ناشطة سياسية مغربية تدعو إلى تفعيل المساواة والإسراع بقانون المناصفة
أكدت الناشطة إيمان غانمي على أن استمرار الصور النمطية الثقافية والاجتماعية تحاصر طموحات النساء وتحد من إمكانياتهن، قائلة إن هذه التحديات لا يمكن معالجتها بنصوص قانونية فقط، بل تحتاج إلى ترسيخ قيم المساواة والمناصفة في الوعي المجتمعي.

رجاء خيرات
المغرب ـ في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي يشهدها المغرب، تبرز قضية المساواة والمناصفة بين الجنسين كأحد أبرز التحديات التي تواجه البناء الديمقراطي والتنمية المستدامة، والناشطة إيمان غانمي تؤكد على أن المساواة ليست مطلباً فئوياً، بل ضرورة وطنية لضمان العدالة الاجتماعية ومشاركة النساء الفعلية في صناعة القرار.
رغم المكاسب الدستورية والتشريعية المغربية وأهميتها، لم تنجح بعد في تجاوز الصور النمطية والعوائق البنيوية التي تحد من مشاركة النساء في الحياة العامة، حيث تطالب الناشطات والسياسيات والحقوقيات بإقرار قانون إطار للمناصفة وتفعيل الهيئة الدستورية المعنية بمكافحة التمييز، باعتبارهما ركيزتين أساسيتين تضمنان للمرأة موقعها الطبيعي كشريك كامل في التنمية.
تطرقت الناشطة السياسية والحقوقية ورئيسة منظمة المرأة العاملة والمقاولة بالمغرب إيمان غانمي إلى مسار المرأة المغربية في معركة التحرر والتمكين الذي اعتبرته في العمق حديث عن مسار وطن بأكمله، لافتة إلى أن ما تحقق للمرأة المغربية لم يكن أبداً معزولاً عن التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد منذ الاستقلال.
وأوضحت أن المرأة المغربية عرفت تحولات كبرى انطلقت من معركة التحرر الوطني حيث كانت حاضرة في الصفوف الأمامية للمقاومة والنضال ضد الاستعمار، ثم انتقلت إلى مرحلة النضال من أجل الحقوق المدنية والسياسية، وصولاً إلى الإصلاحات الكبرى التي فتحت آفاقاً جديدة لموقعها داخل المجتمع، وأبرزها اعتماد مدونة الأسرة سنة 2004، ثم دستور 2011 الذي شكل محطة فاصلة حين نص بوضوح على مبدأ المساواة بين الجنسين وعلى ضرورة السعي إلى تحقيق المناصفة وإحداث هيئة لها ومكافحة كل أشكال التمييز.
مسار طويل في معركة التحرر
وحول مسار المرأة المغربية في معركة التحرر وتحقيق المساواة أكدت إنه مسار تاريخي متراكم يتقاطع فيه البعد الوطني بالبعد الحقوقي الكوني، ويتداخل فيه النضال الاجتماعي مع التحولات السياسية والدستورية الكبرى التي عرفها المغرب، مشيرةً إلى أنه لم يكن مساراً خطياً ولا سهلاً، بل كان محفوفاً بالصعوبات والمقاومات، غير أن إصرار النساء المغربيات على الانخراط في صناعة التغيير جعل من كل محطة لبنة في بناء مشروع وطني ديمقراطي أكثر شمولية وعدالة.
ولفتت الانتباه إلى أن مرحلة الكفاح الوطني ضد الاستعمار شكلت لحظة مفصلية في بروز المرأة كفاعل سياسي واجتماعي حيث شاركت بجانب المقاومين في العمل المسلح وفي شبكات الإمداد والتموين، وفي تعبئة الأجواء الشعبية لدعم المقاومة، ولم تكن هذه المشاركة رمزية بل أظهرت قدرة النساء على تخطي الأدوار التقليدية والانخراط في الدفاع عن الحرية والكرامة، وهو ما أسس لوعي جديد بدور المرأة ومهد لوعي لاحق بأهمية المساواة.
كما أوضحت أنه بعد الاستقلال، ورغم ما حمله من آمال، ظلت البنية الاجتماعية والسياسية محافظة إذ حصرت النساء في أدوار ثانوية، غير أن نخباً نسائية طلائعية خاضت معركة المطالبة بإصلاحات جوهرية تضمن الاعتراف بحقوق النساء، وفي مقدمتها معركة إصلاح مدونة الأحوال الشخصية التي جسدت لسنوات طويلة هيمنة العقلية الذكورية على المنظومة القانونية، منوهةً إلى أن الحركة النسائية المغربية خاضت نضالات طويلة أفضت إلى إصلاح 1993 ثم التحول الجذري عام 2004 مع صدور مدونة الأسرة التي أرست نسبياً مبدأ المساواة داخل الأسرة ورفعت سن الزواج وقيدت التعدد ومنحت النساء حقوقاً أوسع في الطلاق والحضانة، ورغم نقائصها فقد شكلت ثورة هادئة في بنية المجتمع وأرست قاعدة للانتقال نحو مجتمع أكثر إنصافاً.
وحول أهمية دستور 2011 قالت إنه جاء ليؤسس لمرحلة جديدة، حيث نص على المساواة والمناصفة وحظر كل أشكال التمييز وإنشاء هيئة دستورية للمناصفة ومكافحة التمييز، ولم يكن هذا الاعتراف الدستوري وليد الصدفة بل ثمرة تراكم نضالات الحركة النسائية وتفاعلها مع الديناميات الحقوقية الكونية والتحولات السياسية التي عرفها المغرب، وهو ما فتح الباب أمام تعزيز حضور النساء في المؤسسات المنتخبة والهيئات الاستشارية ومراكز صنع القرار، ورفع نسب تمثيليتهن في البرلمان والجماعات الترابية بفضل آليات التمييز الإيجابي باعتبارها مرحلة انتقالية نحو المناصفة الفعلية.
قانون إطار للمناصفة مطلب أساسي
ولفتت إلى أن أولى المطالب على الصعيد التشريعي هي اعتماد قانون إطار للمناصفة يكرس ليس فقط التساوي أمام القانون، بل يُلزِم الحكومة والجهات العمومية والقطاع الخاص بتنفيذ سياسات للمناصفة سواء في التمثيل السياسي والإداري أو في فرص العمل والأجور، ويدخل مقاربة النوع الاجتماعي في صميم ميزانيات الوزارات والجهات، مع مؤشرات تقييم واضحة وتزامن برلماني وتشريعي؛ مطالبة بتفعيل هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز بصفتها مؤسسة مستقلة ذات صلاحيات للتظلم والتحقيق والمراقبة، وتمكينها من الموارد البشرية والمالية اللازمة، ومن ذلك أن تكون قادرة على استقطاب شكاوى فردية وجماعية، وإصدار التقارير السنوية.
واعتبرت إيمان غانمي أن التراكم الإيجابي الذي تعتز به الحركة النسائية ككل، على أهميته ورمزيته، ما يزال اليوم، بعيداً عن تحويل المساواة إلى ممارسة فعلية في حياة النساء المغربيات، وهو ما يضعهم أمام تحدي جوهري يتمثل في الإسراع بإقرار قانون إطار للمناصفة يكون بمثابة مرجعية تشريعية ملزمة وموحدة تؤطر جميع القوانين والسياسات العمومية، وتترجم المقتضيات الدستورية إلى التزامات واضحة وقابلة للقياس، كما يحدد آليات للتنفيذ والمراقبة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وأكدت أن هذا القانون الإطار لم يعد مطلباً فئوياً أو شعاراً حقوقياً، بل أصبح ضرورة وطنية من أجل استكمال بناء دولة الحق والمؤسسات وضمان انخراط المغرب في دينامية التنمية المستدامة بأبعادها المتعددة، فلا تنمية ولا عدالة اجتماعية ولا ديمقراطية حقيقية دون مساواة فعلية بين النساء والرجال.
وفي السياق نفسه، شددت على ضرورة تفعيل هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، باعتبارها هيئة دستورية نص عليها دستور 2011 ومن المفترض أن تضطلع بأدوار أساسية في رصد الانتهاكات، وتلقي الشكاوى، وتقديم الاستشارات التشريعية، وإعداد التقارير الدورية التي تقيم مدى تقدم البلاد في احترام التزاماتها الدستورية والدولية.
وأوضحت أن تأخر تفعيل هذه الهيئة بالنجاعة والاستقلالية اللازمتين، وبالإمكانات البشرية والمالية الكافية، يفرغ النصوص من مضمونها ويجعلها حبراً على ورق، في حين تبقى الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى مؤسسة قوية، قادرة على مراقبة السياسات العمومية من زاوية النوع الاجتماعي، وقادرة على مساءلة المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية عن أدائها في مجال تحقيق المناصفة ومكافحة التمييز.
تحديات سياسية وحقوقية واقتصادية أمام النساء
وفيما يخص الإصلاحات ذكرت أن المغرب وهو يدخل مرحلة جديدة من الإصلاحات، خصوصاً في إطار مراجعة مدونة الأسرة، يكون أمام اختبار تاريخي حقيقي، يترجم التزامه الدستوري والدولي إلى قوانين وسياسات وإجراءات ملموسة.
وشددت على أن المرأة المغربية اليوم لم تعد تطالب بمكانة شكلية أو رمزية، بل بموقعها الطبيعي كفاعل أساسي في كل المجالات، من الاقتصاد إلى السياسة ومن المقاولة إلى البحث العلمي ومن الإدارة إلى الإبداع الثقافي، مشيرةً إلى إنه على الرغم من المكاسب الدستورية والتشريعية، ما زالت المغربيات تواجهن تحديات عديدة، من أبرزها ضعف التمثيلية في مراكز القرار السياسي والإداري والاقتصادي، واستمرار فجوة الأجور وفرص العمل بين الجنسين، وهشاشة أوضاع العاملات خاصة في القطاع غير المهيكل، وصعوبة ولوج المقاولات النسائية إلى التمويل والموارد، إضافة إلى استمرار الصور النمطية الثقافية والاجتماعية التي تحاصر طموحات النساء وتحد من إمكانياتهن.
وأوضحت أن هذه التحديات لا يمكن معالجتها بنصوص قانونية فقط، بل تحتاج إلى إرادة سياسية قوية، وإلى سياسات عمومية تدمج البعد الحقوقي في عمقها، وإلى تغيير ثقافي وتربوي وإعلامي شامل يرسخ قيم المساواة والمناصفة في الوعي الجماعي.
وتطرقت إلى كون التجربة الوطنية، كما أكدت التجارب الدولية، أن المساواة بين الجنسين ليست ترفاً أو مطلباً ثانوياً، بل شرط أساسي لتحقيق التنمية المستدامة وضمان العدالة الاجتماعية، وهي استثمار في الرأسمال البشري الذي يشكل الثروة الحقيقية للأمم.
وفي هذا الصدد شددت على ضرورة المطالبة بإخراج القانون الإطار للمناصفة وتفعيل هيئة المناصفة، باعتبارها ليست مجرد أجندة حقوقية نسائية، وإنما هي أجندة وطنية بامتياز، لأنها تمس جوهر المشروع المجتمعي وتحدد موقع المغرب في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان والتنمية.
وفي ختام حديثها قالت الناشطة السياسية والحقوقية إيمان غانمي "إن المرحلة المقبلة يجب أن تكون مرحلة حسم وتشريع وتنفيذ، مرحلة تُحول النصوص الدستورية إلى واقع ملموس في حياة المغربيات، مرحلة تجعل من المساواة والمناصفة ركناً من أركان السياسة العامة لا مجرد شعار، ومرحلة تُرسخ حضور النساء في قلب القرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. المرأة المغربية اليوم لا تعد تنتظر أن يُفتح لها الباب، بل تقتحمه بكفاءتها، بإبداعها، بقدرتها على المبادرة، وبإصرارها على أن تكون شريكاً كامل الحقوق في بناء الوطن".