من رحم معاناة العنف الأسري وُلدت مبادرة "سند" لدعم النساء

ناجية سابقة من عنف أسري، لم ترد أن تحول حياتها إلى مأساة ترضخ لما يريده المجتمع، بل حولت مأساتها إلى نقطة انطلاق لحياة أخرى، فدرست المحاماة ثم تخصصت فيما بعد في تقديم الدعم القانوني للنساء ضحايا العنف الأسري، وأطلقت مبادرة "سند"

إيناس كمال
القاهرة ـ .
قالت المحامية الحقوقية نسمة الخطيب أنها تشاورت مع مجموعة من المحاميين لتأسيس مبادرة لدعم النساء وجاءت الفكرة لتقديم خدمات الدعم القانوني للنساء في قضاياهن مجاناً وكانت باسم "سند". 
"شعرت أن النساء المعنفات اللواتي تلجأن إلى مساعدة قانونية بحاجة إلى أحدٍ يساندها للخروج من الحالة التي يمرن بها، لذا بادرنا بتأسيس مبادرة 'سند'"، تقول نسمة الخطيب أحد مؤسسي المبادرة لوكالتنا.
 
بداية قصة "سند"
في مصر هناك 5 مليون و600 ألف امرأة يعانين من العنف على يد الزوج أو الخطيب سنوياً، أصيب 2 مليون و400 ألف منهم بنوع واحد أو أكثر من الإصابات نتيجة لهذا العنف، كما تتعرض 200 ألف امرأة سنوياً لمضاعفات في الحمل نتيجة العنف على يد الزوج.
هذه النتائج حسبما كشفها مسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي أصدره المجلس القومي للمرأة بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2015، الأمر الذي يدفع العديد من المهتمين بمجال حقوق المرأة إلى تبني مبادرات مجتمعية من شأنها المساعدة في تقليل العنف الواقع على المرأة منها مبادرة "سند" لتقديم الدعم القانوني للنساء.
في كانون الثاني/يناير 2021، تأسست مبادرة "سند" على يد فريق عمل من 3 محاميات ومحاميين ومسؤول تواصل يستقبل الحالات ويحيلها إلى المحامين، وأنشأوا صفحة خاصة بالمبادرة على مواقع التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى بريد إلكتروني وخط مكالمات لاستقبال الاتصالات.
ليست "سند" بمفردها فوفقاً لـ نسمة الخطيب هناك تشبيك مع تطبيق "متخافيش" الإلكتروني فحينما تبلغ أي فتاة عن حالة طوارئ وتبلغ عن مكانها وما تتعرض له، تلقائياً يقوم التطبيق بتحويل الشكوى لأحد من محاميي "سند" ثم يتم أخذ الإجراءات اللازمة.
وأوضحت أن أول مشاكل تلقتها المبادرة هي إما لفتيات سجينات داخل منازلهن أو فتيات يتم ضربهن على يد الأب أو الأخ أو الأم وكانت أشهر قضية عملت عليها "سند" هي لفتاة تعرضت للضرب من قبل والدها وأصيبت بكسور في قدمها، ساعدتها المبادرة على تقديم بلاغ ضد والدها وتقديمه للتحقيق وتم حبسه على ذمة التحقيقات وقتها لمدة 3 أيام وأخذت منه تعهداً بعدم التعرض لها، وهي الآن تكمل عملها وأصبحت حياتها وحالتها مستقرة.
وأضافت "على مدار ما يقارب العام كانت "سند" تتشابك مع مؤسسات ومنظمات نسوية مصرية عن طريق الإحالة حيث تقوم المبادرة بتحويل بعض الحالات إلى مؤسسات مثل "المرأة الجديدة" لتلقي دعم آخر بخلاف القانوني الذي تقدمه سند".
وقالت في البداية كان الضغط كبيراً على "سند" فكانت تستقبل ما بين 10 إلى 15 حالة شكوى يومياً وخلال 6 أشهر قدمت المبادرة دعماً لـ70 شكوى تكون متنوعة بين ابتزاز وتحرش الكتروني وتحرش في الشارع وعنف أسري وفي بعض الأحيان تستقبل "سند" حالات تحتاج فقط للدعم النفسي في قضايا اغتصاب وهتك عرض من أقارب، فكانت تخشى الفتيات من الإبلاغ أو اتخاذ أية إجراءات قانونية وبسبب أزمة كورونا وعدة أسباب أخرى كانت الفتيات تتحسسن من الخروج من المنزل لحضور جلسات الدعم النفسي فقامت المبادرة بتنظيم جلسات لهن "أونلاين" بالشراكة مع مؤسسات أخرى مثل مركز "النديم" لدعم وتأهيل ضحايا العنف. 
 
"نستقبل الذكور أيضاً"
اللافت كان أن "سند" لا تستقبل الفتيات والنساء فقط من ضحايا العنف، وإنما تستقبل الرجال أيضاً وهو الأمر الذي لا يزال يجد حساسية في المجتمع أن يعلن الذكور عن تعرضهم لعنف أسري، فتقول نسمة الخطيب "يتحسسون من طلب الدعم القانوني وإعلانهم أنهم تعرضوا لانتهاكات، لكننا استقبلنا شاب في عمر 31 عاماً، وقبله شاب في العشرينات، الأول كان معتقلاً سياسياً وكان يريد دعم نفسي وأحلناه لمركز النديم، والثاني تعرض لانتهاك جسدي من قبل 3 رجال أكبر منه سناً وكليهما لم يرغبا في السير في الإجراءات القانونية وإنما أرادا دعم نفسي فقط". 
تعرضت المبادرة إلى ما يشبه الفخ الذي نصبه لهم أشخاص أرادوا النيل منها وهدفها النيل من سمعة مبدأ "نصدق الناجيات"، فأرسل لهم أحد الأشخاص متخفياً في صورة فتاة عبر موقع فيسبوك مشكلة بحسب نسمة الخطيب "كانت تتحدث كأنها في فيلم جنسي كامل وشككنا في مصداقية كلامها وطلبت منها إرسال هويتها فقامت بحظر موقع المبادرة وذهبت لكل الجهات التي تقدم دعم للنساء وروت لهم نفس ما روته لنا وشككنا أنه شاب لكونه يتحرش بمن يتحدث معهم من خلال الكلام لكن لم نتأكد من صحة شكوكنا ثم قمنا بكتابة رسالة مررناها من خلال الشات لمن يقوم بدعم النساء للتحذير منها".
طبقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2016 إن التكاليف الاقتصادية الناتجة عن العنف ضد المرأة كشفت أن المرأة والأسرة يتكلفان بـ 1.49 مليار جنيه سنوياً نتيجة عنف الزوج فقط، من بينها 831.236 مليون جنيه تكلفة مباشرة، و661.565 مليون جنيه تكلفة غير مباشرة، حيث تلجأ المرأة إلى تغيير مسكنها وحياتها نتيجة تأثيرات هذا العنف عليها وعلى أسرتها.
 
لماذا دعم النساء؟
بينت نسمة الخطيب أن "أكثر القضايا التي بها فجوات في المجتمع هي قضايا النساء بداية من العنف الأسري، فلا توجد قوانين تدعم النساء وتحميهن، وجريمة مثل الاغتصاب الزوجي غير معترف بها حتى الآن، كما أن معظم النساء لديهن نقص في المعلومات والتوعية القانونية والمسائل القانونية الواجب اتباعها عند التعرض لقضايا مثل الطلاق أو الخلع أو النفقة".
وترى نسمة الخطيب أن وجود مبادرات كـ "سند" تقدم الدعم القانوني للنساء وتطرح مناقشات حقوقية هي السبب في طرح حلول للنساء واقعية مثل القرار الوزاري الذي صدر في نهاية آب/أغسطس الماضي بتأسيس وحدة للعنف ضد النساء وهي وحدة تتبع مجلس الوزراء؛ بهدف تلقي الشكاوى والبلاغات المتعلقة بقضايا العنف ضد المرأة، لتمكين الضحايا من تقديم شكاويهن وبلاغاتهن ومتابعتها عن طريق مكان واحد تيسيراً للإجراءات.
هذه المبادرات تحتاج إلى الدعم المالي لكن نسمة الخطيب تؤكد أن المبادرة قائمة على الجهود التطوعية من المحاميين وتكفلهم بكافة النفقات التي تلزم، الطريق طويل لتحويل المبادرة إلى مؤسسة ذات غطاء مالي جيد بسبب وجود قانون الجمعيات الأهلية الجديد رقم 149 لسنة 2019، والذي نشرت الجريدة الرسمية قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 104 لسنة 2021 بإصدار اللائحة التنفيذية له والذي يضع العراقيل في طريق العديد من المبادرات ومؤسسات المجتمع المدني، لذلك تسعى المبادرة إلى وضع خطة على مدار أعوام من نفقتهم الخاصة.
 
 
الباحثة النسوية المخضرمة ورئيس مجلس أمناء مؤسسة المرأة الجديدة نيفين عبيد، قالت إنها تدعم "سند" وما يشابهها من مبادرات تعمل على تمكين النساء أو المساواة بين الجنسين وترحب بوجودهم ، مضيفة أن عدد سكان مصر تخطى الـ 100 مليون نسمة ومعدلات الفقر والعنف مرتفعة لذلك هناك حاجة لمبادرات لتقديم الدعم النفسي والقانوني تغطي كافة المناطق.
"المرأة الجديدة" تقدم خدمات دعم نفسي وقانوني هي الأخرى للنساء منذ حوالي ثلاثين عاماً، لكن نيفين عبيد ترى أن المبادرات الشابة طالما ستعمل جنباً إلى جنب مع المؤسسات على نفس الأهداف وتقدم خدمات للنساء فمرحبا بها بعيداً عن التنافس.
واختتمت نيفين عبيد حديثها بالتأكيد على أن استدامة عمل المبادرة وما يشابهها من مبادرات مرهون بجودة العمل وتقدير المجتمع وقناعة أعضائها بما يفعلون، كل ذلك سيجعلهم يقفزون فوق أي تحدي، كما أن المبادرات التي تظهر فقط من آن لآخر من أجل الحصول على تمويل عملها قد لا تستمر، لأنه أحياناً يتوقف الدعم لأسباب عديدة مثلما حدث في العامين الماضيين وتوقف الدعم عن بعض مؤسسات المجتمع المدني بسبب تفشي وباء كورونا فكادت أن تغلق هذه المؤسسات.