عمالة الأطفال في الجزائر... الواقع مر والآفاق خطيرة

باتت شوارع الجزائر ومدنها وحتى قُراها لا تخلو من مظاهر اجتماعية "خطيرة" لأنها تمسُ أطفال في عمر الزهور، فارقوا مقاعد الدراسة مبكراً

رابعة خريص
الجزائر ـ ، وارتموا بين أحضان الحرف والمهن الموسمية التي تظهر بين الحين والآخر من أجل جمع بضعة دنانير تمكنهم من مواجهة أعباء الحياة اليومية. 
في الوقت الذي تقللُ فيه الجهات الرسمية في البلاد ممثلة في وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، من تفشي الظاهرة وتقلص من مدى اتساعها، تكشفُ الشوارع واقعاً آخر. 
وتشير آخر الإحصائيات التي أعلن عنها الأمين العام للوزارة علي لوحايدية أن نسبة عمالة الأطفال في الجزائر لا تتجاوز 0.5 بالمائة وهي نسبة ضئيلة جداً بالمؤسسات الاقتصادية العمومية والخاصة، وحسب الإحصائيات التي قدمها المسؤول فإن نسبة التمدرس تقدر بـ 98 بالمائة من مجموع الأطفال الجزائريين. 
 
استغلال 
لا تلقى الأرقام المعلن عنها من طرف الهيئات الرسمية في الجزائر تصديقاً من المنظمات التي تهتم كثيراً بحيز الأطفال في الجزائر، إذ تقول هذه الأخيرة إن عمالة الأطفال في الجزائر في ارتفاع ملحوظ، إذ أحصت الجزائر في السنوات الأخيرة حسب الأرقام التي كشفتها الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث أكثر من مليون طفل عامل يمتهنون مهناً موسمية في مختلف المجالات والقطاعات بداية من بيع الوجبات السريعة إلى الرعي أو العمل في الورشات السرية كالبناء دون أن ننسى التسول الذي أصبح يقلق السلطات العليا في البلاد. 
وتحدثت سابقاً رئيسة الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة مريم شرفي، عن تسجيل حالات استغلال للأطفال الجزائريين من قبل بعض التجار والمتعاملين الاقتصاديين، فكشفت إن الهيئة التي تشرفُ عليها "تتلقى يومياً عبر رقم خاص إخطارات عن ثلاثة إلى 4 حالات استغلال اقتصادي، بعضهم يقومون ببيع منتجات أو مواد تجارية في الشوارع، ومعظمهم يكونون في وضعية خطر تحتم التدخل لحمايتهم". 
وقالت مريم شرفي "مسألة الاستغلال الاقتصادي أشمل من عمالة الأطفال لأن هذه الأخيرة تتم فقط في ميدان العمل المنظم الذي يخضع لمراقبة، في حين أن الاستغلال الاقتصادي يتم في كل زمان ومكان".
وشدد المُشرع الجزائري العُقوبات على كل شخص مسؤول عن الاستغلال الاقتصادي للطفل حسب المادة 139 التي تنص على أنه يعاقب بالحبس من سنة إلى 3 سنوات وبغرامة مالية كل من يستغل الطفل اقتصادياً وتضاعف العقوبة عندما يكون الفاعل أحد أقرباء الطفل أو المسؤول عن رعايته. 
 
مسؤولية الأسرة 
وفي تعليق على هذه الظاهرة، تقول المدربة التربوية وفاء دهماني لوكالتنا إنه في السنوات الأخيرة لمسنا توجه نحو الإنتاج المالي والاقتصادي والترف الاجتماعي، فزادت حاجة الأسر للمال، وهو ما دفع الكثير من الأطفال إلى عالم الأسواق بناءً على أهداف مختلفة، فهناك من يعملُ من أجل سد حاجاتهم المعيشية الأساسية من الأكل والشرب وتكاليف الصحة والإجار، ونجد أن هذه الفئة تكون عادة من أطفال الشوارع (اللقطاء الذين يهربون من المؤسسات)، أو ضحايا الطلاق والتفكك الأسري، أو أطفال يتامى تعيلهم أمهم، أو يعانون في أسر تكفلهم وتدفعهم للعمل من أجل النفقة على أنفسهم أو استغلالهم.
وحسبما كشفته وفاء دهماني فهناك من يلجأ إلى العمل من أجل تغطية تكاليفه الدراسية من لباس، دروس دعم أو حتى العمل من أجل انتقاء هاتف نقال آخر صيحة للتباهي به أمام الأصحاب والأقران.
وتقول المتحدثة إنه يمكن اعتبار هذه العادة دخيلة على المجتمع الجزائري، وبدأت تبرز بحدة مع بداية الأزمة في سوريا ووصول بعض اللاجئين إلى الجزائر، "أصبحنا نرى يوميا أطفال يبيعون المناديل الورقية ويمسحون السيارات في الطرقات والشوارع". 
وتحمل وفاء دهماني بعض الأسر الجزائرية مسؤولية اتساع رقعة هذه الظاهرة، وتقول إن قسم كبير منها تدفع الأطفال إلى العمل في مواسم خاصة مثل فصل الصيف، شهر رمضان، العطل المدرسية أو حتى نهاية الأسبوع، معظمهم يبيعون منتجات موسمية مثل أوراق الديول وحلويات منزلية تقليدية وحلويات للأطفال وبيع الفواكه والخضار في عربات في الحي  وبالقرب من منازلهم. 
وللحد من هذه الظاهرة، تقترح محدثتنا إطلاق حملات توعوية تشمل الأسر لتحسيسها بمخاطر العمل على الأطفال في سن مبكرة، خاصة أن عالم السوق مفتوح على الجيد والسيئ، كاستغلال الأطفال في المتاجرة بالممنوعات. 
من جهتها تقول المرشدة والمختصة في القطاع التربوي فتيحة سعادة إن عزوف التلاميذ وهروبهم من المقاعد الدراسية أصبحت ظاهرة مقلقة للغاية لأنها ستنسف مستقبل الطفل ومستقبل الأسرة. 
ومن بين الأسباب التي تقف وراء تفشي هذه الظاهرة، تشير المتحدثة إلى تدني المستوى المعيشي للأسر الذي يدفع بالأهل لإرسال الأطفال إلى سوق العمل، إضافة إلى البيئة المدرسية والتي من سلبيتها الاكتظاظ وضغط المقررات الدراسية وعدم وجود المتعة مع الدراسة أي التعلم النشط.
إضافة إلى هذين السببين، تذكر فتيحة سعادة ضعف الدافعية التي تسببها عدم مراعاة الفروقات الفردية بين التلاميذ وضغط الأهل المتواصل للحصول على المعدلات المرتفعة، مما يتعب الطفل للوصول لسقف توقعات أولياءه مع قلة الوعي التربوي من طرف الأهالي بسبب غرقهم في البحث عن وسائل كسب القوت اليومي أو غرقهم في أمور أخرى غير ذات أولوية.
وأكدت على أن "هذه الظاهرة باتت تهدد المجتمع الجزائري، لأن حجم التسرب المدرسي سيكبر مما يجعل المجتمع يفتقر مستقبلاً لكفاءات كان يجب اكتشافها وتوجيهها في فترة التمدرس، لأن أهم رحلة يقوم بها المربين كانوا أولياء أو طاقم تربوي هو الاكتشاف والتوجيه لهذه الفئة لاستغلالها أحسن استغلال للتطوير الذاتي والمهني والتخصصي". 
وللتخلص من هذه الظاهرة الخطيرة، تشدد فتيحة سعادة على ضرورة نشر الوعي التربوي الذي يندرج تحت التنمية المستدامة، فعلى المجتمع المدني تجنيد فئة التربويين والأخصائيين بالعمل على التأهيل الأسري على أوسع مدى، مع خلق بيئة ايجابية في المدارس بتخفيف المناهج وإدراج التعلم النشط، والعمل على تقبل واستيعاب الفروقات الفردية التي يجب تخصيص ملف لدراستها وتحقيقها في المدارس. 
وتقترحُ المختصة في القطاع التربوي فتيحة سعادة إدراج الاختصاص النفسي وتفعيليه في التعامل مع  جائحة كورونا التي لا نعلم متى تنتهي ومدى أثرها على التلاميذ، مع ضرورة تفعيل التوجيه والإرشاد المدرسي فله أهمية كبير لاكتشاف وتوجيه المواهب والقدرات.