قانون الأحوال الشخصية 2019... تعديل منقوص أم خطوة على طريق المساواة؟
أكدت المحامية إنصاف العيسمي أن التعديلات الدستورية الأخيرة لم تنصف المرأة بشكل كامل وأن التعديلات المثلى تتمثل في إقرار قانون شامل للأحوال المدنية والشخصية.
أماني المانع
دمشق ـ
منذ عام ١٩٥٣ قاوم قانون الأحوال الشخصية جميع التغيرات التي طرأت على المجتمع السوري ولم يتعرض إلا لتعديلات طفيفة غيرت ملامح بعض بنوده.
في لقاءٍ مع المحامية إنصاف العيسمي حول التعديلات قالت "أن قرار التعديل أخذ بشكل سريع ودون مناقشة خبراء حقوقيين أو كفاءات اجتماعية فقانون الأحوال الشخصية من القوانين الأكثر حساسية كونه ينظم أموراً تتعلق بالحياة العامة والشؤون الشخصية للأفراد... التعديل صدر بشكل سريع دون مناقشة وافية فخلال جلسة واحدة تمت المناقشة وصدر القانون مع عدم الأخذ بالتشاركية في المناقشة وعدم اطلاع الخبراء والكفاءات المجتمعية عليه، فأثارت السرعة بالإصدار انتقادات واسعة محقة وذلك لأن الواقع المجتمعي طرأت عليه ظروف تستحق النظر بجميع القوانين المدرجة".
وفي العاشر من شباط/فبراير 2019 صدرت بعض التعديلات على قانون الأحوال الشخصية وفقاً للمرسوم رقم 4 لتفتح النقاش مجدداً بين مؤيد يرى بأن المرأة تابعة للرجل ومعارض يطالب بقوانين غير تمييزية تنهض بحقوق المرأة، ووجوب تطبيقها على أرض الواقع.
وعن تقبل المجتمع السوري لتغييرات أكثر جرأة في قانون الاحوال الشخصية أكدت المحامية أنه "من الممكن أن يتقبل تغييرات معينة ولا يتقبل أخرى لتمسك الناس بالعادات والتقاليد، وعلى ذلك توافقت التعديلات مع نظرة المجتمع بعضاً منها حد من تحصيل المرأة لحقوقها لكن تغيير القوانين لصالح المرأة سيمنحها الحق في اتخاذ القرارات المصيرية بكل حرية".
وعن التحديات التي تواجه المرأة والمجتمع السوري قالت إن أبرزها "الزواج المبكر الناتج عن الموروث الاجتماعي، وسوء الأوضاع الاقتصادية جراء الحرب، وكذلك الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي وانعدام الوعي الثقافي لدى الجيل الجديد في مسألة الزواج وآثاره ومسؤولياته".
ولم تعدل القوانين التي تمنح الولاية لذكور العائلة كشرط لقبول زواج الفتاة "المرأة لا تستطيع تزويج نفسها، إلا في حالات خاصة عندما ترفع القضية للمحكمة ويعطى الولي مدة 15 يوماً للقبول، كما لا يحق لها أن تكون ولياً على زواج ابنتها إلا في حالات محددة وهي عند غياب الأب". وعن ذلك فإن "من الضروري تأطير قانون الأحوال الشخصية بما يتلاءم مع الواقع، حيث غابت التعديلات عن أكثر القوانين رغم أهميتها".
أما عن الجوانب التي عالجتها التعديلات فتقول إنصاف العيسمي "يمكن اعتبار أن هذه التعديلات أعطت المرأة بعض حقوقها وأزالت بعض الصعوبات التي كانت تواجهها منها: تغيير اسم وثيقة الزواج من عقد نكاح إلى عقد زواج، واشتراط الموافقة الصريحة للفتاة على الزواج منعاً لإكراهها، منح الحضانة للأم بعد زوجها حتى بلوغ الابناء ذكوراً وإناثاً 15 عاماً".
ومع أن التعديلات منحت المرأة حق التعويض في حالة الطلاق التعسفي سواء كانت ميسورة أو معسرة إلا أن المحامية إنصاف العيسمي نبهت إلى أن على القانون منحها التعويض دون طلب منها وقد كان على المرأة إثبات أنها معسرة لكي تمنح التعويض.
وأكدت أن "التعديلات المثلى تتمثل في إقرار قانون شامل للأحوال المدنية والشخصية بشكل فعلي، فمثلا إلغاء الطلاق بإرادة منفردة وتوفير سبل تساعد المرأة المطلقة على حضانة أطفالها مثل بيت الحاضنة ونفقة كافية تناسب الواقع المعيشي، وفرض عقوبات على زواج القاصرات خارج إطار المحكمة".
وتحوي التعديلات على العديد من الثغرات فمع أنها تمنع زواج القُصر إلا أنها تعطي القاضي الحق بتزويج من بلغ 15 عاماً كما أنها تعترف بعقود الزواج خارج المحكمة وتكتفي بعقوبة غير رادعة.
وأضافت أن "مطالب منظمات المجتمع المدني والناشطين في هذا المجال مستمرة فهم يسعون لإقرار قوانين شاملة تحد من العنف الأسري وتعطي السوريين والسوريات الحق بالزواج المدني عند الرغبة بذلك، ومنح المرأة حق إعطاء جنسيتها".
أما عن تحقيق المساواة القانونية الكاملة بين الجنسين قالت "إننا نأمل بصياغة قانون جديد للأحوال المدنية في سوريا يساوي تماماً بين المرأة والرجل دون أن تدفع المرأة ثمن الطاعة له مادياً أو معنوياً أو تقع تحت وطأة صعوبة الحياة والمجتمع، فما الفائدة من تعديل سن الحضانة وفي كثير من الأحيان لا تجد المرأة مكاناً لها ولأطفالها بعد الطلاق فتضطر للتخلي عنهم؟ وما الفائدة من تعديل سن الزواج مع إمكانية الاستمرار في عقده خارج إطار المحكمة دون فرض عقوبات عند حدوث ذلك؟".
أما فيما يخص شروط الزواج التي يحق لأحد الطرفين فرضها على الآخر قالت "إن عدم وجود ما يلزم بتنفيذ الشروط مع وضع نص يبيح فسخ العقد عند الإخلال بالشروط الصحيحة، يمكن للمرأة نظرياً اشتراط أمور قانونية معينة لكن يمكن أيضاً للزوج الإخلال بها ولا يبق للزوجة فيها سوى طلب فسخ العقد وهو ليس حلاً للمعضلة على الإطلاق".
واختتمت المحامية إنصاف العيسمي حديثها بالقول إن "من حق المرأة أن تكون بحكم القانون مواطناً كامل الأهلية ما دامت عليها حقوق ومسؤوليات المواطن السوري إن كان ذكراً أو أنثى وما دامت أثبتت بأنها قادرة على بناء أسرة، وبانها مكافحة، وبطلة في بيتها وفي الميدان، ومناضلة، ومساندة للرجل، ولديها القدرة على مواجهة مصاعب الحياة والتربية والعمل، وحماية الأسرة من التشرد والضياع في حال غياب رب الأسرة، كما أنها أثبتت جدارتها في المناصب القيادية والإدارية، فلها الحق المطلق قانوناً لتكون مواطناً كامل الأهلية في كافة المجالات الاجتماعية والقانونية والمدنية".
ولم تكن التعديلات التي أجريت على قانون الأحوال الشخصية مُرضية لمعظم فئات المجتمع وخاصة النساء وكذلك الحقوقيين والقانونيين الداعين لإجراء تعديلات جذرية على القانون الحالي.