مبادرات عديدة قادتها امرأة ليبية حولت الصراعات إلى فرص للتعايش السلمي
في خضم الصراعات والأزمات التي عصفت بمدن الجنوب الليبي، برزت شخصيات نسائية شكلت رموزاً للأمل والعمل من أجل السلام والاستقرار.
منى توكا
ليبيا ـ خديجة عيسى، رئيسة جمعية "ملائكة الرحمة" وصاحبة مبادرة "سلام"، تعد واحدة من النساء اللاتي استطعن بجهودهن المخلصة تحويل الصراعات إلى فرص للتعايش السلمي، وجعل الحوار لغة أساسية بين المتخاصمين.
دور النساء في صناعة السلام
سلطت خديجة عيسى الضوء على دور النساء في تعزيز السلام، ورؤية المجتمع الليبي أكثر استقراراً وتسامحاً، وهي مؤمنة بأن المرأة قادرة على أن تكون العنصر الأساسي في تهدئة النزاعات وتحقيق التعايش السلمي.
وتشير إلى أن دور الأم، الأخت، أو الزوجة في توجيه أفراد الأسرة نحو الحوار بدلاً من العنف، مما يساهم بشكل كبير في تحقيق الاستقرار داخل المجتمع "السلام يبدأ من البيت، وكلما كانت المرأة واعية وحكيمة، استطاعت أن تنقل هذه القيم إلى أبنائها وعائلتها، مما ينعكس إيجابياً على المجتمع بأكمله".
وفي رسالة موجهة إلى النساء، دعت خديجة عيسى كل امرأة ليبية إلى أن تكون قدوة في تعزيز الحوار، واحتواء الأزمات قائلةً "أنتن أساس السلام في مجتمعكن. حكمة المرأة ورؤيتها يمكن أن تحول أي نزاع إلى فرصة للتفاهم، فلا تستهنَّ بدوركن في بناء مجتمع مستقر ومتعايش".
مبادرة السلام
واستعرضت خديجة عيسى تجربتها قائلةً "كانت البداية صعبة للغاية، حيث كانت مدينتنا سبها تعيش على وقع نزاعات قبلية دامية، وكنت أرى حجم الدمار الذي خلفته هذه الصراعات، وأشعر بمسؤولية إنسانية كبيرة لتقديم المساعدة، وبدأت بمحاولات فردية للتقريب بين الناس وحل الخلافات الصغيرة، ولكن سرعان ما تحول العمل إلى مبادرة أوسع".
وأضافت "في عام 2016، كنا نواجه نزاعات كبيرة بين الطوارق والتبو، وحتى الأطفال في المدارس كانوا يتأثرون بهذا الصراع، مما جعل الوضع أكثر تعقيداً، وشعرت أن الحل لا بد أن يكون شاملاً، فعملنا على إطلاق مشروع بدعم من المجلس البلدي في سبها وعدد من الجهات الدولية".
"خيمة طيور السلام" نقطة تحول
وأوضحت خديجة عيسى أن "خيمة طيور السلام" كانت من أهم خطوات المبادرة، حيث جمعت ممثلي القبائل المتنازعة في لقاء مفتوح للحوار، وتقول "كان الهدف الأساسي هو تحقيق اتفاق مبدئي على التهدئة ووقف النزاعات، والدعوة لم تكن سهلة، خاصةً وأن كل طرف كان متوجساً من الآخر، ولكن بفضل جهود كل المشاركين، استطعنا توقيع وثيقة مصالحة".
وأضافت "ما ميز هذه التجربة هو التعاون بين الجميع، وخاصة النساء، اللواتي كن عنصراً أساسياً في إنجاح هذه الخطوة. الأمهات عملن على تهدئة أبنائهن، والأخوات كن صوت العقل داخل عائلاتهن".
رسالة للمستقبل
تطمح خديجة عيسى إلى أن يصبح السلام ثقافة راسخة في المجتمع الليبي، وتقول "العمل لا ينتهي عند توقيع وثيقة المصالحة، علينا أن نستمر في تعزيز هذه القيم من خلال الأنشطة المجتمعية والتوعية، فالمرأة الليبية اليوم جاهزة أكثر من أي وقت مضى لتحمل هذا الدور، وهي قادرة على أن تكون صانعة سلام في بيتها ومجتمعها".
وأضافت "كلما عملنا على تمكين النساء وتدريبهن، زادت فرص نجاحنا في تحقيق السلام الدائم. نحن نساء ليبيا، لدينا القوة والإرادة لنصنع مستقبلاً أفضل لأجيالنا القادمة".