مغربيات "اللي شاركناه بالفضل نتقاسموه بالعدل"

آلاف المغربيات يساهمن في تكوين ممتلكات الأسرة المكتسبة بعد الزواج، ويكون ذلك إما عن طريق راتبها بالعمل خارج البيت، أو بمدخولها من الأعمال اليدوية كالتطريز أو صنع الحلويات داخل المنزل، أو من خلال الإشراف على شؤون المنزل وتربية الأبناء والسهر على راحة الزوج

حنان حارت
المغرب ـ .
وفي حالات كثيرة تسقط المرأة في الثقة العمياء التي تضعها في شريك حياتها، وفي حالة نشوء خلافات ونزاعات، تصل العلاقة الزوجية إلى الطلاق أو التطليق، فتخرج المرأة من العلاقة من دون أن تستفيد مما تم تحصيله من ثروة خلال فترة الزواج.
 
صعوبة الإثبات 
رشيدة العيادي من مدينة الدار البيضاء (40) عاماً، تروي لوكالتنا بحرقة جزءاً من تفاصيل حياتها الزوجية، قائلةً "بعد زواجي بسنة وبعد عدة فحوصات أخبرني الطبيب أنني أعاني من مشكلة في المبيض ما سيكون عائقاً في الإنجاب، أول ما سمعت الخبر شعرت وكأن الدنيا ضيقة ولم يعد لي أي مكان فيها، دخلت في دوامة اكتئاب، لكن سرعان ما عدت إلى وعيي وسلمت أمري إلى الله، لأنه قادر على كل شيء".
تحكي رشيدة  العيادي قصتها وهي مطأطأة الرأس، ونبرة صوتها المكسورة تجعلك تشعر بمدى الحرقة والألم اللذان تحسهما "لم أكن أنانية ومنحت زوجي إذنا بالموافقة على الزواج من امرأة أخرى حتى يتمكن من الإنجاب". تسترسل في حديثها قائلةً "يا ليتني طلبت الطلاق قبل زواجه، حتى أحافظ على ماء وجهي، ومالي وذهبي، لكن لم تكن لدي الجرأة حينها، قبلت بالوضع حتى أتفادى نظرة المجتمع للمرأة المطلقة والعاقر".
قالت بعد سنوات وجدت نفسي من دون مال بعدما وهبت كل ما أملك لزوجي لمساعدته من أجل تنمية مشروعه الخاص، "ذات يوم وبينما كان زوجي يمر بأزمة مالية منحته كل ما أملك من ذهب، وبعض المال الذي كان بحوزتي، بعدما أخبرني أن زوجته الثانية فعلت ذلك الأمر، من أجل مساعدته على تنمية مشروعه لبيع الهواتف المحمولة".
تضيف رشيدة العيادي والدموع تنهمر على خديها أنه في أول نقاش مع زوجته الثانية، تغيرت معاملة زوجها لها، ما جعلها تطلب الطلاق، لكنها لم تستطع إثبات حقها في تنمية مشروع زوجها، وخرجت من العلاقة خالية الوفاض، تقول "رغم أنه استثمر أموالي في تنمية مشروعه الخاص والذي حقق نجاحاً كبيراً، إلا أنني لم أستفد من أي شيء، وحتى عندما طالبته بإعادة أموالي، قال لي إن كان لدي أي إثبات بإمكاني أن أقدمه للقضاء".
وتعد رشيدة العيادي واحدة من العديد من النساء المغربيات اللواتي يقفن عاجزات حيال عدم قدرتهن على أثبات، حقهن في تنمية أموال الأسرة.
 
خرجت بخفي حنين
أما أمينة وهو اسم مستعار لسيدة من مدينة القنيطرة رفضت الكشف عن هويتها، موظفة في مؤسسة عمومية، توضح أنها هي الأخرى ساهمت إلى جانب زوجها في تنمية مشروع تجاري وبناء بيت، مضيفةً أنها كانت تسلم زوجها نصف راتبها، حتى يتمكن من بناء بيت ومشروع تجاري. 
وبعد أن ساهمت بنسبة النصف في ممتلكات الزوج، حدث خلاف بينها وبين زوجها ما أدى لطلاقهما بعد عشرين سنة من الزواج، وحينما تم تطليقها لم تحكم لها المحكمة، إلا بحقوقها من متعة ونفقة، في حين لم تستطع إثبات مساهمتها في الثروة التي ساهمت في اكتسابها خلال فترة الزواج.
تقول بيأس "لقد خرجت من العلاقة بخفي حنين، لم يكن يملك زوجي أي شيء غير راتبه، وبفعل مساعدتي له وصل إلى ما عليه الآن".
تسرد حكايتها بينما يظهر الألم على محياها "لم أكن أظن أن زوجي سينكر مساعداتي المادية له، لو كنت أعلم مسبقاً بسوء نيته لقمت بإبرام عقد لتدبير الأموال المكتسبة خلال فترة الزواج لضمان حقي الذي تم هضمه"، تصمت لحظة  ثم تضرب كفاً بكف وبحسرة تقول "للأسف لم أقم بذلك لاعتبارات عدة منها الخجل والثقة العمياء، كما أن ظروف الحياة  العادية لا تقتضي التفكير في الأسوء بل تقوم على الثقة، لهذا لم أكن أفكر في توفير الأدلة خلال الزواج كما أني لم أعر للأمر أية أهمية لأني  كنت أعتقد أن ذلك سيمس بثقتي لزوجي".
وغالبا ما تبدأ العديد من النساء حياتهن من الصفر بعد الطلاق أو وفاة الزوج، حيث لا يتم تقدير دورهن، سواء كن عاملات أو ربات بيوت، في تنمية أموال وممتلكات الأسرة أثناء الزواج، وهذا ما حدث مع نعيمة وداد (45) عاماً، وهي أم لطفلة تبلغ من العمر 10 سنوات، تقول أنها لم تكن تظن أن كل مجهوداتها في تحسين وضعية أسرتها ستذهب سدى بعد وفاة شريك حياتها "كنا نستأجر أنا وزوجي منزل، واتفقنا معن على أن أقوم أنا بتكفل كافة نفقات المنزل وكذلك دراسة ابنتنا، في حين يوفر زوجي راتبه الشهري كاملاً، ليضيفه إلى مبلغ كان قد ورثه عن أبيه ليستطيع جمع مبلغ مالي، لنتمكن من شراء منزل بدون فوائد بنكية".
وتضيف أنها أيضاً عملت على بيع مقتنياتها من الذهب، وتمكنا خلال ظرف وجيز من جمع المبلغ المراد لتحقيق حلمهم، وبعد خمس سنوات من اقتناء البيت توفي زوجها إثر حادث، فوضعت أمام حقيقة تقاسم الميراث مع إخوان زوجها، ما أدى إلى بيع البيت ليحصل كل واحد على حقه الشرعي.
 
مطالب نسائية بتعديل المادة 49 من مدونة الأسرة
تضمنت مدونة الأسرة مجموعة من المقتضيات الجديدة، ومن أهم الأمور التي عالجتها مسألة التدبير المالي للأموال المكتسبة بين الزوجين أثناء العلاقة الزوجية، سواء في حالة الاتفاق، أو غيابه، وذلك من خلال المادة 49 التي نصت على أن "لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية الاتفاق على استثمارها وتوزيعها".
إلا أن هناك إشكالاً يتعلق بطبيعة ونطاق العناصر التي أدرجها المشرع بالفقرة الأخيرة من المادة 49، والتي يعتمد عليها القاضي في ترتيب حق الزوجين في المكتسبات خلال الحياة الزوجية في حالة غياب اتفاق كتابي، وهذه العناصر هي: عمل كل واحد من الزوجين، وما قدمه من مجهودات لتنمية أموال الأسرة، ثم ما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة.
فالمشروع في هذه الحالة لم يحدد طبيعة هذه الأعمال، ولا المجهودات، ولا حتى المقصود بتحمل الأعباء، فهل كل فعل يقوم به أحد الأزواج سواء أكان إيجابياً أو سلبياً، مادياً أو معنوياً، يعتبر عملاً أو مجهوداً بمفهوم المادة 49؟ وهل يمكن إدخال الأعمال المنزلية التي تقوم بها المرأة، وكذلك تربية الأبناء، ضمن الأعباء التي تتحملها الزوجة لتنمية أموال الأسرة؟ أم أن هذه الأعمال تخرج عن هذا النطاق؟
 
دعوة لإلزامية إبرام عقد تدبير الأموال بين الزوجين 
ويعمل منتدى الزهراء للمرأة المغربية، وهو نسيج جمعوي يضم عشرات الجمعيات ومراكز الاستماع، على بلورة فكرة ملتمس تعديل للمادة 49 من مدونة الأسرة، حيث توج عمله بإعداد دراسة ميدانية حول تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين، وإطلاق حملة لجمع التوقيعات الداعمة لملتمس تشريع تعديل المادة 49 من مدونة الأسرة، وذلك تحت شعار "اللي شركناه بالفضل نتقاسموه بالعدل"  أي "ما شاركناه بالحسنى نتقاسمه بالعدل".
ويطالب المنتدى، بأن يصبح عقد تدبير الأموال المكتسبة في أثناء الزواج مسألة إلزامية، حيث أنه عند تقنينها ستصبح مقبولة من المجتمع وإجراء عادياً ضمن مسطرة وإجراءات الزواج.
 
إدراج العمل المنزلي ضمن أعباء تنمية أموال الأسرة
أوضحت رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية عزيزة البقالي لوكالتنا، أن المبادرة تهدف أيضاً إلى تعديل الفقرة الثالثة من المادة 51 التي تنص على كون العمل المنزلي ينبغي أن يعتبر مساهمة من الزوجين في تنمية الأموال المكتسبة خلال الزواج.
وتسعى مبادرة منتدى الزهراء للمرأة المغربية أيضاً إلى تعديل الفقرة الثالثة من المادة 322 التي تنص على ضرورة اعتبار نصيب الزوج أو الزوجة من الأموال المكتسبة أثناء الزواج من ضمن دين الميت الذي ينبغي استيفائه، أو استخلاصه قبل تقسيم التركة.
وأضافت عزيزة البقالي أن دواعي المشروع هو رفع معاناة النساء جراء عدم إنصافهن في تقدير مساهمتهن ومجهوداتهن في تنمية أموال الأسرة عند الطلاق أو الترمل.
وأكدت أن توعية وتحسيس المجتمع جزء أساسي في الحملة، لأن الكثير من الناس يعتقدون عند إثارة الموضوع أن الأمر يتعلق بمطالب نسائية، فيما يرى آخرون أن الحديث عن المسائل المادية في الزواج لا ينسجم مع قيم مؤسسة الأسرة المقدسة في الثقافة الدينية والثقافية في المغرب، ويهدد استقرارها وقد يؤدي إلى العزوف عن الزواج.