'مكافحة التحرش الجنسي يفرض إقرار إجراءات قانونية فعالة'
أطلقت جمعية أنوار للمساواة والمواطنة حملة وطنية لمكافحة ظاهرة التحرش الجنسي ضد النساء والفتيات في المغرب تحت شعار "حتى أنا ضد التحرش"، وأعدت دليلاً عملياً، لاعتماد مقاربة استعجالية للتدخل من قبل عناصر الشرطة والدرك للتبليغ عن حوادث التحرش الجنسي.
حنان حارت
المغرب ـ أكد الدليل الذي أصدرته جمعية أنوار للمساواة والمواطنة على أهمية التوعية وإرساء دروس التربية الجنسية في المؤسسات التعليمية وتنظيم حملات تواصلية وتحسيسية لمكافحة ظاهرة التحرش الجنسي، ورفع الوعي المجتمعي بخطورتها.
أكدت مديرة جمعية أنوار للمساواة والمواطنة منى الشماخ في حوار مع وكالتنا إن مكافحة التحرش الجنسي تتطلب اتخاذ إجراءات قانونية فعالة تتوخى حماية حقوق الضحايا وتأمين ملاذ آمن لهن، داعية إلى إعادة النظر في النصوص القانونية وتجويدها لتوفير الحماية الكافية للنساء ضحايا العنف.
ما هي أهداف جمعية أنوار للمساواة والمواطنة، وماهي القضايا التي تعمل عليها، والفئات المستهدفة؟
جمعية أنوار للمساواة والمواطنة بدأت عملها خلال فترة جائحة كورونا، لأن النساء خلال هذه الفترة واجهن مجموعة من المشاكل بسبب توقف عمل المحاكم، ففكرنا في تأسيس الجمعية عام 2020 من أجل تقديم المساعدة للنساء ضحايا العنف على المستوى القانوني والنفسي والاجتماعي، وقمنا بفتح المقر الرئيسي بمدينة المحمدية، وبعد عام فتحنا مقراً ثانياً بمدينة اليوسفية، حتى نكون أكثر قرباً من النساء.
والجمعية تعمل بشكل عام على حقوق الإنسان وحقوق المرأة، كما نركز بشكل كبير على الدور الذي يلعبه الشبان والشابات ومساهمتهم/هن في التغيير، فالفئات المستهدفة في عملنا بشكل يومي هن النساء والشباب، ونساعد الفئات الأخرى منها الأطفال والرجال، خاصة على مستوى القوافل التضامنية التي تقوم بها الجمعية.
أصدرت الجمعية مؤخراً دليلاً عملياً ضد التحرش الجنسي، ما الهدف والغاية منه؟
لأن مكافحة التحرش الجنسي تتطلب اتخاذ إجراءات قانونية فعالة تتوخى حماية حقوق الضحايا وتأمين ملاذ آمن لهن، فمن خلال عملنا اليومي مع النساء خاصة لاحظنا مجموعة من الظواهر التي تتعلق بالعنف القائم على النوع الاجتماعي والتي برزت على مستوى عدد من الجامعات خلال السنة الماضية، إذ أصدرت مجموعة من الطالبات صرخات حول تعرضهن للتحرش الجنسي من قبل أساتذتهن، وهو ما كان يعرف إعلامياً في المغرب بقضية "الجنس مقابل النقط"، من هنا جاءت الفكرة للجمعية أنه يجب التعمق والتفكير لماذا تنتشر ظاهرة التحرش الجنسي والعنف بشكل عام في المجتمع المغربي؟
وللوقوف على الظاهرة، نظمنا عام 2022 ندوة وطنية، تطرقنا فيها لموضوع التحرش الجنسي على عدة مستويات معرفية، فما هو التحرش الجنسي على المستوى الفلسفي والمستوى الاجتماعي والمستوى الأنثروبولوجي، وحاولنا تعميق المفاهيم حول الموضوع والمرور مما هو أكاديمي إلى ما هو بحث ميداني فبدأنا في عام 2023 بإنجاز دراسة ميدانية التي استغرق إعدادها عام تقريباً.
وشمل البحث الميداني عينة تضم 480 شخص من الجنسين، ومن ضمنهم نسبة كبيرة من الطلبة، حيث استمعنا لآراء مجموعة من الفئات بما فيهم الرجال، ووضعنا استمارة على مواقع التواصل الاجتماعي وأضفنا إليها مجموعة من الورشات وتم التباحث حول أسباب ظاهرة التحرش الجنسي في المجتمع المغربي، وأطلعنا على رأي تلك الفئات كيف تشعر على المستوى النفسي وأين توجد لديهم صعوبات؛ هل هم على دراية بالقوانين الدولية والوطنية التي تحمي النساء من العنف.
كما تطرقنا إلى المشاكل التي تتخبط فيها الضحايا، حيث أن نتائج الدراسة كانت ملامسة لتقارير وطنية والتي تقر بأن عدة فئات من المجتمع المغربي ليست على دراية بالقوانين، لذلك كان من الضروري إخراج دليل عملي نشرح فيه المساطر، وفق التعاريف الدولية والوطنية، وماذا يقول القانون المغربي؟ وما هي الوضعية في المغرب؟
كما تناول الدليل فضاءات التحرش الجنسي وماهي عواقبه النفسية والجسدية والمهنية على الضحايا، وكذلك تطرق إلى ظروف عمل النساء في ظروف لا تتوفر فيها الكرامة الإنسانية، كما أوضحنا بعض الآليات أو الاستراتيجيات التي يمكن للضحية أن تتسلح بها حتى تدافع عن نفسها على المستوى النفسي أو الفعلي، بعد ذلك تطرق الدليل للمساطر التي يمكن للضحية سلكها منها ما هو قانوني وإداري وجمعوي، لأن الجمعيات وخاصة الجمعيات النسائية متواجدة في عدة مناطق من المغرب ويمكن للضحايا اللجوء لها، فبالتالي بينا هذه المساطر والإجراءات كامله للضحايا.
والهدف من إصدار الدليل هو اعتماد مقاربة استعجالية للتدخل من طرف عناصر الشرطة والدرك عند التبليغ عن حوادث التحرش الجنسي، ورفع مستوى الوعي لدى النساء والفتيات، ودفع المؤسسات إلى اعتماد الدليل وجعله إطاراً مرجعياً للتكفل بالنساء ضحايا التحرش الجنسي من خلال حملة ترافعية ستقودها الجمعية إلى جانب كل المتدخلين.
كما أطلقنا حملة وطنية حول مكافحة ظاهرة التحرش الجنسي تحت شعار "حتى أنا ضد التحرش" والتي ستستمر لمدة عام من الآن.
ماهي الأرقام والإحصائيات التي تضمنها الدليل؟
بالعودة للعينة اللي تناولتها الدراسة الميدانية التي قامت بها الجمعية وتضم 480 شخص كان فيهم 67% نساء و33% رجال، 87% منهم صرحوا أنهم تعرضوا للتحرش الجنسي، وكان في الفضاء العام نسبة 59% وهي نسبة ملامسة للتقارير الوطنية التي تتحدث عن آخر التقارير الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط لعام 2019 والتي أظهرت أن نسبة 50% من النساء تتعرضن للتحرش الجنسي في الفضاء العام، و58% من النساء قلن إنهن تجاهلن فعل التحرش الجنسي لأنهن خفن من ردة فعل عائلتهن أو خفن من انتقام المتحرش، لأن هؤلاء النساء صرحن فيما بعد في الاستمارة أنهن تعانين من تداعيات التحرش على المستوى النفسي، وبين نحو 78% نساء ورجال إنه ليس لهم علم بالمسطرة القانونية التي يمكن سلكها من أجل الحماية من التحرش الجنسي.
وكشف هذا البحث الستار عن التكلفة الاجتماعية والتكلفة الاقتصادية المرتبطة بآثار العنف المباشرة أو غير المباشرة على الأفراد والأسر وكذلك المجتمع، وأبرزت مؤشرات مقلقة حول الدائرة، وتتجلى أبرز معطياته في تسجيله أن 15% من النساء العاملات تعرضن للعنف بجميع أنواعه من قبل المسؤول مباشرة، 22% من التلميذات والطالبات صرحن بتعرضهن للعنف من قبل الزملاء بنسبة 46% والأساتذة 28% و37% تعرضن للتحرش الجنسي.
ومن خلال هذه المعطيات فإن التشريعات القانونية التي تجرم العنف ضد النساء والفتيات بالمغرب وتعاقب المتحرشين، لم تحد من ظاهرة التحرش ضد النساء التي لا زالت متفشية في المجتمع المغربي، مما أضحى التحرش ظاهرة مقلقة تستهدف النساء بالدرجة الأولى لكونهن نساء، مما جعلها تشمل أحد أبرز مظاهر العنف القائم على النوع الاجتماعي.
ماهي أهم التوصيات التي خرج بها الدليل؟
الدليل خرج بمجموعة من التوصيات كان من أبرزها عمليات تجويد المساطر القانونية على مستوى قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء والذي جاء في البداية معززاً للعقوبات على مستوى تجريم التحرش الجنسي، ولكن مع التطبيق ظهرت ثغرات أخرى على مستوى التنزيل وتفعيل المساطر، والدليل جاء ليؤكد على أهمية التمكين الاقتصادي للنساء، كما أثار نقطة أخرى تتعلق بضرورة التدريب المستمر للأطر التي تعمل على الأمن والصحة والشرطة وعلى مستوى الدرك، لتجويد تلك الخدمات التي تقدم للنساء من خلال الخلايا ولجان التكفل بالنساء ضحايا العنف القائم على النوع والتحرش الجنسي.
ومن بين التوصيات أكد الدليل على أهمية التوعية من أجل محاربة الممارسات السلبية في الوسط التعليمي وأماكن العمل، وإرساء دروس التربية الجنسية في المؤسسات التعليمية، واعتماد آلية لرصد الظاهرة وإحصائها ونشرها لرفع الوعي المجتمعي بخطورتها.
وحثت الجمعية كذلك على إدراج مقاربة النوع الاجتماعي في تدريب خريجي التعليم والصحة والشرطة والدرك والجيش والقوات المساعدة وكافة الفاعلين المؤسساتيين، إلى جانب تنظيم حملات تواصلية وتحسيسية، ودعم الخدمات التي تقدم لضحايا العنف.