نسويات: تونس بلد غير آمن للنساء ولا بد من التحرك لوقف آلة القتل
حذرت دراسات رسمية من تصاعد وتيرة العنف في تونس إلى درجة الحرق والذبح والقتل بطرق بشعة، في تحدٍّ واضح لقانون مكافحة العنف رقم 58 الصادر عام 2017
زهور المشرقي
تونس ـ .
أوضحت دراسات رسمية أن نسب العنف ضد النساء ترتفع بشكل ملحوظ يومياً، وبرغم حملات التوعية التي نظمتها وزارة المرأة ومختلف الجمعيات النسوية ووسائل الإعلام، إلا النسب ظلت مرعبة، وقد تصدر العنف الزوجي المرتبة الأولى بين أنواع العنف في تونس بنسبة 75% يليها العنف الافتراضي، وأرجع مختصون ارتفاع تلك النسب إلى تغليب العادات المتخلفة على الحرية الشخصية للمرأة، إضافةً إلى الاضطرابات النفسية التي يعاني منها المعتدي في بعض الأحيان.
فمؤخراً شهدت البلاد قتل امرأة تبلغ من العمر ثمانية وعشرين عاماً على يد زوجها في محافظة نابل شمال شرقي تونس حرقاً أمام ابنها الرضيع، وقد كانت تملك إجازة في اللغة الإنجليزية إلا أن الظروف الاقتصادية حالت دون حصولها على وظيفة فاضطرت للعمل في جني الزيتون.
وفي النصف الثاني من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بترت يد امرأة في محافظة بن عروس بتونس الكبرى، لتعرضها لعنف أسري، ومنذ شهر قتل رجل زوجته باستخدام الساطور في محافظة الكاف بالشمال الغربي، فقط لأنها لم تحضر طعام الغداء، فيما اقتلعت أذن أخرى في نابل، وأخرى تعرضت لعنف مبرح والضرب على الرأس من قبل زوجها حتى فارقت الحياة.
كل تلك الجرائم المعلن عنها ليست سوى جزء مما تتعرض له آلاف النساء اللواتي يقعن ضحايا قتل أو تشويه دائم بسبب العنف الذي يتعرضن له في ظل صمت السلطات.
أوضحت الناشطة النسوية أميرة بوعوينة لوكالتنا، أن جرائم تشويه أجساد النّساء وحتّى القتل من قبل أزواجهن تفاقمت في السّنوات الأخيرة، "انتقلت المرأة في تونس من مرحلة العنف إلى الجريمة، وأصبحت في وضع غير آمن في بيتها ومع زوجها الذّي يفترض أن يكون شريكها ومصدر أمان للعائلة".
وأشارت أنه إلى جانب ممارسة العنف اللفظي والمادي ضد النساء أمام أطفالهن، تعدى الأمر إلى ارتكاب جرائم قتل والتنكيل بالضحايا في الفضاء العائلي.
وحول تصاعد جرائم العنف تقول "عشنا في تونس فظاعة فقئ رجل لعيني زوجته أمام ابنتهما، كما قتلت رفقة الشارني من قبل زوجها أمام أعين ابنها البالغ من العمر سنتين فقط، وصولاً إلى حرق امرأة لمجرد إصرارها للحصول على رخصة قيادة حسب ما أدلت به محاميّة عبر حسابها الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم وجود قانون مناهضة العنف ضدّ المرأة".
وأضافت "لم يكن هذا القانون رادعاً للعنف في تونس بل لاحظنا ارتفاع نسبته وخاصةً العنف الزّوجي في الفضاء الخاص، وارتفعت النّسب حسب مصادر رّسميّة بعد انتشار جائحة كورونا في آذار/مارس 2020 وفرض الحجر الصحي الشامل في تونس، هذا الواقع يجعلنا نتساءل عن حقيقة هذا الانفلات في ممارسة العنف والجرائم البشعة ضد المرأة، وعن غياب الرادع"، متسائلةً "هل ضغط الحياة وفقدان البعض لمورد الرزق والمشاكل الاجتماعية والنّفسية لم تعد تصمد أمام القوانين ليجد الكل نفسه في دوامة إفراغ شحنات العنف المكبوت؟".
وتعتبر أن القانون رقم 58 شامل ومتكامل وقد أوضح كل أنواع العنف، إلا أن الخلل يكمن في تطبيقه والتعريف به، "لا تعرف المرأة المعنّفة إلى أين تتجه وحتّى لو اتّجهت إلى مركز الشّرطة لن تجد المرافقة النّفسيّة في وضعها الهشّ، فتضطر بعض النساء البقاء في المنزل مع الجاني خوفاً من سوء المعاملة في المركز"، منوهةً إلى أن "الحالات التي تشهدها تونس اليوم هي نتيجة الإفلات من العقاب فيتمادى الجاني ليتحوّل العنف إلى جريمة".
وترى المختصة في القانون رباب حدّادة، أن آلة قتل النساء شهدت تنامياً وأخذت أشكالاً مريبة تصل حد الإجرام، في ظل عدم امتثال الجناة لقانون وعجز الدولة عن تطبيقه وتنفيذ أقصى العقوبات لردع مرتكبي أعمال العنف واستئصال هذه الظّاهرة التي باتت تهدّد أمن واستقرار المرأة وبالتالي المجتمع.
وأفادت رباب حدّادة بأن القانون لم ينجح في الحدّ من نسب العنف بل ولّد نقمة زادت من ارتفاع النسب بطريقة جنونية، مرجعةً ذلك إلى جهل بعض النساء بهذا القانون وعدم توفر حملات توعوية تفسّر لهن مختلف بنوده ومنافعه، معبرةً عن أسفها لكون تونس أصبحت بلداً غير آمن للنساء، داعيةً السلطات إلى تطبيق القانون وتوفير آليات الرد الحقيقية، موصيةً بالسعي إلى كسر حاجز الخوف والرعب من الجاني قبل وقوع الكارثة.
وأشارت إلى أنه من المؤسف حقاً أن يصل العنف إلى درجة جريمة القتل، وعبرت عن استغرابها من صمت وزارة المرأة والجمعيات النسوية على هذه الجرائم في بلد يفترض أنه كان رائداً في حقوق المرأة، محذّرةً من تنامي السيطرة الذكورية والتسلط، مؤكدة على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي للعنف بكل أشكاله وكذلك القتل.
ولم تعد مراكز الإصغاء كافية على حد قول رباب حدادة، لاعتبارها أولاً غير موجودة في كامل المحافظات والجهات والمناطق الريفية، ولاعتبار أن بعض النساء غير واعيات بأهمية زيارة مثل هذه المراكز التي تنحصر مهمتها في التوجيه والإصغاء.
ودعت إلى توفير أماكن لإيواء المعنفات بشكل عاجل حتى لا يعدن للعيش مع المعنِّف، ما قد يمثل خطراً حقيقياً على حياتهن، مشيرةً إلى أن إغلاق "فضاء الأمان" بيت كل امرأة بحاجة إلى دعم وإيواء، كان أكبر خطأ ارتكبته وزارة المرأة.
وشددت على أنه في ظل ارتفاع نسب العنف وقتل النساء لا بد من توفير أماكن لإيواء المعنَّفات كحل أوّلي قبل البدء في إجراءات معاقبة المعنِّف، "في ظل ظاهرة الإفلات من العقاب، لا بدّ من تحرّك جماعي من قبل الجمعيات والمنظمات والأحزاب التي طالما تاجرت بقضايا النساء واستغلتها في حملاتها الانتخابية كديكور للحصول على الأصوات".
وأوضحت أن "النساء اللواتي يعشن العنف يومياً في الأرياف والمناطق النائية التي تسود فيها العادات والتقاليد البالية، يعجزن عن تقديم شكوى أو حتى الاحتجاج في مواجهة التسلط الذكوري وكذلك حرصاً على تجنب الفضيحة الأسرية".
بدورها ترى الناشطة النسوية أماني حمحوم، أن المرأة التونسية تعيش في بلد غير آمن، لتعرضها لأشد أنواع العنف اللفظي والجسدي حتى في عملها حين تطالب بحقها وهو أبسط حق يضمنه الدستور، وأوضحت "غياب الوعي المجتمعي يعوّد المرأة منذ صغرها على الأفكار الدوغمائية التي تروج لكونها كائناً ضعيفاً لا حقوق له ولا حرية ووجب أن تعيش في جلباب زوجها أو والدها".
ولفتت إلى أن نسب العنف التي باتت مسلسلاً درامياً يشاهَد يومياً هي نتيجة حتمية لغياب الحرص على تطبيق قانون مجابهة العنف من قبل المشرع، مشيرةً إلى أنه حان وقت لإطلاق ثورة حقيقية ضد العقلية التي ترى في المرأة كائناً دونياً، "لم يحدث في أي بلد أن يتم سن قانون لمكافحة العنف في حين ترتفع في المقابل النسب سبع مرات، وتصبح جريمة القتل أمراً عادياً لا يقلق الساسة والسلطة!".