نصرة لوالدتها التي تعرضت للعنف... شابة تتبنى قضايا النساء المعنفات
عادة ما تؤثر ظاهرة العنف الأسري سلباً على الأطفال الذين يعايشون تعرّض أحد والديهم للعنف، إلّا أن هذه القاعدة، لم تنطبق على لواحظ سمعلي التي جعلت من حادثة تعرض والدتها للعنف قبل وفاتها نقطة قوّة ودافعاً لدعم النساء المعنّفات ومساندتهنّ.
إخلاص حمروني
تونس ـ منذ صغرها كانت الناشطة في مجال حقوق المرأة لواحظ سمعلي شاهدة على تعنيف والداها لوالدتها وتنقتل هذه الأخيرة بين المراكز الأمنية لتشتكي تعرّضها للعنف، عايشت بطء الإجراءات وغياب مقرّات إيواء ضحايا العنف من النساء، وساعات الانتظار الطويلة التي تدفع بالضحايا على غرار والدتها للملل أحياناً والتسليم في حقهنّ.
لواحظ سمعلي (28) عاماً، تقول عن تجربتها الشخصية "نشأت في عائلة مليئة بالمشاكل، فوالدتي كانت تتعرض لكافة أشكال العنف من قبل والدي، وقد وصلت إلى حد الإصابة بمرض مزمن في الكبد والإقامة في المستشفيات وتوفيت في أخر المطاف بعد رحلة طويلة من العناء والعذاب".
وبسبب هذه القصة التي عاشتها، بدأت مشوارها في مجال الدفاع عن حقوق النساء المعنفات وتعهدت بتقديم المساعدة لكل امرأة تتعرض للعنف، من خلال نشاطها في المجتمع المدني لتصبح عنصراً فاعلاً في محافظة القصرين وفي المحافظات المجاورة لها.
وأضافت "كنت أرافق والداتي وأنا طفلة صغيرة إلى مركز الشرطة ومندوب الطفولة والمحاكم وكان يكتب على أوراقنا عدد يتراوح بين 10000 إلى 32000، سألت والداتي على معنى هذا الرقم وأجابتني أنه رقم قضيتنا. حفظت هذه الكلام ورسخ في مخيلتي إلى أن كبرت وأدركت هول الظاهرة وفهمت معنى أن يوجد في أروقة المحاكم أكثر من 32000 ملف أو قضية وعندها قررت الانخراط في العمل الجمعياتي"، موضحة أنها توجهت في إحدى المرّات مع والداتها إلى المركز لتشتكي من تعرضها للعنف وكانت القضية تحت رقم التسجيل 9000 "انتظرنا طويلاً وعندما لم يهتم بنا أحد اضطررنا للعودة إلى البيت الذي تعنفت فيه والدتي".
وأكدت أن قصة والدتها مثلت لها تحدٍّ كبيراً ونقطة البداية، فأسست في عام 2017 جمعية "إنصات" للنساء ضحايا العنف في خطوة أولى نحو محاولة التغيير والعمل على الحد من هذه الظاهرة، ونظمت العديد من الأنشطة الموجهة للنساء وقدّمت التوجيه والإرشاد والخدمات المجانية لكل النساء اللواتي استنجدن بها ممن تعرضن للعنف موفرة لهن الحد الأدنى من الإحاطة والحماية لهن ولأطفالهن، من أي انعكاسات نفسية ومعنوية، الأمر الذي لم تحظ به هي ووالدتها منذ سنوات.
وأضافت "عندما كنت أتجول مع والداتي بين أروقة المحاكم ومراكز الشرطة أدركت أنه يوجد آلاف النساء اللواتي تتعرضن للعنف وعندهن قضايا في المحاكم وتنتظرن صدور أحكام لصالحهن وبعضهن تعشن ظروف صعبة تصل إلى فقدان المأوى، وهذا ما شجعني على فتح مركز الإيواء الذي حمل اسم والداتي (علمة للأمان)".
بدأ المركز نشاطه الفعلي في الـ 3 كانون الثاني/يناير 2023 بدعم من المندوبية للأسرة والطفولة وكبار السن بالقصرين ويقدم جميع الخدمات من استقبال واستماع وتوجيه وتقديم الرعاية الصحية والتعهد القانوني. وقد انتفع بهذه الخدمات عدد كبير من نساء محافظة القصرين وأخريات من ولايات مجاورة وأيضاً نساء أفارقة من جنوب الصحراء اللواتي تم استقبالهن في مركز الإيواء وتمتعن بكل الخدمات دون تمييز، وكل واحدة حسب وضعيتها بحكم أن شكل العنف هو العنصر الذي يحدد نوع التدخل لأن عملية التدخل والإحاطة لا تتم بنفس الطريقة بين امرأة تعرضت للاغتصاب وأخرى تعرضت للعنف المادي.
وأوضحت أن "أغلب النساء الأفارقة في جنوب الصحراء تعرضن للعنف الجنسي والسرقة والضرب والعنف المادي وهن في طريقهن العام وعلى المعابر الحدودية وعادة تكون هذه النسوة مصحوبات بأطفالهن، وفي هذا الإطار استقبلنا 5 أطفال أفارقة لا تتجاوز أعمارهم 6 سنوات وتعاملنا بخصوص هذه الوضعيات مع الجهات الأمنية المختصة"، مشيرة إلى أنها تسعى إلى العمل على تطبيق القانون الأساسي عدد 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة والذي يمكّن من العمل التشاركي بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني للتصدي لظاهرة العنف ضد النساء.
ويهدف القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلّق بالقضاء على العنف ضد المرأة إلى "وضع التدابير الكفيلة للقضاء على العنف ضد المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية، وذلك باتباع مقاربة شاملة تقوم على التصدي لمختلف أشكاله بالوقاية وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا والتعهد بهم".
وعن هدفها وطموحها في المستقبل، أكدت أنه لا يقتصر فقط على تطوير مركز الإيواء بل له علاقة بموضوع العنف كظاهرة اجتماعية ويتمثل بالأساس في مواصلة الطريق والدفاع عن حقوق النساء ضحايا العنف من أجل الوصول إلى رقم "صفر امرأة معنفة" رغم أنه هدف صعب التحقيق بحكم ارتباط هذه الظاهرة بالموروث الثقافي والاجتماعي وبالعقلية الذكورية المتسلطة والنظام التربوي وأيضاً بالبنية التحتية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ولتحقيق هذا الهدف، تطالب لواحظ سمعلي بتوفير كل الموارد البشرية واللوجستية والمادية للمؤسسات المتعهدة بالنساء ضحايا العنف سواء كانت مراكز الإنصات أو الإيواء وغيرها من مؤسسات الحكومة أو المجتمع المدني لتكون قادرة على تقديم مجموعة من الخدمات المتطورة للنساء مهما كان نوع العنف المسلط عليها.
وفي ختام حديثها وجهت رسالة قالت فيها "رسالتي لكل امرأة أو فتاة تتعرض إلى العنف "ما تسكتش" لأنه إذا التزمنا الصمت سنساهم في تفاقم هذه الظاهرة، "تكلمي" أنت لست وحيدة، فهناك العديد من المؤسسات التي ستساعدك وتدافع عن حقوقك وسنعمل معاً لوضع حد للعنف مهما كان النوع ومهما كان المعتدي".