ناشطة حقوقية: النساء تواجهن عنفاً متعدد الأوجه

رغم أن تونس كانت سباقة في إصدار قانون محاربة العنف ضد النساء في أفريقيا، إلا أنها لم تستطع التقليص من حدته، إذ تسجل البلاد ارتفاعاً في مؤشر العنف مع تزايد المخاوف من حالات قتل النساء التي باتت تسجل باستمرار.

زهور المشرقي

تونس ـ اعتبرت الناشطة الحقوقية مي العبيدي أن العنف بات ظاهرة تنخر في المجتمع التونسي، وتتسبب في انهياره، ويمس كل الفئات النسوية دون تمييز. 

خلال السنوات الأخيرة سجلت تونس حالات عنف كثيرة وصلت لحد قتل النساء، كما هو الحال بالنسبة لرفقة الشارني التي قتلت على يد زوجها قبل عامين إثر خلاف عائلي، وتعليقاً على الحكم بالسجن ثلاثين عاماً بحق زوجها الشرطي تقول الناشطة الحقوقية مي العبيدي أن الحكم الذي أصدرته المحكمة قبل أيام، جاء وفق تطلعات النساء خاصة وأنه ينتمي إلى السلك الأمني، حيث كان هناك تخوف من إصدار حكم مخفف.

وأشارت إلى أن الحكم الذي أصدرته المحكمة طال انتظاره "منذ سنتين ونحن ننتظر أن تأخذ القضية مسارها الصحيح، وأن يكون الحكم رادعاً، ويتم إنصاف رفقة الشارني"، مبينةً أن "الحكم الصادر الآن عن المحكمة كان وراءه ضغط وحضور نسوي كبير، حيث تزامنت المحاكمات مع تظاهرات ومساندة قوية من قبل الحركة النسوية لضمان حق رفقة الشارني التي رحلت بعد تعنيف قوبل بالتجاهل واللامبالاة من الأجهزة الأمنية التي توجهت إليها لتقديم شكوى".

وأكدت على أن الحكم جاء منصفاً، وأن القضاء التونسي اتخذ خطوة جيدة "نحن النسويات كنا خائفات من اتباع القضاء سياسة الإفلات من العقاب كما هو الحال في معظم الأحيان، لكن هيئة المحكمة اليوم أنصفت رفقة الشارني، ونتمنى أن يكون هذا الحكم رادعاً لكل من تسول له نفسه تعنيف النساء".

وترى أن قانون 58 لمكافحة العنف ضد النساء متكامل وقادر على حمايتهن لكن الإشكالية تكمن في آليات التنفيذ على أرض الواقع وطريقة تعامل السلطات معه، مشيرةً إلى أن "مسار تنفيذ القانون ما يزال غامضاً خاصةً لدى الوحدات المختصة في المراكز الأمنية التي يفترض أن يتمحور دورها في الاستماع مبدئياً للمعنفة وتوجيهها إلى مراكز الإيواء لإقناعها من أجل العودة إلى المعنف وقبول ذلك الوضع وهو ما حصل مع رفقة الشارني والعشرات أمثالها اللواتي قتلن بسبب التصرفات غير المسؤولة وغير المدروسة من هؤلاء المستقبلين".

ونددت باعتماد قوانين لا علاقة لها بقضية العنف والقتل عوضاً عن قانون مكافحة العنف حينما يتعلق الأمر بتعنيف امرأة، وهو ما اعتبرته تستراً على الجاني، موضحةً أن العنف يمس كل النساء في تونس "لقد وصل العنف إلى السياسيات، فقد عاش البرلمان التونسي المنحل مشاهد قاسية لتعنيف النساء أمام الكاميرا دون خجل وهي مظاهر شجعت على تزايد العنف باعتبار أن المعنف حراً طليقاً لم يحاسبه القانون"، مؤكدةً على أن الوقت الحالي شهد تضاعف نسب العنف. 

وذكرت مي العبيدي بقضية الناشطة السياسية والنسوية شيماء عيسى التي زُج بها في السجن بسبب آرائها السياسية ومعارضتها لمسار 25 تموز "تتعرض شيماء عيسى اليوم للتنكيل وهي حرة فضلاً عن الضغط لإسكاتها وحرمانها من السفر لمزاولة مهنتها في باريس كأستاذة جامعية".

وأضافت "تعيش شيماء محاصرة حتى أنها لم تكن قادرة على المشاركة في المظاهرة تضامناً مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للإبادة الجماعية، وهو يعد أشد أشكال العنف، فضلاً عن اعتقال رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي التي تعيش وضعاً صحياً صعباً، خاصة مع التهم الموجهة لها والتي تصل الإعدام، وهذا يفسر ما تعانيه النساء في تونس، اللواتي لم تتعرضن للعنف من قبل المجتمع الذكوري يتعرضن لعنف الدولة وهي أسباب دفعت بأن تكون الآفة التي تفتك بالنساء من الأمور التي يتقبلها الشعب ويطبع معها".

واعتبرت أن العنف المزدوج الذي عاشته السياسيات في تونس، نتج عنه برلمان ذكوري بنسبة نسوية مخجلة لنضالات النساء منذ عقود، مشيرةً إلى أن آلة التخويف والترهيب التي انطلقت منذ سنوات أثرت على المشاركة السياسية للنساء، بدليل انسحاب أصوات مهمة ومؤثرة من الساحة وتركها فارغة لنظام أبوي لا يؤمن بهن بل يتفنن في تهميشهن، على حد قولها.

وتابعت "بتنا نخشى الترشح للانتخابات وهو أمر خلنا أننا تجاوزناه مع ثورتنا، اليوم حتى حين نعبر عن مواقفنا من قضية معينة في مواقع التواصل الاجتماعي نتعرض للعنف والتحريض والتنمر لأننا نساء لا يحق لنا أن نكون حرائر وصاحبات مبادئ ومواقف، وهو يندرج ضمن مأساة العنف الإلكتروني الذي يستهدفنا جميعاً ويهددنا".

وأوضحت أن السلطة الذكورية تسعى لتهميش المرأة على جميع الأصعدة، داعيةً النساء إلى العمل من أجل كسر الصور النمطية والتقليدية التي تتنافى وما تسعين لتحقيقه منذ عقود، معتبرةً أن المجتمع الأبوي لا تناسبه استقلالية ووعي النساء ويخاف من ذلك وبالتالي يعمل بكل جهوده على التصدي لنجاحهن وإظهارهن دائماً في الصورة الخاضعة والضعيفة.

وعن دور المجتمع المدني في توعية النساء بضرورة التسلح بالقوة لمحاربة الظواهر السلبية التي تمسهن، أكدت الناشطة الحقوقية مي العبيدي أنه من واجبه دعم النساء والوقوف إلى جانبهن لا سيما وأن الحرب التي تخضنها مزدوجة فعليهن مواجهة السلطة والمجتمع الأبوي، لافتةً إلى أن الجمعيات النسوية والحقوقية لا يمكن بمفردها أن تقوم بكل الأدوار.

ونوهت إلى أن الجمعيات النسوية إلى اليوم تقوم بمحاولات إيصال قانون مكافحة العنف إلى جميع النساء، لأن شريحة مهمة منهن لم تسمع به أصلاً، وخلصت إلى القول إن المجتمع المدني في تونس يقوم بدوره وقادر على إعطاء الأفضل لخدمة قضايا النساء وهي من مسؤولياته لإيمانه التام بضرورة ضمان الأمن والحرية للتونسيات أينما كنّ.