نفيسة الصباغ: طرح مشروعات القوانين وأن لم تناقش فعلياً أمر ايجابي

قضايا المرأة طوال العام الماضي شهدت موجات متباينة في الشارع المصري بين حالة من الحديث عما تتعرض له النساء من أعمال عنف بأشكال مختلفة ودرجة وعي بات وشيك على مستوى الأسرة والأفراد

أسماء فتحي
القاهرة ـ .
وللتعرف أكثر على الأمر، أجرت وكالتنا حواراً مع نفيسة الصباغ وهي واحدة من الناشطات النسويات اللواتي تهتممن بقضايا المرأة وتعملن على دعم حقوق النساء والمساواة ومواجهة كل أشكال العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي.
 
اتخذت الحكومة المصرية قرار إنشاء وحدة لمناهضة العنف ضد المرأة... فكيف ترين تأثير ذلك القرار على الملف النسوي؟
لا أتوقع الكثير من وحدة مواجهة العنف والأمر لا يرتبط بسوء النية في إنشائها ولكن لأنها عبارة عن قرار فوقي، لا أعتقد أنه تم برؤية نسوية ولم أرى آليات لتفعيله.
ولكي ندرك تأثير إنشاء تلك الوحدة علينا النظر في طريقة عملها وعلاقتها بالسلطات التنفيذية والتشريعية وجهات تنفيذ القانون الممثلين في اللجنة، فلو كان هناك رؤية نسوية كان سيتم دعم الحركة بسهولة؛ لأن كل جهات اتخاذ القرار ممثلين في اللجنة، وبالتالي فحراكها على أرض الواقع من المفترض أن يكون أسرع مما هو عليه الآن بمراحل.
فما يحدث في مصر بات عبارة عن تصريحات وتوجيهات واستراتيجيات لدعم النساء ولإرساء المساواة وتمكينهن من الناحية الاقتصادية، لكن هذا يحدث بدون رؤية نسوية متكاملة ما يجعل القائم بالأمر يرى جانب ويهمل جوانب أخرى.
كما أن فكرة اللجنة هامة جداً لكنها لن تعمل بدون آليات واضحة واختصاصات وبدون مراجعة مرحلية لتسهيل الوصول إليها، بالإضافة إلى ضرورة تعاونها مع مؤسسات المجتمع المدني الغير حكومية، فالتعامل الرسمي لديه حدوده وخطوطه الحمراء، أما الجانب الغير رسمي والمجتمع المدني بشكل عام يمكن من الوصول لصيغ وسط مراعاة حقوق النساء والشكل الذي ترغب فيه تلك الجهات.
ففكرة القرار جيدة لكن التفعيل والآليات وطريقة العمل فيه هي التي تحتوي على مشاكل وتحتاج لتعديل كي تعود بالفائدة الحقيقية للنساء على أرض الواقع.
 
عدد من القضايا أثيرت مؤخراً منها فضح المتحرشين... هل ترين أن المبادرات الخاصة بتلك القضية أتت ثمارها أم أن التحديات كانت أكبر ؟
من واقع التجارب الماضية نرى وجود خطأ كبير في الحملات التي تقام متمثلة في التقليل من قيمة اللجوء للإجراءات القانونية، لذلك فعدد من الأشخاص الذين تم اتهامهم في قضايا تحرش، لم يتم معاقبتهم؛ لأن المتضررين لم يأخذوا إجراءاتهم بشكل رسمي وقانوني، فبرأي اللجوء للقانون خطوة مهمة يجب ألا يتم إغفالها؛ بالرغم من أنه وفي بعض الحالات قد لا يكون القانون نافعاً فهناك قضايا حتى وإن تم اتخاذ الإجراءات القانونية بها ستنتهي بدون الوصول إلى النتيجة المرادة، كما أن إهمال الشق القانوني في النهاية يتسبب بالخسارة. 
وجزء أساسي من الخبرة المكتسبة على مستوى الحملات التي تمت لمواجهة التحرش تكمن في عدم الاستهانة بقوة القانون وهذا لا يعني أن القانون سيعيد كل الحقوق ولا القوانين الخاصة مرضية وضامنة لكل حقوق النساء ولكنها سلاح حقيقي يمكن استخدامه، كما أن تعديلها لن يتم بدون تجربتها والوقوف على ثغراتها، فباستخدام الشق التشريعي الداعم لحقوق النساء المعنفات على سبيل المثال يمكننا الاستفادة منها وتعديل المنظومة التشريعية الموجودة.
وهناك بعض الحملات التي نجحت وأتت ثمارها ومثالاً على ذلك نقابة الصحفيين فنتيجة لحملات المناصرة لحقوق النساء ودعمهن ضد المتحرشين، تبنى مجلس النقابة مقترح إنشاء لجنة للمرأة بالنقابة ورغم أنها لم تعمل وليست مفعلة ولا توجد آلية لعملها حتى الآن، لكنها باتت موجودة على أرض الواقع وتفعيلها سيكون خطوة النضال المقبلة للنساء الصحفيات، فكل موجة حراك بها مكتسبات إما بنتائج تحقق أو بخبرات تكتسب للبناء عليها في مراحل لاحقة.
 
الكثير من النساء لا يلجأن للتبليغ عن المعنف لأسباب متعددة... ألا ترين أن المناخ غير مشجع للاعتماد على القانون في رحلة النساء لانتزاع حقوقهن؟
من يعملون في أقسام الشرطة وفي الوزارات المختلفة والأجهزة التنفيذية هم أبناء هذا المجتمع لم يأتوا لتلك المؤسسات من خارجه، وبالتالي جزء من تركيبة غالبيتهم هم من نفس الثقافة المنتشرة.
فسوء المعاملة كانت السمة الغالبة قديماً ولكن الآن على الأقل في المدن الكبرى الوضع تغير بنسبة كبيرة فهناك إدراك بالتوجه والتعليمات الرسمية التي تدعم هذا الملف وتمنع عرقلة تلك القضايا.
فذهاب النساء لأقسام الشرطة لا يعني فقط محاولة التغيير في مفهوم الشارع باستخدام القانون ولكنه أيضاً سيغير من مفهوم القائمين على الأمر بتلك الأماكن ويجعل هذا النوع من البلاغات معتاد داخل الأقسام كبلاغات السرقة وغيرها ومع الوقت والممارسة يتحول هذا النوع من الجرائم لأمر اعتيادي يجب التعامل معه على أنه حق بقوة إقرار الأمر الواقع والنزول بالتشريع إلى الأرض من خلال الممارسة العملية.
 
كيف ترين أداء المنظمات النسوية في مصر؟ 
لدينا مؤسسات نسوية قوية بالفعل ولديها رؤية، ولكن شأنها شأن مختلف منظمات المجتمع المدني تعاني من مناخ يصعب العمل فيه، فهناك قانون جديد للجمعيات الأهلية فيه معوقات كثيرة وصعوبات في التنفيذ بخلاف ما هو موجود في النص، فالمناخ العام يجعل جهود المجتمع المدني من منظمات وأحزاب وكيانات ثقافية أقل فاعلية بالإضافة إلى ضعف التفاعل مع الناس على أرض الواقع لاحتياجها لقائمة من الموافقات قبل ذلك.
لا يمكننا إلقاء اللوم على المنظمات أو المجتمع المدني في تلك المساحة، لأن لدينا مجال بالفعل يصعب الحركة فيه ومع ذلك هناك مؤسسات نسوية حقيقية لديها رؤية قوية وأعتقد أن أغلبهم لازالوا يعملون وقد يكون صوت بعضهم منخفض وبدون تواجد في صدارة الصورة ولكنهم يعملون على أرض الواقع بشكل أفضل من غيرهم.
 
كيف أثرت أزمة كورونا على العنف ضد النساء؟
لا أستطيع تحديد الأمر إحصائياً لكن المؤكد أن استخدام العنف ضد النساء في مصر شيء طبيعي ويحدث يومياً مستنداً للثقافة السائدة أن الزوج والأب والأخ من حقهم تأديب النساء.
فهناك ثقافة تدعم العنف ضد النساء، كما أن جائحة كورونا أثرت بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية للمواطنين فضلاً عن المكوث لفترات طويلة في المنزل وعبء تلك الأجواء تقع كاملة على كاهل المرأة، لأن الرجل المعنف للمرأة وجوده معها لوقت أطول يزيد عادة من حجم وحدة التعنيف.
وتعد مصر أقل نسبياً في حجم التأثر بفيروس كورونا على هذا الصعيد، لأن حجم الإغلاق كان أقل من مثيلاتها في العالم وهو ما قلل نسبياً من حدة الوضع مقارنة بباقي الدول.
 
 
ما تقديرك لتولي النساء مناصب إدارية في مصر سواء على مستوى النقابات أو غيرها من المؤسسات؟
يعد تمثيل المرأة في المناصب، أزمة كبيرة في مصر لغياب الوعي الكافي بين النساء بوجود أهمية لتمثيل ذواتهن في مجالس النقابات المختلفة، لأن جزء من الأمر يكمن فيما تقدمه النقابات من أعمال وخدمات.
ولفترة طويلة لا يوجد عمل نقابي به رؤية نسوية تقول أن هناك احتياجات للنساء تختلف عن الرجال في أماكن العمل، ومن هنا شريحة كبيرة من النساء لا تعي أهمية وجود امرأة في مجلس النقابة، وجزء كبير من الفكرة يرتبط بالوعي، ولكن بالمقابل هناك جزء كبير من النساء يحاربن من أجل تلك الحقوق.
 
رفع شعار بيئة عمل آمنة للنساء فما جدواها على أرض الواقع وهل تم تنفيذه بالفعل؟
لم يتم تنفيذ أي شيء، هناك مطالبات عديدة بها وتم عقد مجموعة من الورش والتدريبات لأجلها وهناك مؤسسات رحبت شكلياً بالفكرة واستقبلوا المدربين في مقراتهم ولكن الأمر توقف عند هذا الحد.
لكن الجانب الإيجابي أن هناك عدد ليس بالقليل أدرك ضرورة توفير بيئة عمل آمنة للنساء، وهذا يعني أن هناك فرص أكبر بأن تكون المحاولات القادمة أكثر نجاحاً.
والقائمين على اتخاذ القرار في بعض المؤسسات وبخاصة الصحفية يخافون من انتشار الفكرة وتنفيذها على أرض الواقع لأن بعضهم قد يصبح في لحظة متهم ومدان لأن عدد ليس بالقليل منهم بالفعل يرتكب انتهاكات ضد النساء.
 
ما هي أكبر التحديات التي تواجه الحركة النسوية المصرية؟
أكبر التحديات التي تواجه الحركة النسوية تكمن في الثقافة الشعبية السائدة، والجزء الآخر في المساحات المسموح بها في الحراك العام، فهناك تضييق كبير على تحرك المجتمع المدني أو المبادرات الفردية، ووفق القوانين المعمول بها قد يقوم الفرد بعمل مبادرة فيتم سجنه لأن المبادرة جزء من عمل المؤسسات الغير حكومية وهي بدون موافقة، وهذا قد يعرض صاحب الفكرة للسجن.
فلدينا مناخ يصعب خلاله الحركة ونحتاج لعمل قنوات تمكن من العمل الآمن خصوصاً أننا نتعامل مع ملف تعلن الدولة دائماً أنها تتبناه ومهتمة بالعمل عليه وتدعم العاملين به، فهي مساحة تحتاج قرارات رسمية للبدء بالعمل على الملف على أرض الواقع.
 
عدد من القضايا أثيرت مؤخراً ومنها الاتجار بالنساء واقتسام الثروة... فهل ترين أي تطور بالمسار التشريعي؟
هناك توجه رسمي حقيقي لدعم النساء ولكن غير ناتج عن رؤية نسوية شاملة، ما يدل على أننا بحاجة للتعامل مع الخطوات التي تتم بالفعل ونكون جزء من المناقشة قدر الإمكان كمجتمع مدني وكوادر نسوية موجودة.
وفيما يتعلق بقانون الاتجار بالبشر الذي تم إقراره عام 2010 ولكنه ليس مفعل رغم أنه كفيل بسجن كل المتورطين في زواج القاصرات وهذا أمر لو تم تفعيله بحبس 4 أو 5 حالات مع التركيز الإعلامي عليه، لكان كفيل بعدول الآلاف عن هذا الفعل خوفاً من الوقوع تحت وطأة القانون.
كما هناك العديد من مشاريع القوانين تم اقتراحها على البرلمان لكن الخطوات لا زالت متعثرة، كمشروع قانون اقتسام الثروة، لكن لا أعتقد أنه سينجح الآن، كذلك تمرير مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، أما مشروع مكافحة كل أشكال العنف ضد النساء رغم صعوبة تمريره يتم النقاش عليه في الوقت الراهن، ويمكن القول أن مجرد طرح مشروعات القوانين وأن لم تناقش فعلياً فهو أمر ايجابي فكلما تم طرحه سيزداد معدل الموافقة عليه.
وأرى أن الجانب التشريعي هام جداً فبالرغم من أنه لا يعمل على تغيير الثقافة السائدة لكنه يساعد على إقرار الحقوق وبالتالي لو حصلنا على نسبة تصل لنحو 10% من المساواة، سنناضل من أجل الـ 10% التي تليها.
وهناك أيضاً ضرورة لمعرفة التحفظات أو الأسباب المنطقية للرفض، فمن المفترض أن مشاريع القوانين جاءت لتقر حقوق ولكن لا بد ألا تجور على حقوق أخرى، وبالتالي إن وجدت مخاوف حقيقية خاصة بوجود طرف متضرر سنكون في حاجة أن ننتبه لها عند إعادة صياغة المسودات المختلفة مرة أخرى، وأعتقد أن هذا الأمر سيصل بنا مستقبلاً لمسودة عليها نسبة موافقة جيدة وبالتالي يمكن إقرارها، وهي خطوة جديدة في ترسيخ قواعد إقرار الحقوق. 
 
كيف تقيمين العام الماضي في الملف النسوي وما توقعاتك للعام المقبل؟
العام الماضي وما قبله يمكننا أن نعتبرهم غاية في الصعوبة، فلا يمكن القول أن هناك انجازات تمت بشكل ملحوظ، فالعالم أجمع كان متأزم بسبب كورونا فحالة الاستفادة والتبادل المعرفي على المستوى الرسمي أو غير الحكومي تعطلت كثيراً خلال تلك الفترة.
كما أن النشاط في مساحات الحركات النسوية أو الحقوق بشكل عام تأثر خلال الجائحة والإغلاق وتغيرت الأفكار نسبياً حيث شعر الكثيرون أن أزمة المرض هي الأهم خلال الوقت الراهن عن غيرها من الأزمات الاجتماعية.
وحدثت موجات من الغضب خلال العام الماضي أدت لحالة جدل يمكن أن نعتبرها كاشفة للطريق الصحيح والمسار الذي يجب أن ننطلق منه، ورغم أننا لم نسير خطوات كثيرة في هذا الطريق ولكنها رسمت الاتجاه إلى حد كبير، وأعتقد أننا في العام الجديد سنستطيع أن نبني هذه الاتجاهات.