منهم الطاهر الحداد والقائد أوجلان... رجال ناصروا المرأة وانتزعوا حقوقها
في التاريخ النسوي توجد محطات نضال كثيرة قادها رجال فكر ومعرفة آمنوا بمكانة المرأة وبضرورة انتزاع حقوقها ومنهم قاسم أمين في مصر والطاهر الحداد في تونس والقائد عبد الله أوجلان في كردستان.
نزيهة بوسعيدي
تونس ـ في الوقت الذي تعاني فيه المرأة بجميع بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط من العقلية الذكورية والسلطة الأبوية، كان هناك رجال على مر التاريخ في حالة حرب مستمرة مع هذه العقليات ومع الفكر المجتمعي الذي لا يحترم عقل المرأة وقدراتها ويراها مجرد تابع للرجل.
من الأسماء البارزة في تونس وظلت عالقة بأذهان التونسيين نجد الطاهر الحداد الذي كفره المحافظون عندما طالب بحرية المرأة ولكنه صمد وواجه الفكر الذكوري، متجاهلاً كل ردود الأفعال الموجودة وعلى نفس الخطى واصل الحبيب بورقيبة الرئيس الأسبق لتونس ودفع إلى حرية المرأة بالتعليم المجاني والرعاية الصحية بالتنظيم العائلي ووضع قوانين ثورية بمجلة الأحوال الشخصية في ذلك الوقت على غرار منع تعدد الزوجات.
جليلة طريطر أستاذة تعليم عالي في الآداب والحضارة العربية، قالت إن الحديث عن رجال ناصروا المرأة "يجرنا إلى التاريخ العربي الإسلامي عموماً حيث نذكر في مصر الطهطاوي ومحمد عبو وقاسم أمين وفي تونس بعد ثلاثين عام نتحدث عن الطاهر الحداد".
وأوضحت أن "الوثائق المتوفرة اليوم تحتاج إلى قراءات تاريخية لأن القراءة التاريخية هي القاعدة ثم نذهب شيئاً فشيئاً إلى طبقات أخرى من التحليل"، وكناقدة قالت "لا أستطيع أن أبدأ كتاباتي من المخطوطات مثلاً فأنا أحتاج إلى أرضية تاريخية وإلى أرضية تحتوي على ترابطات تاريخية لابني عليها تحاليلي التي تستنير بمنهجيات حديثة".
سياقات عامة
من جانبها اعتبرت الأستاذة الجامعية والباحثة والناشطة النسوية درة محفوظ، أن الطاهر الحداد يعتبر حلقة من السلسلة التحديثية وأفكاره رسمت طريق التقدم أمام النساء والمجتمع وأسست الأرضية الأيدلوجية لتغيير أوضاع المرأة وللقيام بالإصلاحات التحريرية وفي مقدمتها مجلة الأحوال الشخصية.
وقالت إنه يُعدّ منارة للتونسيات وخاصة المنتسبات للحركة النسوية، ومنهن المناضلات المنتميات لـ "النادي الثقافي الطاهر الحداد"، مشيرةً إلى أن هناك العديد من الرجال الذين لعبوا دوراً كبيراً في إخراج المرأة من الوضع التي كانت عليه، موضحة أن هؤلاء الرجال نجدهم في مجالات متعددة، مثل السياسة والتعليم والسينما والأدب والرياضة.
وقالت إنّه يُعدّ منارة للتونسيات، ولا سيما المنتسبات للحركة النسوية، ومنهن المناضلات المنتميات إلى النادي الثقافي الطاهر الحداد. وأشارت إلى أنّ هناك العديد من الرجال الذين لعبوا دورًا كبيرًا في إخراج المرأة من الوضع الذي كانت عليه، موضحةً أنّ هؤلاء الرجال نجدهم في مجالات متعددة، مثل السياسة والتعليم والسينما والأدب والرياضة.
ولفتت إلى أن هؤلاء الرجال منهم من كانت لديهم أشياء داخل ذواتهم جعلتهم يرغبون في مناصرة المرأة لكن هناك أيضاً السياق العام الذي لعب دوراً كبيراً مثلاً وجود ثورة وجود تعبئة سياسية لتحصل البلاد على الاستقلال، هناك إصلاح معين من رجال يتحدثون على لسان النساء ويعبرون عما هو موجود في محيطهم.
واستحضرت درة محفوظ تجربتها حين تولّت مسؤولية نقابية، وكانت أول امرأة في نقابة التعليم العالي، لكنها لم تتجرأ على إلقاء كلمة إلا بعد مرور أربعة أشهر، رغم كونها أستاذة اعتادت على التدريس والخطابة أمام الطلبة، موضحةً أن الرجال الذين مرّوا بتجربة السجن حرصوا على تدوين سيرهم الذاتية، في حين أن النساء اللواتي عشن التجربة ذاتها لم يكتبن عنها، وهو ما يفسر هيمنة الرجال على كتابة التاريخ وغياب النساء عنه.
كما أشارت إلى أن عصر الحداد شهد وجود نساء مناضلات في سبيل الدفاع عن حقوق المرأة، لكن جهودهن لم تُوثّق ولم يُعترف بها، سواء في زمن الحداد أو في عهد بورقيبة، مشيرة إلى أن "المرأة غالباً ما يُنظر إليها بانتهازية، إذ يتم استدعاؤها فقط عند موجات الحداثة أو خلال الانتخابات".
وحول بعض الأسماء التي ناصرت المرأة في بلدان عربية، قالت "هناك أسماء العديد أذكر منها سعد الدين إبراهيم في لبنان كان له مجلة الوحدة العربية كان مفكراً كبيراً ويشجع الكتابات النسائية وفي مصر نجد قاسم أمين والطهطاوي وسعد زغلول وحتى يكون الرجل نصيراً للمرأة بإعداد أكبر قالت يجب التركيز على التربية والتعليم لأنها إلى الوقت الحالي الكتب المدرسية لا تختار كتابات نسائية رغم توفرها في كل المجالات".
الذكورة الإيجابية
قالت الناشطة النسوية على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سلوى قيقة "لنا في ترسيخ مفهوم الذكورة الإيجابيّة ما يمكن أن يحقّق المساواة الفعليّة، لأنّ حقوق الإنسان لا تتجزأ"، مضيفةً أن الأمثلة في هذا المجال متعدّدة، من الطاهر الحدّاد في تونس، إلى الكاتب الجزائري سعيد جنيت الذي أشادت بمواقفه رئيسة أثيوبيا السابقة سهلورق زودي، عند صدور كتابه بعنوان "Carnet de Maputo ou ma Lettre d’amour à la femme africaine " أي "مذكّرات مابوتو أو رسالتي العاطفية إلى المرأة الإفريقية". وقد أكّد فيه على ضرورة ترسيخ مفاهيم المساواة والتناصف والعمل المشترك من أجل بناء الأمن والسلم في الحياة الخاصّة والعامّة.
ومن الأقوال المأثورة كما أوضحت ما صرّح به رئيس رواندا بول كاغامه في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 "حين تفوز النساء، يفوز الجميع ولا يخسر أحد"، وقالت في سياق متصل "والمثال الأبرز في منطقة الشرق الأوسط، نظراً لسيطرة العقليات الذكورية الرجعية، وطغيان النزعة العروبية التي لا تعترف بالاختلاف والتنوّع العرقي والديني والثقافي، هو القائد عبد الله أوجلان الذي وسمه محامي الزعيم نيلسون منديلا السيد عيسى موسى، بمنديلا الشرق الأوسط، وقد وسمه الفلسطينيون الذين حضروا لقاء في عام 2016 نظم بمدينة السليمانية في إقليم كردستان، بشقيق الزعيم ياسر عرفات، لأنه من ضحايا المخابرات الإسرائيلية.
لذلك، فإنّ محاولات طمس إشعاع الفكر التقدّمي في المنطقة يجعل شخصيّة القائد أوجلان غير بارزة، وتؤكد سلوى قيقة أن "من دورنا التعريف بهذا السياسي الذي يحمل فكراً تقدّميّاً يسعى إلى تحقيق الإنسانيّة بعيداً عن الفئويّة الضيقة الطاغية على المنطقة".
وأوضحت أن عبد الله أوجلان مفكر، فيلسوف اجتماعي سياسي، يحمل رؤية استراتيجيّة للمنطقة، يعتبر أنّ تحرّر الشرق الأوسط هو رهين إرساء الديمقراطيّة الفعليّة وتحرّر النساء، لذلك فإنّ رؤية القائد أوجلان تعتبر تهديداً للعقليات الأبويّة الذكورية الرجعية من جهة وللمصالح الغربية الساعية إلى السيطرة من خلال القمع الاجتماعي، من جهة أخرى.
وأكدت أن ذلك ما يفسّر معاناته وما يسلط عليه من إجراءات تعسفية في معتقل بجزيرة إمرالي بتركيا منذ عام 1999، وإلى الآن ضمن سجن انفرادي، معتبرة أنه رغم ما يسلط عليه من تعسف، بقي عبد الله أوجلان قائداً لجميع الشعوب في مختلف المناطق الكردية التي تم تقسيمها وفق معاهدة سايس بيكو 1916، ومعاهدة لوزان في 1923 بين (سوريا والعراق وإيران وتركيا).
وما هذه الخطّة في تقسيم كردستان إلا طريقة لضرب قوّة استراتيجية في المنطقة التي تسيطر عليها القوى الإمبريالية العالمية، مضيفةً أن السجن لم يمنعه من إصدار عدد مهم من المؤلفات، منها الأمة الديمقراطية، المؤامرة الدولية في هذا القرن، ومجموعة مجلدات مثل مانيفستو الحضارة الديمقراطية (1 ـ2ـ 3 ـ 4ـ 5).
وهي كما توضح مجموعة من المراجع في مختلف المناطق التي تعمل في الميادين القانونيّة والاجتماعية والسياسيّة والثقافيّة وفق نظرة موحّدة أساسها الحريّة والديمقراطيّة والمساواة الفعليّة والكرامة الإنسانيّة. وفي ذلك ما يفسّر من بين تطبيق هذه المبادئ مثلاً اعتماد الرئاسة المشتركة بين النساء والرجال أو اعتماد قانون المساواة في الميراث بين المرأة والرجل.
وخلصت إلى القول بأن الرؤية الاستراتيجية الواضحة في جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية هي أساس بناء الأمن والسلم وتقدم العلاقات بين الأفراد والمجتمع.
واختمت الناشطة النسوية سلوى قيقة حديثها بالتأكيد على "أهمية العمل على تغيير العقليات من خلال الحملات التوعوية عبر وسائل الإعلام وبرامج التربية والتعليم".