نساء في قبضة الوصاية وآفاق التغيير بعيدة

حالة زخم شديدة صاحبت عرض حلقات مسلسل تحت الوصاية الذي عرض مؤخراً، لمناقشته واحدة من القوانين الشائكة التي تتحمل النساء تبعاتها في حال وفاة الزوج وتركه لأطفال قصر وأمهم.

أسماء فتحي

القاهرة ـ بعد عرض مسلسل تحت الوصاية الذي جسدت فيه الفنانة منى زكي دور الأم التائهة بين الإجراءات والتعقيدات التي لم تكن تعرف عنها شيئاً، وإرادة الجد الغير ملبية لطموحاتها من أجل الأطفال وانتهاؤه بحبسها تاركةً أطفالها لمخالفتها القانون، كلها أمور أربكت المتابعين، فكيف تتهم الأم التي تحارب من أجل أطفالها بأنها معادية لمصالحهم وفي نزاع قانوني معهم لمجرد أنها تعمل من أجل تحسين حياتهم على عكس إرادة الجد.

تعود بنا قصة المسلسل إلى التساؤل حول أسباب رفض المجتمع وقبله القانون لوصاية الأم، علماً بأن الكثير من الأسر إن لم يكن أغلبها تديرها بالفعل النساء وتعد هي المسؤول الأول عن التحكم في ميزانيتها وأوجه الإنفاق بشكل عام.

 

من واقع التجارب

تقول فريدة جمال "اسم مستعار"، وهي أم لطفلين أنه "كانت لدينا الكثير من الأحلام تلاشت مع وفاة زوجي فلم يعد بإمكاني التصرف في أي شيء نملكه بسبب ولاية الجد على تلك الأموال"، رافضةً ما آل إليه وضعها بقولها "قد تعبت مع زوجي وكنا نبني مستقبل أطفالنا سوياً وفارق الحياة في حادث سير والآن نعيش ببيت الجد، وألتزم بتعليماته علماً بأنه يعيش بواحدة من القرى الريفية فقط لكونه لا يأتمنني على أطفالي، ولا أستطيع أن أحصل منه على أية أموال دون سبب واضح يقبله وأصبحت حرفياً أتسول الأموال التي كنت أعتبرها مدخراتي وزوجي".

لا تعد فريدة جمال وحدها من تعاني من قانون الوصاية في مصر، بل هي مأساة تحياها الكثيرات في ظل قانون الوصاية الذي ينقل الولاية على أموال الأطفال القصر للجد من ناحية الأب ولا يمنحها للأم لتصبح آمال الأسرة معلقة برغباته.

وأوضحت المحامية هيام الجنايني أن القانون ينزع سلطة الولاية المالية للمرأة على الأطفال ولها كامل الصلاحيات الأخرى في إدارة شؤون الأطفال، مؤكدةً أن السبب في ذلك شرعي أكثر منه قانوني، وأن المادة الثانية من الدستور المصري تمنح الولاية على المال للأب وهو ما يعني الولاية الطبيعية للجد بعد وفاته.

وأشارت إلى أن التغيير صعب لأنه يتطلب إعادة هيكلة المنظومة كاملة من خلال القانون المدني، معتبرةً أن الفهم الخاطئ يجعل من الكثيرات ضحايا ويؤثر ذلك سلباً على الأسرة، وأن التعاطف وحده في هذه القضية غير مجدي لأن أي تغيير في القانون سيتم الطعن بعدم دستوريته ويعيد الأمور لما كانت عليه في لحظات.

 

موقف المصلحة الفضلى للطفل

وأكدت على أن وضع المصلحة الفضلى للطفل أولوية من شأنه أن يجعل الحق بالتبعية في الولاية بعد الأب للزوجة باعتبارها الأحرص في كل ما يتعلق بأطفالها، موضحةً أن المسائلة والمحاسبة المستمرة قد يجعل الأمر يقف عند حده ويتم التنازل أو عدم الرغبة في الوصية من الأساس لأن الولي سيعمل على تخفيف أعباءه بالتخلص من هذا الحمل، خاصة أن صاحبه متابعة دورية من قبل الجهات المعنية تضع مصلحة الصغير في الاعتبار الأول وهذا أمر لا يتم تحقيقه واقعياً بالشكل الرادع.

ولفتت إلى أن الوصاية ليست بالأمر السهل وواقع المجتمع يتغير بالفعل، فالنساء بإمكانهن إدارة شؤونهن ولكنهن تقهرن فعلياً على أطفالهن خاصة إن كانوا يمتلكون أموالاً، ولا يستطيعون تحسين وضعهم بها فقط لأن هناك من يرى أموراً تتعلق بمستقبلهم قد لا تكون حقيقية على الإطلاق، معتبرةً أن مجلس النواب يمكنه التحرك والبحث عن المصلحة الفضلى للأطفال فالتغيير عادة يبدأ من هنا وقانون الوصاية بحاجة لثورة اجتماعية.

وروت واحدة من القصص المتعلقة بقانون الوصاية "كانت هناك أم لأطفال توفي والدهم والجد أيضاً كان مفارقاً للحياة وهى من دولة أخرى، وأتت لمصر لإنهاء إجراءات الوصاية، ولكنها فوجئت بكم هائل من المستندات المطلوبة ومنها شهادة وفاة الجد الذي بالكاد تمكنت من معرفة اسمه كاملاً."

وأشارت إلى أن العائلة هنا أخفت التركة ولم يكونوا متعاونين، والعقارات في مصر ليست مسجلة بشكل كامل وبالتالي لم تتمكن من إثباتها في النيابة الحسبية "معاناة تلك المرأة ليست الأولى من نوعها والتي لا تبحث سوى عن حقوق الأبناء المخفية بسبب طبيعة الإجراءات المحلية، وهو أمر شائك ويحتاج بحث حقيقي عن آليات لمعالجته".

واعتبرت أن العديد من القوانين لا تدعم حقوق النساء، وتعتبرهم في ذيل التشريع، مشيرةً إلى أن الجد على سبيل المثال يحصل على صلاحيات كبيرة في التعامل مع أموال الصغير مقارنة بوضع الأم في حال كونها الوصية، وضحة أن هناك نظرة دونية من المجتمع للمرأة، عادة ما تتهمها مسبقاً بالتفريط في حقوق الأطفال ومنح أموال الأب المتوفي والآخر يبخل دون النظر لما ما تقدمه النساء من تضحيات في سبيل الإبقاء على أسرتها وأطفالها وحمايتهم من أي مخاطر بل والعمل لفترات متتالية من أجل الإنفاق عليهم.

وأضافت أن للمجتمع المدني والناشطات النسويات دور قوي في دعم النساء في مثل هذه القضايا، بمساعدتهن حتى يحصلن على حقوقهن ودعمهن بالمعلومات اللازمة لحين صدور قانون يمنح النساء مكانتهن الطبيعية في الأسرة، بعد إجراء التعديلات الدستورية اللازمة لذلك.

من جانبها قالت المحامية دينا عوني أن الجد الحاصل على الولاية قد يكون طاعن في السن وفي حاجة لرعاية ولا يستطيع الحركة كلما تطلب الوضع ذلك وهو ما يهدد مصلحة الأطفال رغم وجود الأم وقدرتها على ذلك، مشيرةً إلى أن المرأة بالأساس هي من تتحمل كامل أعباء أسرتها بل وأحيانا تقوم بذلك بجانب عملها ومسألة أنها لا تستطيع إدارة أموال الصغير لا تتسق مع ممارستها العملية على الإطلاق.

وأكدت على أن النساء قادرات على تحمل كافة الأوضاع المالية للأسرة في وجود الأب، وهن المعنيات بباقي تفاصيل الأطفال كالدراسة والطعام وغيرها من الأمور وأن نزع المسؤولية المالية منهن لمنحها للجد أمر لا يحقق المرجو منه عملياً.

 

 

مستقبل مهدد بالتغيير والخطورة تكمن في اختلاف الأجيال

أوضحت المحامية دينا عوني، أن التغيير وارد بعد حديث مجلس النواب عن ضرورة ذلك، معتبرةً أن معاناة النساء في ظل هذا القانون تجعل جميع المعنيين مهتمين بالعمل على تعديل الوضع لصالحها.

وأشارت أن هناك اختلاف في الثقافات من جيل لجيل، وهو أمر يجعل ولاية الجد تحتاج مراجعة اهتمامات الأسرة نفسها قد تتعارض مع رغبة الجد وهو الأمر الذي يتحمل الأطفال تبعاته، وربما تتغير حياتهم بسببه فالبعض قد ينتقلون لمدارس أقل من المستوى الذي كانوا عليه، وهو ما يجعل الأم في صراع شبه دائم من أجل مستقبل الأطفال الذي يتغير أمام عينيها دون قدرة منها على التدخل.

وأكدت على أن الأم تعرف مصلحة أطفالها أكثر من الجد الذي يعيش فيما ربى عليه الأب وربما في سياقات الماضي التي تنال من حقوق الأطفال وصحتهم النفسية وقد يحدث هذا الأمر بشكل طبيعي ودون رغبة في الإضرار بالأطفال، مشيرةً إلى أن الأم قد يصل بها الأمر لتسول مصاريف الأطفال بين المحاكم والنيابة الحسبية وغيرها من الجهات المعنية وهذا جور حقيقي على حياتها.

وقالت المحامية دينا عوني أنه على الرغم من وجود حقوق للولي والوصي إلا أن هناك ضوابط عدم توافره، يعرضه لخسارة الأمر منها إخفاء التركة أو إهدارها، بالإضافة إلى التصرف في أموال الأطفال دون الرجوع للنيابة الحسيبة، إلا أن عبء الإثبات عادة ما يقع على الأم وتتعقد الأمور في حال وجود أصول غير مسجلة بالشهر العقاري ودعمها في إثبات ذلك قد يكون أحد الحلول المؤقتة التي تعيد لها حقها في الوصاية.