من يحمي الضحايا من عصابات الابتزاز الإلكتروني؟

أطلقت أغلب المؤسسات النسوية مؤخراً حملات توعوية للفتيات لمواجهة الابتزاز الإلكتروني وعدم الاستسلام له تحت شعار "لا نهاية للابتزاز"

أسماء فتحي

مصر ـ أطلقت أغلب المؤسسات النسوية مؤخراً حملات توعوية للفتيات لمواجهة الابتزاز الإلكتروني وعدم الاستسلام له تحت شعار "لا نهاية للابتزاز"، وانطلق الحديث هنا وهناك ولكن أياً منهم كان يدرك حقيقة الواقع المؤسفة التي كشفت تفاصيلها أميرة علي وهي إحدى الفتيات اللواتي تعرضن للابتزاز، عانت ولم تصمت بل اتخذت المسار القانوني لنيل حقوقها.

أميرة علي هي تلك الفتاة التي تشجعت وذهبت تتحدث لمؤسسة المحاميات المصريات لاجئة إليهم لدعمها كي تتمكن من مواجهة المبتزين، وللوهلة الأولى سعدنا جميعاً بشجاعة الفتاة، وبدأ الحديث حول جرأتها ينتشر من أجل تشجيع غيرها على تلك الخطوة واتباع المسار القانوني لمواجهة الابتزاز، إلا أن الصدمة التالية وغياب العدالة أودى بها إلى المكوث في قسم الشرطة ليومين بجوار من قامت بابتزازها، وكأن وضعهما واحد لا فرق بين مجرم وضحية أمام القانون.

والصدمة التي خلفها هذا المشهد جعلت أميرة علي تتراجع عن الظهور الإعلامي وتخاف من وصمها بل سربت إلى قلبها بعض من اليأس ومزيد من الإحباط أيضاً، فالفتاة التي تشجعت وتقدمت بمحضر رسمي لتتبع الجاني ولم تستسلم للابتزاز باتت تقول بيأس شديد "من يحميني من الظلم والوصم ومن يعيد لأمي حقها بعد أن تم الاعتداء عليها"، وفي التقرير التالي سنعرض أحداث تلك الواقعة بالتقاطع مع البعد القانوني ووسائل الأمان الرقمي.

 

قصة أميرة كما ترويها

أوضحت أميرة علي في بداية سردها لقصتها مع الابتزاز الإلكتروني لوكالتنا، أن صديقتها أخبرتها أنها مريضة وتعاني من وجود بؤر سرطانية وهو الأمر الذي تقاطع مع فقدها لوالدها المتوفي بسرطان المعدة فلم تدخر جهداً لمساعدتها المالية التي وصلت لاقتراض ما يقارب من 200 ألف جنيه في نهاية المطاف وهو جملة ما ورثته عن أبيها، مشيرةً إلى أن صديقتها كانت تتهرب من سداد الدين.

ولفتت إلى أن الأزمة بدأت عندما احتاجت أموالها وألحت في سؤال صديقتها عن موعد السداد، ومن هنا فوجئت بأن صديقتها تحدثها عن وجود شاب يبتزها بعد سرقة هاتفها وتصدمها أن الابتزاز الإلكتروني مشترك لأنها قامت بتصويرها خلسةً وهددتها بنشر فيديوهاتها، في هذا الموقف تبلدت مشاعر أميرة علي وارتبكت وباتت جميع الأفكار تنهال عليها بين خوفها على أهلها ورفضها الخضوع للابتزاز مكررة "أنا ضحية فلماذا أستسلم وقطعاً القانون سينصفني".

ولفتت إلى أنها ذهبت لمؤسسة المحاميات المصريات لحقوق المرأة طالبةً الدعم، والتقت رئيسة المؤسسة هبة عادل والتي كما تروي "صدقتها ولم تضغط عليها بل وكانت وسيط وتحدثت لوالدتها في محاولة لطمأنتها قبل اللجوء لمباحث الإنترنت"، سالكةً المسار القانوني.

 

"نحتاج لمزيد من الإجراءات الاستثنائية"

أكدت المحامية بالاستئناف العالي وعضو مبادرة المحاميات المصريات آية معتمد، أن الابتزاز الإلكتروني جريمة وإن كانت الصور والفيديوهات المرفقة حقيقية، فالعقاب هنا على الابتزاز والتهديد به، مشيرةً إلى أن المشرع لم يشترط دعم الضحية وحمايتها قانونياً أن تكون الفيديوهات "مفبركة".

وأكدت على أن قطاع كبير من المجتمع يدعم المجرمين والمبتزين بسؤالهم عن صحة الصور من عدمها، مضيفةً أن المشرع اعتبر أن كل كلمة أو إيحاء ينتج عنه شعور الآخر بالخوف على السمعة يُعد تهديد، وهو نوعين واحد كتابي، واقترانه بطلب يجعل العقوبة تصل للسجن بنحو 20 عاماً، وأن لم يحدث طلب مقابل النشر تصبح العقوبة بالحبس لمدة لا تزيد عن عامين.

وعن النوع الآخر وهو التهديد الشفهي تؤكد أن المشرع اشترط وجود وسيط وهنا العقوبة لا تزيد عن عامين، مضيفةً أن أول الإجراءات التي يجب أن يتم اتباعها لحفظ الحقوق هو التوجه لوحدة مباحث الإنترنت وتحرير محضر هناك، لتأخذ مسارها حتى صدور التقرير الفني ومنه للنيابة ثم تحدد جلسة وتحجز الدعوى للحكم.

وأوضحت آية معتمد أنهم صدموا من الإجراءات التي تمت مع أميرة، فهناك نقاط سلبية أهمها أن قسم الشرطة والنيابة بعد ذلك أكدوا أنه لا علاقة لهم بالمحضر المحرر سابقاً أو واقعة الابتزاز، وأنهم بصدد محضر مختلف يحققون فيه منفرداً، وهنا يجب أن يتم استثناء هذا النوع من الجرائم ويكون لها مسلك خاص بدعم قانوني وحماية لها حتى يتم القبض على المتهمين، فالجريمة الإلكترونية سريعة الخطوات لذلك فالحاجة ماسة لمزيد من الإجراءات الداعمة لضحاياها.

 

 

"مساواة الجاني بالضحية تعيدنا خطوات للوراء في قضايا الابتزاز الإلكتروني"

اعتبرت إيمان محمد الأخصائية الاجتماعية بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، أن المساواة في التعامل بين الضحية والمبتز أمر مرفوض تماماً، لأن حدوث ذلك سيجعل الفتيات يعدن خطوة للوراء، وسيهدر جانب كبير من العمل الدؤوب الذي قامت به المؤسسات النسوية في التوعية خلال الفترة الماضية لما سيترتب على الواقع من خوف وتردد.

وأوضحت أنه في مثل تلك الحالة يجب أن يكون لوحدة مكافحة العنف في أقسام الشرطة دور في احتواء الفتاة المبلغة، ودعمها لأن هذا الموقف قد يضعها تحت ضغط ويؤثر على قرارها، وربما تتصالح خوفاً من الوصم المجتمعي.

ولفتت إيمان محمد إلى أن مؤسسة قضايا المرأة قامت بعمل حملة لحماية الشهود ودعمهم، معتبرةً أن الوصم جزء من تكوين المجتمع، ولابد من الحيلولة دون حدوثه، مشيرةً إلى أن وجود قانون رادع يحول دون حدوث الابتزاز ويحمي ضحاياه بات حاجة ضرورة.

 

 

"إبلاغ المنصة المستخدمة في الابتزاز بوقوع تهديد"

واعتبرت مدربة السلامة المهنية والأمان الرقمي بالاتحاد الدولي للصحفيين نهى لملوم، أن التهديدات الإلكترونية أو الرقمية أصبحت هاجس يواجه مستخدمي الإنترنت في الآونة الأخيرة، خاصةً مع زيادة عدد المنصات وتنوعها وتأثيرها السلبي في بعض الأحيان.

وأوضحت أن الابتزاز القائم على النوع الاجتماعي يأتي في مقدمة التهديدات الإلكترونية ويستهدف الفتيات والنساء، مؤكدةً على ضرورة التوعية بأهمية إدارة الأمان الرقمي خاصةً مع هذا النوع من الجرائم، والتي وصلت لحد تشويه سمعة فتيات ودفعهن للانتحار، لذلك على الفتيات في حال تعرضهن للابتزاز الإلكتروني، عدم الخوف والسيطرة على حالة الهلع والارتباك واللجوء إلى شخص مصدر ثقة للمساعدة، مع الاحتفاظ بأي صور أو محتوى فيديو أو وثائق تم استخدامها ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، كدليل مادي ملموس لاستخدامه في تقديم بلاغ لمباحث الإنترنت .

وأكدت نهى لملوم أن الواقع عليها الابتزاز يجب أن تقوم باللجوء لدعم المنصة لحذف المحتوى مصدر التهديد، وهو أمر تساعد المنصات الإلكترونية عليه بشكل سريع فور الإبلاغ عنه وتحديد مصدر التهديد ورابط الصور أو الفيديو، فضلاً عن ضرورة تضافر الجهود لنشر الوعي المجتمعي بأن الشخص الذي تم ضده الابتزاز الإلكتروني ما هو إلا ضحية يجب دعمها.

والجدير بالذكر أن الفترة الأخيرة قد شهدت انتحار أكثر من فتاة، وقد اضطر بعضهن للخضوع للمبتزين خوفاً من الوصم المجتمعي الناتج عن نشر صورهن وفيديوهاتهن، وهو الأمر الذي أثار حالة جدل كبير، وتم تكثيف العمل التوعوي على مواجهته لحماية أرواح الفتيات.