متهمة باستهداف حقوق المرأة... الدراما التونسية تحت المجهر

أثارت المسلسلات التونسية الرمضانية جدلاً واسعاً، واتهامات لها بانتهاك حقوق المرأة ومكاسبها والتشريع للعنف المسلط ضدها

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ أثارت المسلسلات التونسية الرمضانية جدلاً واسعاً، واتهامات لها بانتهاك حقوق المرأة ومكاسبها والتشريع للعنف المسلط ضدها، وطرحت مواضيع تجاوزها الزمن في تونس على غرار الزواج العرفي.

خلفت المسلسلات التونسية التي عرضت خلال شهر رمضان خاصةً، استياءً كبيراً في صفوف المجتمع التونسي باختلاف شرائحه، وندد المجتمع المدني النسائي بمحتوى هذه المسلسلات التي تستهدف حقوق النساء ومكاسبهن، وفقاً لوجهة نظر الناشطات اللواتي ناضلن من أجلها لسنوات طويلة، فيما تعالت أصوات تطالب الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري بالتدخل لوضع حد لمثل هذه المسلسلات.

قالت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي لوكالتنا "نحتاج إلى أعمال درامية وفنية لتغيير واقعنا والحد من الظلم تحت أي شكل من الأشكال، ولا نحتاج لمن يعيدنا إلى الماضي الذي تجاوزناه بالنضال لسنوات".

وأضافت "ما تبثه الدراما التونسية هو انتهاك لحقوق النساء، وإذلال لهن وعنف في أبشع مظاهره، فالمرأة التونسية تخطت كل ما ترويه المسلسلات، وأصبحت تتطلع إلى أعلى مناصب صنع القرار، وحققت العديد من النجاحات في جميع المجالات"، لافتةً إلى أن المسألة لا تتعلق بطريقة التناول الدرامي وإنما بطريقة التفكير والقناعات، إضافةً إلى وجود سياسة واضحة لضرب مكتسبات المرأة التونسية.

وعن قضية تعدد الزوجات التي سلطت الدراما التونسية الضوء عليها ولفتت الانتباه إلى موافقة المرأة على زواج الرجل بثانية، والتي تعد مخالفة للمادة 18 من مجلة الأحوال الشخصية التي تنص على أن تعدد الزوجات ممنوع وأن كل من تزوج وهو في حالة الزوجية يعاقب بالسجن لمدة عام مع دفع غرامة مالية، قالت الناشطة في المجتمع المدني إيهاب الطرابلسي "أريد أن أذكركم بقصة أروى القيروانية التي أعجب بها أبو جعفر المنصور ورغب في الزواج منها، وذلك عندما جاء إلى القيروان هارباً من بطش الأمويين، ووفر له والدها سكناً فاشترطت على الرجل في ذلك الوقت بألا يتزوج عليها ولا يتخذ غيرها خليلة، ومنذ ذلك التاريخ أصبح لدينا عقد قران قيرواني يمنع الرجل الزواج بثانية".

وأوضحت أن الذي يستهزئ اليوم بهذه الأفكار، سيأتي يوم ويندم فيه على موقفه، لأن تدمير الشعوب لا يحصل فجأة، إنما يمر عبر مراحل منها التلفزيون والدراما التي تدخل البيوت دون استئذان، وتترسخ مشاهدها في العقل الباطن لدى المتلقي، وبالتالي فإنه سيقوم بنسخ ما جاء فيها سواء بالإيجاب أو بالسلب.

 

"الدراما هي انعكاس للواقع"

من جانبها قالت الممثلة آمال علوان لوكالتنا "الدراما هي انعكاس للواقع، وما أثارته المسلسلات التونسية ليس بغريب عنا فمثلاً الزواج العرفي والعنف المسلط ضد المرأة من الظواهر الموجودة في البلاد، وارتفعت نسبتها بعد عام 2011"، موضحةً "في مجتمعنا هناك من يربط علاقات عن طريق المعاشرة الحرة أو الزواج العرفي، فالدراما تتحدث عن الواقع، فلعل "براءة" سوف يأخذنا إلى الانعكاسات السلبية من كل ما تم تقديمه".

وأضافت "شخصياً ليس لدي إشكال في طرح كل الظواهر المسكوت عنها في تونس إذا كان الهدف هو العلاج"، لافتةً إلى أن "المرأة هي القادرة على صناعة نفسها إما إيجاباً أو سلباً أي أنها تتمتع بجميع الآليات والوسائل التي تحميها وتوجهها عبر التوعية والتحسيس سواء من قبل الإعلام أو الفضائيات أو الإنترنت، وعدم ربط حياتها برجل بل على العكس السعي وراء تحقيق التمكين الاقتصادي واستقلالها المادي الذي يحول دونها ودون الرضا بحياة الذل والهوان عندما تكون متزوجة برجل متسلط".

واستدركت قائلةً إنه "للأسف هناك من النساء من تضع نفسها موضع الجارية وتقبل بكل شيء، ولا تحاول التغيير من وضعها وهي بالتالي المسؤولة الأولى عن إنقاذ نفسها من جميع أشكال العنف والانتهاكات التي تسلط ضدها".

بدورها ترى الشاعرة والكاتبة مليكة العمراني أن ما تطرحه الدراما التونسية في السنوات الأخيرة هو عودة بالمرأة سنوات إلى الوراء، وذلك في ظل ما تعيشه تونس من مخاض عسير على جميع المستويات الاقتصادي والسياسي والثقافي، وما تعيشه من منعرجات من بينها التغير الواضح في القيم الأخلاقية في مجتمع يعد تاريخه الاجتماعي والثقافي مشرفاً وجميلاً، خاصةً في كل ما يتعلق بالحقوق والتشريعات التي سنتها الحكومة التونسية ومجلة الأحوال الشخصية منذ حوالي نصف قرن.

وتساءلت "هل نسي هؤلاء الذين يريدون انتهاك حقوقها بصفة ممنهجة أن المرأة التونسية هي ناشطة وربة أسرة ومحامية وكاتبة وشاعرة ومضيفة طيران وسائقة حافلة وميترو وطائرة ومفكرة من الطراز العالي؟، ولكن للأسف المسلسلات تروج للعنف وللحط من قيمة المرأة الكادحة والمثقفة".

وأضافت "نحن نشخص الواقع الدرامي بكل موضوعية، وجميعنا يعلم الدور الكبير الذي تقوم به وسائل الإعلام في صناعة الرأي العام والفكر، وفي التأثير على عقل الشخص البسيط"، لافتةً إلى أنه من خلال تعاملها مع شريحة النساء الكادحات أو المثقفات في مراكز صنع القرار، لاحظت رفضهن لما يقع الترويج له إعلامياً لأن هذا لا يليق بهن دون الدخول في التفاصيل خاصةً أن العنف يؤثر على علاقتهن بأزواجهن وأطفالهن والمحيط الذي يعشنَّ فيه، وترى أنه من المفروض ألا نعود إلى الوراء بل نتقدم بالأم والأخت والزوجة إلى الأمام فالمرأة أصبحت تتقلد مراكز صنع القرار بنزاهتها وعلمها وعملها.

وفيما يتعلق بالمقترحات الممكنة أكدت مليكة العمراني على ضرورة مراجعة استراتيجيات العمل الإعلامي والدرامي في سبيل الخروج بالمجتمع من مستنقع العنف، والتقليل من الجريمة، وإصلاح ما يجب إصلاحه قبل فوات الأوان.

 

"طرح مريب وصادم"

وقالت الكاتبة والناقدة هيام فرشيشي أن "الأسئلة التي تطرح أمام المخرج والمشاهد على حد سواء هي كالتالي، هل تتحرك الدراما ضمن الأطر القانونية والقيم الاجتماعية؟ وهل أساءت بعض الشخصيات الروائية التي تحولت إلى دراما لصورة المرأة، أم أنها تنبه لخطورة وضع المرأة؟ وبذلك تبلغ رسالة واضحة للمتلقي للنظر إلى المسكوت عنه، أو الزوايا العاتمة التي يجب عدم إثارتها".

وأضافت "نطرح هذه الأسئلة ونحن ندرك أن القدرة على إثارة هذه المواضيع قد تحمل صاحبها إلى مصاف العالمية، على غرار نجيب محفوظ من خلال ثلاثيته، وشخصية سي السيد التي تحولت إلى شخصية درامية تفضح صورة الرجل الشرقي، ووضعية المرأة الهشة، وقد كانت رسالة فنية لا غبار عليها".

وبالعودة إلى الدراما التونسية وتحديداً مسلسل "براءة" و"حرقة"، قالت هيام فرشيشي "ما لاحظناه أن "براءة" قد أثار الانتقاد من الجميع، من المشاهد العادي إلى النخب، ووزارة المرأة، والاتحاد النسائي، من خلال هيمنة شخصية "سي وناس" وقضية الزواج العرفي، وخضوع الزوجة والعشيقة للواقع لأن المرأة تعيش وضعاً هشاً".

وأوضحت "في الحقيقة ما أثاره هذا المسلسل هو إخراج صورة العشيقة أو الزوجة الثانية خارج القانون إلى الواجهة، ولم تعد ممارسة مسكوت عنها في نطاق النفاق الاجتماعي، بل ألبسها لشخص متدين خاضع لمقولة شعبية "اعمل الفرض وانقب الأرض". وهذه الرؤية الصادمة قد تكون مقنعة للمشاهد بكل أطيافه إن صارح الزوج زوجته بعلاقة خارج القانون، لكن استعمال كلمة "الشرع" في بلد القانون الوضعي ومجلة الأحوال الشخصية أستقبل على أنه استفزاز صريح".

وأشارت هيام فرشيشي إلى أن إثارة الموضوع في مثل هذا الوقت بدا أمراً مريباً وصادماً في الوقت الذي خاضت فيه المرأة معاركها ضد الهيمنة الذكورية تحت مسميات عديدة، وتشبثت بمكتسباتها القانونية وصورتها المستقلة، "من جانب آخر نجد أن مسلسل "حرقة" قد صور انتهاك حقوق الإنسان والمرأة على حد سواء، وإن صور نضال المرأة اليومي وهي تعمل في محطات القطار أو مصب النفايات، فإنها تعاني من الاستغلال الجسدي في ايطاليا لأن وضعيتها هشة، وبالتالي نرى أن وضعية المرأة الهشة تم تناولها درامياً".

وأضافت هيام فرشيشي "ما هي رؤية المخرج/ة وراء الكاميرا في تصوير المرأة؟ وما هي لمساته الفنية؟ أليست للمخرج عين رسام أو عين شاعر؟ أليست الكاميرا مرآة الفكر؟ هل بحث المخرج وكاتب النص عن مكامن القوة في المرأة مهما كانت الوضعية الهشة التي تعيش فيها؟ هذا ما لمسناه في مسلسل "حرقة" على الرغم من غياب المكياج والملابس الجميلة؛ فإن التعبيرات كانت من خلال استنطاق المشاعر ودلالات الألوان واللقطات القوية".

وأكدت أن الأعمال الدرامية التي تدمر سيرورة المجتمعات وتسخر منها، من الطبيعي أن تقابل بالانتقاد، في حين أن الأعمال الدرامية التي تبرز معاناة المرأة تكون قد أيقظت الضمائر للانتباه لما تعيشه رغم تطور القانون؛ "هناك واقع درامي يتسلل إلى روح المشاهد، ويشحنه بالعاطفة والمشاركة النفسية، وتثير كل تعبيرات الحزن والبكاء والفرح، أما السطحية فهي تطرق أبواباً موصده، ومهما كانت اجتهادات المخرج لشد الجمهور بكل الأساليب الفنية والتجارية الممكنة، عليه أن يدرك أن أكبر الأفلام العالمية عملت على الالتحام الروحي للمرأة وهي ترمم انكساراتها وتنهض".

وقالت الإعلامية والنقابية صابرة طرابلسي لوكالتنا "لم أتابع المسلسل الذي طرح الزواج العرفي هذا العام، وخلق ضجة كبيرة وانتقادات له، ولكن شاهدت بعض الحلقات أو المشاهد من منطلق الفضول، فلم أجد غير المشاهد الجريئة إلى جانب الطرح الدرامي الذي مس من صورة المرأة التونسية التي قدمها المسلسل على أنها امرأة ذليلة وضعيفة، وإدخال مفاهيم رجعية كالزواج العرفي الذي وإن حدث في مجتمعنا لكن لا يشكل ظاهرة بل حالات معزولة ويجرمها القانون التونسي".

وأشارت إلى أن الأخطر من ذلك تقديم الزواج العرفي كان تحت غطاء ديني دون الاستناد لحجة واضحة، وهذا يمكن أن يمرر رسائل مبطنة للمشاهد على أن هذا الأمر مشروع، ويمكن أن يكون له تأثير عليهم خاصةً الفئات الهشة، وبالرغم من أنه تم طرح فكرة الزواج العرفي في مسلسل "يوميات امرأة"، إلا أنه كان مختلفاً تماماً لأنه قدم هذا النوع من الزواج على أنه غير قانوني، وتم إبراز تداعياته على الأسرة.

وانتقدت جمعية "أصوات نساء" ما جاء في مسلسل "براءة" على صعيد المحتوى والفكرة وتساءلت "هل يجهل صاحب المسلسل أن بلادنا تسير على قانون عمره 60 عاماً يجرم الزواج العرفي وتعدد الزوجات؟ وهل يجهل بأن الزواج العرفي وتعدد الزوجات هو نوع من أنواع العنف ضد النساء؟ وهل يجهل أن الأعمال الفنية يجب أن تسلط الضوء على القضايا المجتمعية بنظرة نقدية واصلاحية تتقدم بالمجتمعات؟ وأن طرح مواضيع بهذه الطريقة السطحية هو تطبيع مع ثقافة الإفلات من العقاب، وختمت بأنه إن كان هو يجهل ذلك فنحن هنا لنذكره".