ناشطة تونسية: التاريخ سيدون نضال ومقاومة الكرديات ضد داعش

ترى الناشطة النسوية منوبية بن غداهم أن النضال مستمر ولا يمكن لأي قوى أن توقفه، مذكرةً بنضال الكرديات من أجل التمتع بأبسط حقوقهن في العيش ضمن بلد آمن يؤمن بهذا المكون.

زهور المشرقي

تونس ـ تتخبط النسويات في تونس بين أفكار تحاول تأصيل الحركة النسوية النضالية التقدمية المدافعة عن النساء ودفعها لتكون حاملة لنظرية تونسية خاصة على اعتبار خصوصيتها وهي التي ولدت من رحم الاستعمار والحرب والفوضى، وأفكار تعتبر أن الحركة بقيت حبيسة فكر نخبوي على اعتبار ارتباطها بالنسوية الليبرالية الفرنسية التي بدأت اليوم تصحح نفسها ومسارها الاقصائي.

رغم التخبط والمساعي للتصحيح من قبل بعضهن للنهوض بواقع النساء لا تزال النظرة الدونية للحركة النسوية مستمرة خاصة وأنه عادةً ما يتم ربطها بالنخبوية واليسار واتهامها كونها تعمل لفرض مسائل دخيلة على المجتمع التونسي ومع ذلك تحاولن وضع مقاربة تقدمية ووسطية يقوم عليها النضال النسوي.

وتعتبر النسويات في تونس دستور عام 1959 و2014 من أهم الدساتير التي أقرت حقوق النساء وفرضت مبدأ المساواة بين الجنسين وتتالت بعدهما التشريعات لإقرار المزيد من الحقوق وآخرها قانون مكافحة العنف وقانون مناهضة العنصرية وآخرها مشروع قانون المساواة في الميراث.

وأوضحت الناشطة النسوية منوبية بن غداهم أن الحديث عن مشروع نسوي حقيقي يدافع عن النساء بكل اختلافاتهن بات أمراً ضرورياً حيث لا يمكن تخيير النسويات بين الحديث عن هذا المشروع من عدمه لاعتباره ضرورة لا تحتمل التأجيل، مشيرةً إلى أن هذا المشروع سواءً في تونس أو خارجها هدفه دفع الشعوب لاعتماد ميثاق المواطنة على اعتبار أن الجميع من رجال ونساء لهما حقوق متساوية وواجبات وإلا سيكون مصيرها الاندثار.

وأضافت "لدينا مثال حي يتمثل في ردود فعل الكرديات زمن الحرب على مرتزقة داعش حيث حملن السلاح وصعدن للجبال للدفاع عن أنفسهن ومنطقتهن، فلنتصور لو قالت الكرديات نحن فئة هشة وضعيفة نهرب أو نجلس في بيوتنا، ومهمة حمايتنا تقع على الرجال، ولم تقمن بتكوين وحدة كاملة ضد داعش، كيف كان سيكون المصير؟، حينها كنا اليوم سنتحدث عن انتصار داعش في شمال وشرق سوريا، لكننا اليوم نتحدث عن نجاحاتهن، التاريخ سيدون نضال ومقاومة الكرديات ضد داعش، وهو ما يؤكد ضرورة المشروع النسوي القوي".

وعن نأي الحركة النسوية في تونس بنفسها عن النقد، تقول "إنها ردة فعل طبيعية لحركة وجدت نفسها في حرب أمام جماعة الإخوان المسلمين فكانت الأولوية توحيد الصفوف لا مراجعة الذات، لكن اليوم أرى أن هناك تطوراً كبيراً في مستوى عمل الحركة النسوية خدمةً لقضايا النساء ونتيجة ذلك الجهد النسوي بدأنا نرى لبنة تحركاتنا كون النساء فهمن معنى حقوقهن ومشروعية التمتع بها وحصلن أيضاً على العديد من القوانين الاستثنائية على غرار القانون عدد 58 لمكافحة العنف ضدهن وسن قوانين أخرى لتحسين وضع الفلاحات والعاملات اللواتي لا يضمن لهن المشرع التونسي الحق في الإرث أو حق امتلاك الأرض، كلها خطوات حققتها الحركة النسوية في بلادنا وهي نتيجة مراجعة دامت سنوات، برأيي سن التشريعات الثورية لصالح المهمشات ومختلف الفئات هي بمثابة المراجعة وكانت نتيجة نقد وعمل لا يتوقف برغم الإمكانيات والظروف الصعبة التي تعمل فيها الحركة، والنقد الذاتي هو أفضل خطوة للتطوير والتحسين والنهوض بواقع التونسيات".

وفيما يتعلق بسبل سد الفجوة بين الأجيال في الحركة النسوية من خلال تعزيز الحوار، والاعتراف بمساهمات الأجيال الأكبر سناً من النسويات وتمكين الأصوات النسوية الشابة من التحدث، تقول "إن تونس بحاجة لكل الأجيال النسوية وكل أبنائها ولا يمكن النجاح والاستمرار في صورة احتكار مسار الدفاع عن حقوق النساء من قبل طرف واحد فقط"، مشيرةً إلى أن المطالب تغيرت على مر السنين، فمطالب نساء دولة الاستقلال ليست هي مطالب النسويات في التسعينات ومطالب الجيل الحالي.

وأكدت على أنه حان الوقت للشابات أن تأخذن مشعل النضال لاعتباره ليس حكراً على الحركة التقليدية الأكبر سناً "لابد أن تتقدم الفتيات صفوف النضال لأخذ المشعل وإلا سينتهي المشروع، وهنا لابد من التأكيد على ضرورة التشبيك بين الأجيال المختلفة والتنسيق وإلا سنخسر أكثر من قرن من النضال وأن نأخذ بعين الاعتبار التغيرات والعولمة فالمطالب وطرق النضال تغيرت وجب أن نستوعبها كنسويات والأهم أن نحترمها، على الحركة النسوية التأقلم مع الواقع الجديد".

وحول إقصاء النساء من الحياة العامة واقتصار إشراكهن على مواعيد محددة، تنتقد منوبية بن غداهم السياسة العامة للدولة منذ الاستقلال حيث كان حضور النساء يقتصر على مؤسسات نسائية أو وزارة المرأة أو مراكز غير مهمة برغم الكفاءات النسوية وتميز النساء الذي تكشف عنه الأرقام والإحصائيات الرسمية، مشيرةً إلى أن معظم نسبة الطالبات الجامعيات مرتفعة في وقت يستقبل سوق الشغل ربعهن فقط في مجتمع بطريركي أبوي غير عادل في علاقة بحقوق النساء.

واعتبرت أنه بالرغم من التشريعات لا زالت النساء مقصيات وحضورهن ضعيف في تقلد المناصب العليا حيث لا يتعدى عددهن كوزيرات وكتاب دولة الربع، إضافة إلى غياب تقلدهن مناصب حساسة رغم وجود الكفاءات، مرجعةً ذلك التهميش إلى الفكر الذكوري الذي يروج أن مكانة المرأة لا تتعدى منزلها فضلاً عن ربطها بالعائلة فقط وأولوياتها إنجاب الأطفال وتربيتهم وإرضاء الزوج وأمه وعائلته، مؤكدةً أن النساء أبرزن منذ سنوات تضحياتهن وقدرتهن على النجاح في مهمتين لا تتقاطعان، تتمثلان في المنزل والعمل في أي مجال كانت، وهي براهين تحارب عبرها المرأة العقلية الذكورية الاقصائية غير المؤمنة بها.

وتطرقت إلى الوضع الهش للفلاحات في الأرياف اللواتي تعملن في ظروف مأساوية خارج الأطر القانونية وبأجور ضعيفة في صورة استغلالية من قبل رب العمل، إضافة إلى استغلالهن عائلياً بتعنيفهن وافتكاك الراتب وإجبارهن على العمل داخل المنزل لاعتبار أن تلك العقلية تعتبر أن ذلك حق شرعي وليس اختيارياً، منتقدةً مواصلة استغلال النساء وافتكاك حقوقهن وقمعهن تحت مسمى العادات والتقاليد.