معاناة أسرة لا وجود لها في السجلات المدنية

"أوقفنا الحاجز الأمني أنا وأخي لوقت طويل؛ لأننا لا نملك أوراق تثبت هويتنا"

سناء العلي 
الحسكة ـ ، تقول (فاطمة. م) التي تبلغ من العمر (36عاماً) من مدينة الحسكة شمال وشرق سوريا. لم يسمح لهم عناصر الأمن بالمغادرة إلا بعد أن جاء أشخاص تعرفوا عليهم.
لم يستطع زوج (فاطمة. م) إتمام أوراق زواجه والحصول على دفتر عائلي لتسجيل أطفاله الخمسة؛ لأن زوجته غير مسجلة في السجلات المدنية.
ويعيش آلاف الكرد السوريين دون بطاقات شخصية تثبت هويتهم السورية أو يحملون أوراق مكتومي القيد بسبب تعمد النظام في عهد الرئيس ناظم القدسي عدم تسجيل عدد كبير منهم خلال الاحصاء الذي قامت به الدولة في عام 1962 بمحافظة الحسكة والذي استمر ليوم واحد فقط، لكن في حالة نادرة أسرة (فاطمة. م) السورية من المكون العربي غير مسجلة في السجلات المدنية للدولة.
وتعيش (فاطمة. م) مع أطفالها الخمسة في منزل طيني لشقيق زوجها يتألف من غرفتين، تخشى في كل لحظة أن يتم طردها وأطفالها منه، وفتح باب معاناة جديدة تضاف إلى معاناتهم من الفقر، والذي ألم بهم خاصة بعد اختفاء الأب إبان دخول مرتزقة داعش لعدة أحياء في مدينة الحسكة شمال وشرق سوريا قبل نحو خمس سنوات.
وسيطر مرتزقة داعش أواخر حزيران/يونيو 2015، على عدة أحياء في مدينة الحسكة من خلال تسليمها من قبل ميليشيا الدفاع الوطني دون مقاومة، وحررت قوات سوريا الديمقراطية الأحياء ومنها النشوة الشرقية والغربية وغويران والفيلات وغيرها بعد أقل من شهر ونصف، وعاد الأهالي إلى منازلهم بعد تمشيطها من بقايا العبوات والمفخخات التي زرعها المرتزقة.
لم تستطع (فاطمة. م) السؤال عن زوجها بعد اختفاءه لأن دخول الأماكن العسكرية أو المدنية والسجون يتوجب امتلاكها بطاقة شخصية، كما أن لا شيء يثبت أنها متزوجة من هذا الرجل، فحتى العقد الذي كتبه الشيخ غير موجود، لكن قيل لها أن زوجها قتل دون تفاصيل أخرى ودون أن ترى جثته.
لدى فاطمة خمسة أطفال ثلاث فتيات وولدين أكبرهم لا يتجاوز عمره 13 عاماً، ابنتها الكبرى تعاني من الإعاقة فإحدى ساقيها أقصر من الأخرى ويستحيل على العائلة الفقيرة إجراء عملية للفتاة التي تحتاج للسفر إلى العاصمة دمشق ومبلغ يقدر بمليوني ليرة سورية.
لا تشعر الفتاة بالألم في الوقت الحالي، لكن هذا النوع من الإعاقة بحسب الأطباء سيؤدي في المستقبل إلى ميل الحوض وسيترافق ذلك مع آلام مستمرة لأسفل الظهر. 
ولدت (فاطمة. م) ابنها الأخير بعد فترة قصيرة من اختفاء زوجها، كانت تجبر على تركه وهو يبكي، وتذهب لمكبات القمامة للعمل من أجل إطعام أطفالها البقية. "لم يساعدني أحد عائلة زوجي قالوا لي لسنا مسؤولين عنكم".
تعمل أسرة (فاطمة. م) وأشقائها في تركيا وحالتهم المادية جيدة لكنهم لا يساعدونها في شيء "أهلي طلبوا مني التخلي عن أطفالي واللحاق بهم إلى تركيا للعمل".
عملت فاطمة في بلدية الشعب لمدة شهر واحد ببطاقة شخصية لإحدى النساء اللواتي تعرفهن، لكنها لا تستطيع العمل دائما بهذه الطريقة فلا أحد يستطيع اعطاء بطاقته الشخصية لوقت طويل لما على ذلك من مسؤولية، فاضطرت للعمل بالمنازل بأجر لا يكاد يسد رمق العائلة.
لا تستفيد (فاطمة. م) وعائلتها من المساعدات الإنسانية التي تقدمها الجمعيات الخيرية أو الهلال الأحمر "تأتي السيارات المحملة بالمعونات الغذائية والملابس لكنهم يطلبون دفتر عائلة... نحن نتفرج فقط".
حرمت فاطمة وإخوتها وأخواتها وأطفالها من أبسط حقوقهم ومنها التعليم ويعيشون دون أي حقوق؛ والسبب في ذلك هو التفكير المحدود لأمها المرأة الريفية البسيطة والتي منعت والدها من تسجيلها واخوتها الثمانية وأختيها في السجلات المدنية خوفاً من اقتياد ابنائها الذكور إلى الخدمة العسكرية الإلزامية. 
الرجل الريفي البسيط قبل باقتراح زوجته دون تفكير بعواقب الأمور، ودون مراقبة أو محاسبة من الدوائر الرسمية المسؤولة عن الاحصاء والسجلات المدنية.
حاول زوج (فاطمة. م) الذي كان يعمل جزاراً تسجيل زوجته في السجلات المدنية وإخراج قيد لها؛ ليتسنى له الحصول على دفتر عائلي، لكن الأمر كان في غاية الصعوبة حيث طلب منه مبالغ مادية كبيرة وهو لم يكن يملك المال الكافي.
استطاعت فاطمة الحصول على عمل لدى أحد الأطباء "أنظف المكتب والدرج مقابل راتب بسيط يكاد لا يكفي... لكنه أفضل من لا شيء".
ازداد العبء عليها بعد نزوح عائلتها من قريتهم في سري كانيه/رأس العين بشمال وشرق سوريا، بعد اجتياح القوات التركية ومرتزقتها، ومكوثهم في منزلها "لا يساعدونني أبداً في تحمل مسؤوليات المنزل قلت لهم اذهبوا لمكان آخر فلم يقبلوا".
في غرفة واحدة تعيش العائلتين، يواجه الأطفال برد الشتاء دون مدفئة، وعلى عمل (فاطمة. م) لوحدها وبعض الصدقات.  
لكن رغم المعاناة التي تعيشها (فاطمة. م) وأطفالها يفاجئ من يتحدث إليها بالنظرة الإيجابية التي تحملها للحياة، فهي ما زالت متفائلة بأن الوضع الذي تعانيه العائلة سيتغير نحو الأفضل. 
لا توجد احصائيات دقيقة حول أعداد مكتومي القيد في سوريا مع ازدياد كبير لهذه الحالة وخاصة بعد اندلاع الحرب في ربيع 2011، ويزداد الزواج العرفي أو الشرعي الذي يعتمد على وجود شيخ وشهود دون أن يستطيع الشاب تثبيت هذا الزواج في دائرة النفوس، مما يؤثر سلباً على مستقبل الأطفال الذين يبقون مكتومي القيد إلى أجل غير مسمى.