نساء تكسرن حاجز الصمت وتروين معاناتهن مع العنف

هناك نساء تسلحن بالقوة واخترن الدفاع عن حقوقهن ولجأن إلى مراكز لها صلة بقضايا العنف من أجل توفير الأمن والحماية على غرار "مركز أروى القيراونية لإيواء النساء المعنفات والأطفال".

إخلاص حمروني

تونس ـ في الوقت الذي تحاول فيه معنفات تونسيات، كبت معاناتهن والعيش مع العنف وكأنه قدرهن المحتوم، تجنباً لغضب العائلة، تصر أخريات على اللجوء إلى جهات مختصة وعلى دراية بالقوانين المناهضة لعنف النساء من أجل الدفاع عنهن ورد الاعتبار.

افتتح "مركز أروى القيراونية لإيواء النساء المعنفات والأطفال"، من أجل الاستماع وإيواء وتدريب ومرافقة المعنفة في القيروان، في هذا المركز تتقاسم النساء المعاناة ذاتها وتشعرن بنفس الألم، وإن اختلفت التفاصيل، فهن نساء وشابات ذقن مرارة العنف بأشكاله المختلفة، وبُحنَّ بمعاناتهن التي هي غيض من فيض، وكل أملهن أن ينكسر جدار الصمت والخوف وأن يتوقف العنف الممارس بحقهن.

عنف إلى حد الكسر

سردت (ي. ب) مصحوبة بطفليها قصتها مع زوجها بمرارة وقالت "هو ابن خالي لكنه لم يحترم هذه القرابة، في السنوات الأولى من زواجنا عشنا دون مشاكل لكن مع مرور الوقت أصبح أكثر حدة وبدأت بتعنيفي وضربي، كنت أظن أن طباعه تغيرت بسبب عدم تمكني من الإنجاب، لكن بعد 14 سنة رزقت بالأطفال ومع ذلك استمر بضربي واستغلالي وصرف أموالي، كنت أعمل يومياً لمساعدته في تحمل مسؤولية البيت والصغار ولكنه لم يكن يمد لي يد العون رغم أنه كان يعمل، وتمكنت لاحقاً من بناء منزل صغير وتربية أطفالي وكان هو في المقابل يجازيني بالضرب العنيف بدون سبب".

وتوضح أن "العنف المسلط علي ازدادت وتيرته بعد خصام عائلي بسبب مطالبتي لوالداتي بنصيبي من الميراث. وأصبح أكثر عدائية معي ووصل به الأمر إلى تعنيف أطفالي، ذات مرة وجدني نائمة على السرير انهال علي ضرباً دون سبب وكسر كتفي".

وأضافت "تحملت العنف طيلة هذه السنوات لكن الآن قررت مواجهته وحماية نفسي وأولادي، لجأنا إلى مركز أروى القيروانية بحثاً عن الأمان لأن المنزل أصبح جحيماً، وقد وجدت هنا كل المساندة وساعدوني في تقديم قضية طلاق وطلب النفقة وأيضاً قدموا لأبنائي المساندة النفسية والآن تتابعهم أخصائية نفسية".

وقالت بنبرة حزينة "لم يكن علي أن أتحمل كل هذا العنف، كان يجب أن أضع له حداً منذ البداية، وأدركت الآن أن القانون يحمي كل امرأة معنفة وسأحارب زوجي بهذه القوانين".

عنف جنسي

لعل أبرز الحالات الصادمة التي اعترضتنا في مركز "أروى القيروانية"، كانت لـ (ت. ن) وهي شابة ذات 18 عاماً التي رفضت الإفصاح عن كامل اسمها خوفاً على حياتها، وهي طالبة بكالوريا بأحد المعاهد الثانوية، مقيمة بأحد المبيتات الثانوية لأن المنطقة التي تسكن فيها بأحد أرياف ولاية القيروان لا يوجد فيها معهد ثانوي، وفي إحدى المرات، تعرضت للتحرش الجنسي، وبحكم الخوف وتحت التهديد مراراً وتكراراً، تعرضت للاغتصاب من قبل شاب وصديقه بسيارة في إحدى الغابات.

ليس هذا فقط، فهذه الشابة الآن حامل في شهرها الخامس ولا تعرف من هو الأب البيولوجي لهذا الجنين، وخوفاً من تهديدات العائلة، لجأت إلى مركز الإيواء الذي تبنى قضيتها ووفر لها السكن والأكل والمبيت وأيضاً المتابعة الصحية والنفسية بعدما تعهدت القوات الأمنية بمتابعة القضية.

وحول ذلك تقول "أخطأت عندما وثقت بهذا الشاب، وأخطأت عندما خنت ثقة عائلتي وأنا الآن أدفع ثمن هذا الخطأ"، وتوضح "من الجيد أنني وجدت من يحميني من غضب عائلتي وتهديدات هذا الشاب، أنا هنا بأمان الآن وتكفلت إدارة هذا المركز بمتابعة قضيتي عدلياً وستمثلني مديرة المركز في المحكمة حتى تدافع عن حقوقي".  

اعتداء بالسكين في مكان عام

ومن المشتكيات المعرضات للعنف أيضاً الأربعينية (ك. ق) وهي مطلقة وأم لأربعة أطفال، لجأت إلى المركز من ضواحي مدينة القيروان، وهي ربة منزل، تعيش حياة الفقر والعوز، أوضحت أنها تعرضت إلى عنف جسدي من طرف الزوج، مسبباً لها جروحاً في الرقبة والوجه بعدما تعمد ضربها بسكين في مكان عام وأمام مرأى العديد من المارة ناهيك عن تعرضها لعنف اقتصادي متكرر من زوجها.

وحول ذلك قالت "طلبت الطلاق وسكنت لوحدي مع أبنائي الثلاثة (الأبن الكبير بقي مع والده وعمرة 22 سنة) بسب استمرار الخلافات الزوجية التي تنتهي دائماً بضربي وتعنيفي، وعشت بعد الطلاق فترة قصيرة على أمل الاستقرار لكن طليقي أصر على ملاحقتي واتهامي بالخيانة وكان يعترض سبيلي أينما اذهب ويعنفني جسدياً ويقول لي كلاماً جارحاً ويهددني".  

وأضافت "رغم أني قدمت العديد من الشكاوى ضده، إلا أن رجال الأمن قصروا في مهامهم إلى يوم مهاجمتي بالسكين في مكان عام، حينها لاحق رجال الشرطة طليقي وهو الآن في السجن أما أنا وصغاري تكفل بنا مركز أروى القيروانية".

"ظاهرة العنف ضد المرأة في ازدياد"

من تحدثنا إليهن في مركز الإيواء هن في حقيقة الأمر مجرد عينة من شكايات العشرات من النساء والفتيات ضحايا العنف بكل أشكاله الجنسي والنفسي والجسدي والاقتصادي والإلكتروني، هذه الظاهرة الاجتماعية التي ما فتئت تتزايد في السنوات الأخيرة وصل إلى حد القتل المتعمد نتيجة عدة عوامل منها الاقتصادية والاجتماعية.

ومن أجل حماية من تقطعت بها السبل وأقفلت في وجهها الأبواب، تم فتح مثل هذه المراكز المختصة في إيواء المعنفات والدفاع عن حقوق النساء وحمايتهن من كل أشكال العنف، وتقديم الإرشاد والدعم النفسي لهن.

وحول ذلك أوضحت مديرة مركز أروى القيروانية لإيواء النساء المعنفات وأطفالهن منال كشاط أن "هذا المركز تأسس في عام 2017، وتبلغ طاقة استيعابه 7 أسرة للكبار 3 للأطفال، بالشراكة بين النيابة الجهوية للاتحاد الوطني للمرأة التونسية وجمعية التصرف والتوازن الاجتماعي، ويعمل تحت إشراف وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن وبتمويل من صندوق الأمم المتحدة للسكان".

وعن عمل المركز، قالت "يتم الاستماع إلى المرأة في خلية الإنصات بهدف توجيهها وإذا استدعى الأمر إيوائها، ويعمل مركز "أروى القيروانية"، على النهوض بالمعنفات حيث يقدم خدمات هامة للمرأة في جهة القيروان والمناطق القريبة منها من أجل تغيير وضع المرأة من "إمرة معنفة" إلى "امرأة متمكنة اقتصادياً" من خلال إشراكهن في الدورات التدريبية في مجالات متنوعة على غرار التدريب في الخياطة والحلويات والتطريز والإعلام وتعليم الكبار وغيرها من المجالات".

وأضافت أن المركز يعمل على ضمان استقرار النساء وحمايتهن وتوعيتهن بحقوقهن التي جاء بها القانون الأساسي عدد 58 لعام 2017 المتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة من خلال تنظيم الورشات التوعوية.

وبينت أن ظاهرة العنف تتزايد يومياً في القيروان وأيضا في تونس عموماً، ومن أجل ذلك تتعاضد كل السلطات المعنية للحد من هذه الظاهرة.