معاناة النساء في اليمن... الجهل بالحقوق والعرف بديل القانون

ترى الناشطات اليمنيات أن الطريق لا يزال طويلاً أمام النساء للوصول إلى الوعي القانوني ونيل حقوقهن في كافة المجالات، مؤكدات أن "بداية الغيث قطرة وبداية النجاح فكرة".

رانيا عبدالله

اليمن ـ تعاني النساء اليمنيات من جهلهن بالقانون، كما أن الأعراف المجتمعية التي تنظر للنساء نظرة ازدراء واستنقاص لمجرد اختيارهن الطرق القانونية ودخولهن المحاكم، جعلتهن تلجأن إلى الحلول التي يفرضها الرجال عبر الصلح القبلي أو ما يسمى الوساطة بين الزوجين.

عندما قررت الأربعينية فاطمة قائد الانفصال عن زوجها لم تلجأ إلى المحاكم لعدم ثقتها بالقضاء ولطول إجراءات التقاضي في المحاكم على حد قولها، ونظراً لعدم معرفتها بالقانون فقد ضغط عليها زوجها للتنازل عن نفقة أولادها مقابل حصولها على الطلاق، مستغلاً جهلها بالقانون، "كان يجب عليا الانفصال من علاقتنا التي كادت تسبب لي ولأولادي الكثير من المشاكل النفسية إذا بقيت، لكني حينها لم أكن على علم بالقانون، ولم أجد من ينصفني، فلجأت للحل القبلي وتنازلت عن نفقة أولادي وكل حقوقي مقابل حصولي على الطلاق" هذا ما بدأت به فاطمة قائد حديثها.

 

الحكم بالأعراف

فاطمة قائد ماهي إلا واحدة من النساء اليمنيات اللواتي تجهلن بالقانون، كما أن الأعراف المجتمعية التي تنظر للنساء نظرة ازدراء واستنقاص لمجرد اختيارهن الطرق القانونية ودخولهن المحاكم، جعلتهن تلجأن إلى الحلول التي يفرضها الرجال عبر الصلح القبلي أو ما يسمى الوساطة بين الزوجين كـ (الشيخ أو العاقل أو قاضي خارج إطار المحكمة أو أي شخص ذو وجاهة في المنطقة) كما فعلت فاطمة قائد.

وقالت بنبرة غضب "ليس من العدل أن يقضي العرف أو القانون بإعفاء الزوج من الانفاق على أولاده، ويتنازل عنهم للأم"، تتسأل بتهكم هل أصبح الأطفال سلعة يتم مساومة الأم بهم؟

 

توعية النساء

من خلال عملها لاحظت المحامية غزة محمد السامعي جهل النساء بالقانون والظلم الذي يلحق بهن سواءً عبر الأحكام العرفية، أو في المحاكم، وتقول "من خلال عملي كمحامية في المحكمة لاحظت أن النساء تعانين من الجهل بالقانون، ولم تطلعن على الدستور، ولاحظت أيضاً كثرة القضايا الشخصية التي تعاني منها المرأة كقضايا النفقة والحضانة وقضايا الزواج من زوجة ثانية، وقضايا الفسخ، والعديد من القضايا الأخرى".

من منطلق مسؤوليتها وشعورها بأهمية أن يكون للحقوقيين والناشطين دور في حماية وتوعية النساء في المجتمع بادرت غزة السامعي بنشر التوعية عبر صفحتها وفي الواقع، فهي لا تترد عن تقديم الاستشارة والتوعية القانونية للنساء، وأوضحت "عندما لاحظت الجهل المستشري داخل المجتمع بالذات في أوساط النساء فكرت أن أبادر بنشر نصوص المواد القانونية وأوضحها بشرح مختصر على صفحات التواصل الاجتماعي".

 

قوانين غير منصفة

وأكدت غزة السامعي أن بعض المواد في القانون تمييزية، ولا تنصف النساء "ناقشنا في عدة ندوات، وذكرنا كثير من القوانين التمييزية والمواد التي تقلل من حق المرأة وتميزها عن الذكر، كما في قانون النفقة، وغيرها من النصوص، لذا لابد من الاستمرار في المناصرة والضغط على صناع القرار لإعادة تعديل هذه المواد".

وأوضحت أن مبادرتها نابعة من شغف داخلها ورسالة حملتها على عاتقها إلا أنها هي الأخرى لم تنجي من التهكم والاتهام "بالرغم من أن المبادرة كانت بسيطة وليست على مستوى واسع إلا أني وجدت فئات للأسف بعضهم من الطبقة المثقفة في المجتمع تتهمني بأني أحرض النساء على الطلاق أو الذهاب للمحاكم وغيرها، رغم أن ما أقوم به هو توعية للنساء".

بعد حضور فاطمة قائد ندوات في التوعية القانونية للنساء واختلاطها بصديقات تعملن في مجالات مختلفة منها المحاماة، والأمن، أدركت أن المجتمع والسلطة الذكورية هي التي تتعمد تجهيل النساء، لتتحكم بقرارتهن وحياتهن على حد قولها.

أما غزة السامعي فترجع أن عدم قبول المجتمع للتعريف بحقوق النساء أو توعيتهن بالقانون بأن المجتمع لا زال ذكوري، ويرى بأنه يجب السيطرة على المرأة، وايضاً العادات والتقاليد التي كرست النظرة السلبية للمرأة التي تذهب إلى المحاكم لمتابعة قضيتها بأنها قليلة شرف وليس لها مرؤة.

تتمنى غزة السامعي أن تتعرف جميع النساء في المجتمع اليمني على الدستور والقانون، مشيرة إلى أن هناك قصور إعلامي في التوعية بالقانون.

 

وعي المرأة حفظ لكرامتها

بينما ترى الصحفية منال شرف أن وعي المرأة بالقوانين التي تفضي لنيل حقوقها كاملة كفرد له استحقاقاته بغض النظر عن جنسه، وقبل ذلك جهلها بحقوقها الطبيعية، سبب رئيسي لبقائها خاضعة لمعاناتها وعنف الرجل، "اشغال المرأة اليمنية بواجبات رسمها العرف في رأسها وأجبرها على ضرورة التحمل لكل أخطاء الرجل من أجل الحفاظ على الأسرة ليس إلا محاولة لسلبها كرامتها، كما أن إبقاء المرأة بين محبسي الجهل والحاجة للمعيل يساعد على استمرار هذه المعضلة بحق المرأة".

وترى منال شرف إن وعي المرأة واستقرارها المادي بالعمل يصنعان فارقاً كبيراً، ويضعان المرأة في قوة موازية للرجل تتيح لها مشاركته في اتخاذ قرارات الأسرة، واتخاذ قراراتها الخاصة.

وأشادت بما قامت به المحامية غزة السامعي "ما فعلته غزة كانت نقطة إيجابية للغاية، فهي تدرك لكونها محامية مدى جهل النساء اليمنيات بحقوقهنّ المتعلقة بالحضانة والنفقة والأسرة وغيرها، وقد ساعدتهنّ عبر مجهودها الخاص في تكوين معرفة جيدة عن تلك الحقوق".

قد يبدو المشور طويلًا أمام غزة السامعي وغيرها من المحاميات والناشطات للوصول إلى الوعي القانوني المطلوب للنساء، لكن بداية الغيث قطرة وبداية النجاح فكرة.

واختتمت غزة السامعي حديثها بالقول "أطمح أن تتطور هذه المبادرة في المستقبل إلى مشروع على الواقع يقدم استشارات مجانية وتوعوية للنساء، فقد لاحظت مدى تأثير ما قمت به من خلال التعليقات والرسائل على الخاص من قبل النساء اللواتي تسألن عن قضايا متنوعة ومختلفة".       

فاطمة قائد هي الأخرى بعد أن عاشت تجربة مريرة، وجهل لسنوات بحقوقها وبنصوص القانون عملت على مساعدة النساء اللواتي تصادفهن ولديهن قضايا بالوصول إلى محاميات لطلب الاستشارة والعون القانوني.