مشروع تنقيح مرسوم 88 المتعلق بتنظيم العمل الجمعياتي يغضب النسويات

أحدثت تصريحات رئيس تونس قيس سعيّد بخصوص دعوته إلى إحداث تنقيح في المرسوم88 المتعلّق بتنظيم عمل الجمعيات وبخاصة مصادر التمويل

زهور المشرقي

تونس ـ أحدثت تصريحات رئيس تونس قيس سعيّد بخصوص دعوته إلى إحداث تنقيح في المرسوم88 المتعلّق بتنظيم عمل الجمعيات وبخاصة مصادر التمويل، ضجة واسعة في صفوف المجتمع المدني الذي يتغذى من تلك التمويلات لاستمرار نشاطه خاصة أن الدولة لا توفر له الدعم الكافي للاستمرارية.

عبّرت الجمعيات الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق النساء عن استنكارها لنوايا التنقيح، معتبرة أن هذا المشروع فيه مسّ بحرية العمل الجمعياتي وانتكاسة تطال حريات المجتمع المدني، وشددت الجمعيات على أنها لن تسمح بتمرير هكذا مشروع يتعارض مع مكاسب الثورة، وأن التمويلات الأجنبية مشبوهة بحكم أجندات القائمين عليها وتمس من سيادة البلاد.

وتعتبر رئيسة جمعية "ارتقاء" النسوية ليلى الشابّي أن كل الجمعيات التي تتميز معاملاتها بالشفافية تنادي بالمراقبة المالية، لافتة إلى أن المشروع الرئاسي المقترح سيوقف عمل الجمعيات التي تتلقى أموالاً مجهولة المصدر، بينما جمعيات كثيرة لن تتضرر لأنها تعرف ملياً كيفية الحصول على الأموال بطرقها الملتوية، معتبرة أن الجمعيات التي  تمر معاملاتها المالية عبر البنك المركزي هي التي سيُعرقل عملها، مشددة على أن البنك المركزي لا يقبل تلك الأموال إلا بعد تقديم الجمعية المنتفعة الوثائقَ الرسمية اللازمة والعقد الموقع مع الجهة الممولة، أي بكل الضمانات القانونية دون أي تلاعب.

وأشارت إلى أن تلك الأموال تتحول إلى حساب الجمعية بعد تحقق البنك المركزي من مصادرها وهدفها، معتبرة أن  الرئيس قيس سعيّد حين تحدث عن التنقيح وضع كل المجتمع المدني في حقيبة واحدة وهو أمر غير مقبول، ولفتت إلى أن التونسيين يعرفون جيداً الجمعيات التي تعمل تحت غطاء سياسي وتسعى إلى توجيه الرأي العام لتبييض أحزاب معينة ودعهما في مختلف المحافل الانتخابية، ولتبييض الإرهاب أيضاً وهو أمر مكشوف للعموم.

وقالت ليلى الشابّي أن المرسوم من الممكن أن يحد من عمل الجمعيات "وفروا لنا المال العمومي كجمعية نسوية مدنية نعمل من أجل تحسين واقع المرأة الريفية التونسية على الحدود الجزائرية.. وفروا لنا الحد الأدنى من التمويل العمومي وحينها لن نكون في حاجة إلى ممول أجنبي لضمان استمرارية عملنا في دعم الدولة والارتقاء بوضع النساء والأطفال واليافعين ومختلف الفئات".

وتحدثت عن افتقار بعض الجمعيات إلى مقرات عمل ما يضطرها إلى استأجار مقر للعمل بمالها الخاص، منددة في الوقت ذاته بالتضييق على الجمعيات التي تعمل في إطار الشفافية والوضوح التام لمصادرها.

واعتبرت أن المرسوم 88 هو مرسوم ثوري، ناضل من أجله المجتمع المدني وجاء بعد الثورة، ومع ذلك نحن مع وضع آليات مراقبة للتمويل.

 

 

ومن جانبها، ترى نائبة رئيس جمعية "إبصار" بسمة السّوسي، أنّ الخطورة تتمثّل في ذكر عبارة "منع السماح بالتمويلات الأجنبية" للجمعيات الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق النساء والبيئة وذوي الإعاقة، ما قد يعطّل مبدأ الاستمرارية في العمل لاعتبار أن تلك المساعدات قد تكون عاملاً مساعداً للدولة في دعمها من خلال بعث المشاريع ومساعدة مختلف الفئات وتمكينها اجتماعياً واقتصادياً، مشددة على أهمية المراقبة التي هي أمر طبيعي في إطار الشفافية وهي أيضاً مطلب جمعياتي منذ فترة، معتبرة أن منع التمويل سيفقد النجاعة لنشاطات الجمعيات.

وأضافت "كناشطة نسوية وحقوقية مهتمة بالنساء ذوات الإعاقة يعتبر هذا المجال مكلفاً، ومنع التمويل الذي تحدث عنه الرئيس، يُعدّ حرماناً للجمعية من العديد من الأعمال التي تقوم بها على مدار سنوات في مساندة لمبادرات البلاد ومساعيها إلى تمكين أصحاب الإرادة".

وشددت بسمة السّوسي على أهمية المراقبة والمحاسبة والمتابعة وتحسين الواقع عبر مراقبة كيفية صرف الأموال المتلقية من الخارج حتى لا يقع هناك خلط ويتمّ الزج بالجمعيات الناشطة والمكابدة من أجل الدفاع عن قضايا مجتمعية وتنموية مع جمعيات أخرى تسعى إلى نشر الفوضى وتتعارض مع الأمن القومي وسلامة الوطن وتعمل وفق أغراض منافية للقانون التونسي.

وأكدت أنه "حين يقع منع الجمعيات من التمويل سيتم الحد من جزء كبير من نشاطاتها التي تسعى عبرها إلى رفع قدرات وكفاءات ذوي الإعاقة مثلاً إلى جانب النساء ومساعدة الأطفال.. فالمحاسبة مطلوبة ولكن لا للمنع".

وأكّدت مجموعة من المنظمات والجمعيات وفي بيان لها، نشر في 4آذار/مارس، على حرصها على الأوضاع السياسية في 25 تموز/يوليو 2022، معبّرة عن انشغالها العميق لما يُتداولُ حول مشروع تنقيح المرسوم 88 لسنة 2011 المُتعلّق بالجمعيات والذي يُعتبرُ مكسباً من مكاسب الثورة حيث عزّز دور المجتمع المدني ومكّن عدة جهات وفئات من بعث المشاريع وخلق مبادرات مواطنية في عدة ميادين وحوّل العديد من القضايا إلى محطات نضالية مُشرّفة عالمياً.

وأكدت المنظمات والجمعيات المُوقّعة على البيان، على تمسّكها بمكتسبات الثورة وخاصة منها المُتّعلقة بالحقوق والحريات، وشددت على دعوتها منذ الأيام الأولى لإعلان التدابير الاستثنائية إلى التشاركية والحوار واليقظة للتصدّي لكل محاولات ضرب الحريات والانفراد بالحكم.

كما جدّدت مطالبتها بدعم الإطار النضالي للدفاع عن حقوق الإنسان والمساواة تفعيلاً لتمسّكها بمواصلة النضال من أجل المساواة الفعلية والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية.

 وأضاف البيان "أنه بناءً على ذلك، فإن كل مشروع أو محاولة لتعديل المرسوم 88 يجب أن يتمّ بعد انتهاء حالة الاستثناء في شكل قانون أساسي، وأن يكون بمشاركة المعنيين به من منظمات وجمعيات في اتجاه تطوير مكتسبات المرسوم وليس بالتراجع عنها، ليكون مستجيباً لمعايير حرية التنظّيم وتسهيل تكوين الجمعيات بصفتها أهم الأطر الاجتماعية للمواطنة والمشاركة الشعبية".

في المقابل ترى أطراف سياسية تونسية أن منع التمويل عن الجمعيات قرار ناجع للتصدي للتمويل الأجنبي الذي أغرق البلاد منذ الثورة وخاصة تلك الجمعيات "الإخوانية" والقوى الظلامية التي تتلقى تمويلات مشبوهة هدفها بث الفوضى وتمرير أجندات مشبوهة.