"مينفعش تقولي لأ"... الرفض في مقدمة أسباب جرائم قتل النساء في مصر
ارتفعت وتيرة قتل النساء في الفترة الأخيرة وهو الأمر الذي تطلب التوقف عنده للتعرف على السبب في ذلك، وكان رفض عدد منهن الارتباط أو القبول أحد أهم الأسباب التي ترتب عليها عدد ليس بالقليل من جرائم القتل.
أسماء فتحي
القاهرة ـ عانى الشارع المصري خلال الفترة الأخيرة من ارتفاع وتيرة قتل النساء لأسباب لا تتماشى مع أبسط المبادئ الإنسانية، لتدفع عدد من الفتيات أرواحهن ثمن لاختيارهن فيما يخص الارتباط بالجاني أو مواصلة الحياة بدونه.
والتقرير التالي محاولة للتعرف أكثر على تفاصيل واحدة من الجرائم، من خلال لمس الحياة التي كانت تعيشها الضحية قبل قتلها ومعها طفلها، فضلاً عن مناقشة أسباب ارتفاع وتيرة هذا النوع من رد الفعل في العلاقات زوجية كانت أو عاطفية.
ولأن جريمة القتل باتت قرينة الرفض راحت الكثيرات تبحثن عن أدوات الحماية، بينما اضطرت أخريات مواصلة الحياة في كنف أزواج معنفين لعدد من الأسباب واحد منها الخوف من المستقبل، والمصير العنيف الذي قد تلقينه، وأيضاً من أجل الأطفال وغيرها من الأمور.
قتل زوجته لأنها طلبت الطلاق
قالت المحامية شيماء حسن، إن مشهد قتل النساء متكرر ولأسباب تتعلق بالتنشئة البيئية والخلافات الزوجية أو الزواج القسري، فضلاً عن تعاطي أنواع من المخدرات المختلفة التي تؤثر على أداء الأفراد وقراراتهم، وأيضاً مما كان له دور كبير في رفع معدل تلك الجرائم خاصة الموجه منها صوب النساء هو اعتبارهن واحدة من الفئات المهمشة والمستضعفة في كثير من المجتمعات.
وعن القضية التي تعمل عليها شيماء حسن في الوقت الراهن قالت إنها تتعلق بالذكورية ومسألة الرفض، وهو الأمر الذي أودى بحياة امرأة وطفلها لكونها رغبت في الخلاص من ارتباطها بالزوج، وسلك المسار القضائي للحصول على حقوقها القانونية.
وبينت أن "الأسرة مكونة من زوج وزوجة وطفلين، والضحية هي زوجة عانت بسبب إدمان الزوج، وعدم إنفاقه على الأسرة، فضلاً عن عدد من الممارسات منها الضرب والتعنيف بمختلف صوره، مما دفعها لترك المنزل أكثر من مرة، بل وتحرير محاضر على إثر إصابتها جسدياً بشكل متكرر".
وروت أن الزوجة كانت تترك منزلها مصطحبة طفلها إلا أن أسرتها سرعان ما كانت تعيدها للزوج، حتى في المرة التي سبقت قتلها عندما تشاجرا بعد أن سرق المال الذي عملت للحصول عليه، وهنا قررت الذهاب بلا عودة، ورفع دعوى خلع ونفقة للأطفال.
وأوضحت المحامية شيماء حسن أن "الزوج اعتبر قرار الزوجة الانفصال عنه وحماية مستقبل أطفالها خرقاً لكرامته، وتحرك منتصراً لذكوريته، فخطط جيداً وذهب للزوجة في مقر عملها، وسدد لها نحو 12 طعنة، وللأسف كان طفلها بصحبتها ولم يتردد الزوج في قتله حتى لا يبقى شاهداً على جريمته"، مضيفةً أن كاميرات مقر العمل كشفت الجريمة والأسوأ في تقدير المحامية أنه قد تقرر توقيع الكشف الطبي على القاتل وانتهى الأمر بأنه بكامل قواه العقلية وأيضاً غير متعاطي لأي مخدر حين ارتكابه لجريمته.
إجراءات التقاضي والعدالة المنقوصة
وكشفت شيماء حسن أن في هذه القضية طلب إعلان حصر الإرث، ورغم أن القانون يمنع القاتل أن يرث ضحيته إلا أنه لم يصدر بشأن القاتل أي حكم من هذا القبيل وبالتالي سيكون من الورثة، كما أن الولي الشرعي على الطفلة المتبقية من هذه الأسرة هو الجد للأب وهو ما يعرض مستقبل الطفلة للخطر؛ لكونها ستعيش في أسرة ترى في أمها سبب ما آلت إليه نهاية ابنهم وبالتالي سيصبح مستقبلها مهدد.
وأضافت أن هناك قصور في العدالة ولابد من مناهضة العنف بإجراءات تشريعية تضمن للمرأة الدخول لبيت الزوجية بشكل آمن والخروج منه كذلك، وهو الأمر الذي تعمل عليه المؤسسات النسوية والمجتمع المدني من أجل إصدار قانون موحد لمناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي.
واعتبرت أن مثل هذه الإجراءات توحي بأن القضاء غير عادل بفعل الإطالة في الدعوى لسنوات، وهذا أثر سلباً على فكرة اللجوء للتقاضي في عدد من القضايا الأخرى وعلى رأسها الاغتصاب الزوجي.
تكاتف مجتمعي ومواجهة تشريعية
من جهتها اعتبرت نائب رئيس قسم التحقيقات في جريدة الدستور، سمر مدحت، أن القتل بات منتشراً في الفترة من 2020 وحتى العام الجاري 2023، وأصبحت مسألة الرفض تقابل بالقتل ولم تعد هناك أي جرائم كالاعتداء بالضرب مثلاً أو التهديد، كما كان يحدث في الماضي وهو مؤشر على ارتفاع معدل العنف وحدة ردود الأفعال.
وأضافت أن هناك تبريرات يجب أن تتم مواجهتها كمقولة "ومن الحب ما قتل"، وهو ما يجب تصحيحه ووضعه في قالبه الصحيح بأنه عنف مستند على النوع الاجتماعي يحتاج لأدوات تحمي النساء من الوقوع ضحايا له، معتبرةً أن عدد من النساء بتن خائفات من نتائج الرفض، وأرجعت السبب في ذلك للقانون، مؤكدةً أن "عدم وجود ردع قانوني للمجرمين أدى إلى استهتار بأرواح الضحايا خاصة أبناء العائلة الواحدة لكونه يندرج ضمن العنف الأسري والغير محسوم قانونياً بمواد وعقوبات واضحة".
وأكدت أن ارتفاع وتيرة العنف مؤخراً تعود أيضاً لتبرير المجتمع وقبوله بالممارسات التي تنال من النساء ومن حقوقهن المشروعة، ووصم من يحاولن رفض العنف الأسري وتقديم شكوى ضد معنفها حتى من المسؤولين عن تلقي شكاوى العنف الأسري.
وشددت على أهمية العدالة الناجزة كونها واحدة من الأمور التي يجب أن يتم العمل من أجل تعميمها وعدم اقتصارها على الحالات الفردية كما حدث في قضية نيرة أشرف أو في قضايا الرأي العام والترند.
وعن دور المجتمع المدني والنسوي أكدت سمر مدحت، على ضرورة التكاتف من أجل تغيير الثقافة السائدة والمتعلقة بفرض الوصاية على النساء، فضلاً عن أهمية الضغط من أجل استصدار قانون موحد لمناهضة العنف ضد المرأة وهو أمر يحتاج لتدخل من جميع المعنيين بما في ذلك البرلمان المصري، بالإضافة لوضع توصيفات واضحة للعقوبات الخاصة بالممارسات التي تنال من حقوق النساء وتهدد حياتهن.