، لافتةً إلى أن "المرأة ومنذ الأزل لها دور بارز في المجتمع من حيث إدارته وتوجيهه، لأن المجتمع آنذاك كان قائماً على العدالة على جميع الأصعدة وكانت للمرأة مكانتها الحقيقية فيه".

وعن مدى إدراك المرأة بما يمارس بحقها ومدى معرفتها بتاريخها تقول "إن الإدراك متفاوت لدى النساء من بيئة إلى أخرى، فالمرأة ترى من المعيب المطالبة بميراثها رغم أنه حق من حقوقها وتتجنب معاداة الأخ لها، كما أن الكثير من الرجال يربطون تعدد الزوجات بجنس المولود أي كمبرر لهم، ورغم أن بيولوجية الرجل هو من يحدد جنس الجنين إلا أن الكثير من النساء تجهلن هذه الحقيقة ما يجعلهن تخضعن لسلطة وقرارات الرجل"، مشيرةً إلى أن الباب السادس من قانون الأسرة المتبع في إقليم شمال وشرق سوريا، والذي جاء تحت عنوان "الجرائم التي تمس الأسرة"، يجرم ما تم ذكره سابقاً.

ونوهت إلى أنه يتم النقاش حالياً في شمال وشرق سوريا حول كيفية تطبيق كافة بنود قانون الأسرة لحفظ حق المرأة وحمايتها في المجتمع "يجب تغيير ذهنية المرأة لأنها موكلة في بناء الأجيال، فبعد تعريفها بحقوقها يمكن تطبيق قانون الأسرة الذي من شأنه تحقيق العدالة الاجتماعية، لإنشاء جيل مؤمن بحرية المرأة وبهذا الشكل سيتغير المجتمع تدريجياً".

وحول الأساليب التي من الممكن اتباعها للرفع من مستوى الوعي لدى المرأة توضح "التوعية من أهم الأساليب لتغيير العقلية الجنسية المتعصبة، كي لا يعتبر قتل النساء أمر شرعي، وذلك عبر دورات وحملات واجتماعات توعوية، والدفع بالنساء لتقديم الشكاوى، وذلك بعد تحقيق العدالة الاجتماعية، وإنشاء مؤسسات حماية للنساء المعرضات للعنف، ويقع العاتق الأكبر على الإعلام للإضاءة على القضايا الاجتماعية".

وأشارت إلى أن قانون الأسرة يمنع زواج القاصرات، وتنص المادة 31 منه على أنه يعاقب الولي "الأب ـ الأم"، الذي زوج ابنه أو ابنته، قبل الثامنة عشرة عاماً يحكم بالسجن من عام إلى ثلاثة أعوام وبالغرامة خمسمئة ألف ليرة سوريا، وتنزل ذات العقوبة على الزوج/ـة البالغ/ـة من العمر الذي كان يـ/تعلم بحالة القصر قبل الزواج.

وفيما يتعلق بزواج الدية أو التعويض فإنه يعاقب الأب أو الأم اللذان يقبلان بذلك وكذلك الزوج وفقاً للمادة 32 من القانون، يحكم بالسجن من ثلاثة أشهر إلى سنة واحدة بالإضافة إلى غرامة مالية تصل حتى خمسمئة ألف ليرة سورية ولا يلاحق الجرم إلا بناء على شكوى خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ الزواج الفعلي، فيما تنص المادة 29 على أن كل متزوج أقدم على الزواج بأخرى حال قيام الزوجية يفرق بينهما فوراً، ويسأل الشريكان عن جرم تعدد الزوجات ويعاقبان بالحبس من سنة إلى سنتين والغرامة حتى خمسمئة الف ليرة سورية، يعاقب بذات العقوبة منظم العقد والشهود حال علمهم بأنه الزواج الثاني للرجل، وعند حصول الحمل، تحفظ حقوق الطفل في النسب والنفقة وغيرها من الحقوق ويفرق بين الطرفين في الحال.

وجاء إصدار قانون الأسرة في إقليم شمال وشرق سوريا، للحاجة الملحة إلى قانون ينصف المرأة ويحفظ حقوقها في المجتمع ولتحقيق مبدأ الحياة التشاركية وترسيخ مفهوم العائلة الديمقراطية الذي يعتبر الحل لأغلب المشاكل الاجتماعية وللحد من التفكيك الأسري، ولا يزال القانون قيد النقاش حيث لم يتم المصادقة عليه بعد من قبل مجلس الشعوب الديمقراطي لإقليم شمال وشرق سوريا.