مع استمرار تعنيف النساء افتتاح مؤسسات معنية بحمايتهن ضرورة مجتمعية

حملت دار المرأة في مدينة منبج وريفها على عاتقها حل قضايا جميع المعنفات فمنذ تأسيسها عملت على حل المئات من القضايا وهي مستمرة بعملها.

سيلفا الإبراهيم

منبج - قصص نساء عشن أسوأ الانتهاكات الممارسة بحق الإنسان والجاني في الأغلب من أقرب أقربائهن أي ما يندرج تحت خانة "العنف الأسري"، هي أمثلة حية عن أزمات المجتمع التي تبدأ من قضية المرأة.

لا يكترث أحد لما تعانيه النساء فالعنف انتهاك غير معترف به في مجتمعات تشوه تفكيرها منذ أكثر من 5 آلاف عام، لكن خلال لقاءات أجرتها وكالتنا مع نساء تعرضن للعنف بأقسى أشكاله تم تسليط الضوء على هذه القضية بالتزامن مع حملة الـ 16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة، وكذلك عمل دار المرأة في مدينة منبج للحد من الانتهاكات التي تتعرض لها النساء.

 

المرأة تتعرض للعنف حتى وإن كانت جدة

تقول (ف. د) ذات 44 عاماً والتي تزوجت من رجل يكبرها بـ 24 عاماً "منذ 23 عاماً أعيش العنف بشكل يومي من قبل زوجي وعائلته، اليوم أصبحت جدة ولكن العنف لا يزال مستمراً سواء كان بالضرب أو الإهانات".

"لم يشفع لي حملي"، تقول (ف. د) التي ما زالت تتذكر العنف الذي تعرضت له عندما كانت حاملاً "تعرضت لضرب مبرح من قبل زوجي عندما كنت حاملاً وكذلك ضربني شقيق زوجي وبين الحين والآخر أطرد من المنزل، فتارة أذهب لمنزل شقيقتي ومرة أذهب لبيت شقيقي".

وعن استمرار العنف رغم بلوغها 44 عاماً تقول "منذ أن تزوجت لم يمر يوم دون أن اتعرض لضرب أو الفاظ نابية من قبل زوجي وأسرته".

 

العنف الاقتصادي

وبينت (ف. د) أنها تتعرض لعنف اقتصادي فزوجها الذي يملك الهكتارات من الأراضي الزراعية يبخل عليهم بأبسط الأمور "زوجي ميسور الحال لكنه يحرمنا من كل شيء فالملابس التي ارتديها من صدقات الجيران وأقاربي، وحتى بعد أن كبر أبنائي وبدأوا بالعمل يسلب منهم ما يجنونه ولا يعطينا شيئاً ونطهو طعامنا على النار رغم توفر اسطوانات الغاز في المدينة".

العنف الذي عاشته لم تكن بناتها بمعزل عنه فقد حرمن من الدراسة "لم يقبل والدهن أن ترتاد الفتيات المدرسة بعد أن أنهين المرحلة الابتدائية، وليس لديهن ملابس فما يرتدينه يجبرن على غسله وانتظاره حتى يجف ليرتدينه مرة أخرى".

 

الزواج القسري والعنف الأسري

لا تختلف قصة (ر. ب) ذات 19 عاماً عن قصص الكثيرات ممن أجبرتهن عوائلهن على الزواج المبكر مستغلةً عائلتها ظروف النزوح والهجرة التي منيت بها العائلة كالعديد من الأسر التي سيطر داعش على منازلهم في عام 2014.

عملت (ر. ب) خياطة في تركيا ومترجمة للغات العربية والكردية والتركية، تقول "قبل نحو عامين طلب ابن عمي الزواج بي فرفضت لكن العائلة لم تعطي لرأيي أي أهمية وقد اتفقوا على ترتيبات الزواج، لكني أكدت رفضي وتركت المنزل ولجأت لمنزل خالتي".

وأضافت "اتهمت بأمور غير أخلاقية وعندما عدت للمنزل أجروا لي اختبار عذرية عن طريق أحد الأطباء، وأرغموني على الزواج متذرعين بضرورة إسكات المجتمع، وتعرضت لضرب مبرح من قبل والدي وشقيقي، وسجنت في المنزل".

بين الزواج والموت والسجن اختارت مجبرة القبول، لكن زوجها بدأ يشك بها ويضربها مما دفعها لمحاولة الانتحار بتناول مادة الكلور ومرة أخرى بتناول كمية كبيرة من الأدوية مما أدى لإصابتها بأمراض في الكلى حتى قبلت عائلتها الطلاق وبعد 6 أشهر عادت إلى مدينة منبج.

 

طلقها وهي لا تزال تحت تأثير المخدر  

أما (ج. ز) ذات 20 ربيعاً أم لطفل وطفلة، تزوجت في عام 2018 وعاشت حياةً هادئة، إلى أن جاء ذلك الموقف الذي غير حياتها رأساً على عقب في أيلول/سبتمبر 2021، عندما نسيت أن تغسل ملابسه.

ففي الشكوى التي قدمتها لدر المرأة تقول (ج. ز) "في إحدى المرات نسيت غسل الملابس فعاد زوجي من عمله وغضب وغسلها بنفسه، وعندما انزلتها من أجل كيها أمرني بإحراقها ومن شدة خوفي اشتعلت النيران بملابسي وأصبت بحروق في يدي وساقي وخاصرتي كذلك، وبقيت نحو 40 يوماً في المستشفى وأجريت العديد من العمليات الجراحية وعندما كنت تحت تأثير المخدر طلقني".

عندما قدمت (ج. ز) إلى دار المرأة لتطالب بحقوقها لم تكن حروقها قد شفيت، وساعدتها دار المرأة في محاسبة زوجها على تعنيفه الذي أدى بها للاحتراق.

 

دار المرأة والحلول التي قدمتها للمعنفات

تعلق الإدارية في دار المرأة لمدينة منبج وريفها إيمان الحمشو على قضايا العنف التي ترد إلى الدار منذ تأسيسها بالقول "منذ تأسيس دار المرأة في 25 تشرين الثاني 2016 حملت هذه المؤسسة على عاتقها حل قضايا جميع النساء فخلال هذه الأعوام وردتنا حالات لتعرض النساء لكافة أشكال العنف الاقتصادي والجنسي، والنفسي، والجسدي"، مؤكدةً أن "هدفنا هو إرساء المساواة ومناهضة العنف ضد المرأة".

بالنسبة لقضية (ف. د) التي وردت لدار المرأة قالت إيمان الحمشو "تتعرض ف. د للضرب من قبل زوجها رغم تجاوزها الأربعين من عمرها، ولأن مجتمعنا يُعيب على المرأة المطالبة بحقوقها لم تقدم أي شكوى، ولكن بعد أن أصر على طردها من المنزل فاق الأمر صبرها، وتجرأت على القدوم إلينا، وناقشنا مع الطرفين وكتبنا تعهداً بينهما بعدم تكرار الضرب أو الإهانة وفي حال تكراره ستتم إحالة القضية إلى العدالة الاجتماعية ويتعرض مخالف التعهد للمساءلة القانونية".

أما قضية (ر. ب) لم ترد إلى دار المرأة لأن جميع الأحداث كانت في تركيا، أما فيما يخص قضية (ج. ز) فأشارت إيمان الحمشو إلى أن العنف النفسي تسبب في تأذي الزوجة وكادت أن تفقد حياتها، موضحةً أنه "نتيجة خلاف زوجي وتعنت الزوج بالرأي تعرضت المرأة للاحتراق ولم يحاول الزوج إطفاء الحريق، واعتبر ذلك شروع بالقتل وبدورنا قمنا بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي بسجن الزوج، وتحمل تكاليف علاج زوجته، وتم الطلاق بينهما".

 

"هدفنا إنهاء العنف"

وأضافت إيمان الحمشو أن الكثير من حالات العنف تبقى سجينة المنزل، مبينةً أنه "تساهم جولاتنا إلى المنازل في التعرف على التحديات والمعاناة التي تعيشها النساء، اللواتي يحرصن على إخفاء ما يتعرضن له من عنف أسري لأن المجتمع يضغط عليهن من أجل ذلك ويُعيب من تتجرأ وتعلن رفضها كذلك يهدد الزوج بالطلاق في حال تقديم زوجته شكوى ضده".

وبينت أن "هدفنا ليس تدمير الأسرة إنما نحن موجودون لنضع الحل معاً من خلال الحوار بين الطرفين فالكثير من الحالات تطرح لنا لنقدم الاستشارة ونساهم في تطبيق العدالة الاجتماعية، والمساواة بين الطرفين من مبادئنا وأولياتنا"، مشيرةً إلى أن "الشكاوى التي تقدم إلى دار المرأة تبقى ضمن سرية العمل ولا تظهر للعلن لذا لا يوجد ما يعرض سمعة الأسرة للخطر وهناك وعي فالعديد من الرجال طلبوا مساعدتنا لحل مشاكلهم العائلية".

وفي ختام حديثها أكدت إيمان الحمشو "هدفنا كدار المرأة هو التقليل من حالات العنف الممارس ضد النساء وإنهاءه بشكل كامل، إلى جانب وضع حلول لكافة مشاكل المجتمع عبر القضايا التي ترد إلينا، فإن طبقت العدالة الاجتماعية لن نعاني من أي مشاكل"، مشيرةً إلى أن "مجتمعاتنا ليست بمعزل عن العنف فقضية تعنيف المرأة هي قضية عالمية لذلك يجب افتتاح مؤسسات خاصة بالمرأة تحافظ على حقوقها مع مراعاة حقوق الطرف الآخر".