لبنى الصغيري: النساء الإيرانيات والكرديات نموذج استثنائي للنضال
تهتم الحركة النسائية المغربية والمدافعات عن حقوق النساء إلى جانب دفاعهن المستميت عن حقوق نساء بلدهن، بالتضامن ومساندة النساء اللواتي تعشن في مناطق الحروب والنزاعات، من أجل تحقيق المساواة وإحداث تغيير إيجابي في المجتمعات المثقلة بالصراعات.
حنان حارت
المغرب ـ تثني الناشطة الحقوقية لبنى الصغيري على نضال النساء الكرديات والإيرانيات في نضالهن من أجل الانعتاق والتحرر ومحاربة كل أشكال الإقصاء والتهميش والتمييز والعنف.
واعتبرت الناشطة الحقوقية والنائبة البرلمانية المغربية لبنى الصغيري في حوار مع وكالتنا أن ثورة روج آفا قد مكنت النساء في شمال وشرق سوريا من تبوأ مراكز القيادة والقرار والمجالس المحلية والمركزية، مؤكدةً أنه يجب توسيع التضامن ومساندة النساء في إيران.
تتعرض النساء في مناطق الصراع (سوريا، اليمن، ليبيا) للعنف والتمييز واللامساواة، ما مدى مساندة الجمعيات الحقوقية والحركات النسائية في المغرب لهن؟
إن مقاربة قضايا النساء على الصعيد الدولي ليست بالمسألة الهينة، ولكن الحركة النسائية المغربية كما لامست واعتنقت القضية ودافعت عن المرأة المغربية منذ فجر الاستقلال، من أجل تبوأ مراكز صنع القرار التي تصدرتها النساء المغربيات الآن، فإنها تعبر عن مساندتها وتضامنها مع النساء في جميع الجبهات إن كان في سوريا أو العراق واليمن وليبيا وكل دول منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
فالحركة النسائية المغربية تتبنى الفكر الإنساني الدولي، على اعتبار أن الدستور المغربي يعتبر أن الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها تسمو على القوانين، ومنها اتفاقية سيداو التي تنص على مناهضة جميع أنواع العنف والتمييز ضد النساء بصفة عامة في جميع أنحاء العالم.
النساء في مناطق النزاع تعانين عنفاً مضاعفاً يدفعهن إلى مزيد من الفقر مع غياب التمكين الاقتصادي بسبب الصراع، فإنهن بحاجة إلى المساندة، لذا نحن أيضاً نشارك في حملة 16 يوماً العالمية لمناهضة العنف ضد النساء، ونسعى إلى التوعية بالعنف الممارس ضدهن والدفاع عن قضاياهن، فمساندتنا للنساء في مناطق الصراع مستمرة من أجل تحقيق المساواة ووضع حد للظلم والعنف ضدهن والوصول إلى الحريات الأساسية للإنسان مثل التعليم والصحة والفرص الاقتصادية، لإحداث تغيير إيجابي في هذه المجتمعات المثقلة بالصراعات.
مقتل الشابة الكردية جينا أميني كانت بمثابة شرارة أولى لثورة الإيرانيات، ما رأيك بهذه الانتفاضة النسائية، وكيف تفاعلت المغربيات معها؟
الكرديات والإيرانيات هن نموذج استثنائي من النساء اللواتي تقاومن العنف والتمييز الذي تتعرضن له بشكل يومي، نحمل معاناتهن ونتقاسم معهن الوجع وندعم حقوقهن.
كما أن النساء في المغرب لم تقفن صامتات بل نددن وشجبن مقتل الشابة الكردية جينا أميني، نتيجة ظهور جزء أو خصلات من شعرها من تحت غطاء الرأس، ما أدى لتعرضها للاعتقال والتعذيب ثم القتل دون أي ذنب.
النساء في المغرب لم يمر عليهن هذا الحادث مرور الكرام، بل عبرن عن مواقفهن ومساندتهن للنساء في إيران وطريقة دفاعهن عن حقوقهن ورفض الوصاية على أجسادهن، في المغرب كانت هناك مبادرات تضامنية معهن، مقرونة كذلك بالتنديد بمقتل الطفلة المغربية مريم التي راحت ضحية الاغتصاب والإجهاض السري الذي أدى نتيجة المضاعفات إلى وفاتها.
ما أريد قوله إن الحركة النسائية المغربية متفاعلة مع الأحداث والقضايا النسائية المحلية والدولية، ونحن نعلم بصمود الإيرانيات والكرديات اليوم، فهن تخضن نضالات كبيرة لا تملكن فيها إلا أجسادهن وتقدمن حياتهن من الحصول على حريتهن.
وإذا كنا في عام 2023 وفي سياق دولي كوني إنساني يتبنى الإنسان في صلبه، لا يمكن أن نتصور أن مجرد خصلات شعر خرجت من غطاء الرأس يكون مآل امرأة الإعدام، اليوم من المفروض أن تمارس النساء حقوقهن في التعليم والصحة وتقررن مصير أجسادهن كحق الإنجاب والإجهاض، وتتبوأن المراكز القيادية، دون أي وصاية أو أية عراقيل.
لعبت النساء في شمال وشرق سوريا دوراً كبيراً في ثورة روج آفا التي سميت بـ "ثورة المرأة"، كيف تصفين وضع النساء قبل الثورة وبعدها؟
شكلت ثورة روج آفا نقطة فاصلة في حياة نساء شمال وشرق سوريا، فقد كشفت الثورة عن الروح النضالية التي تتسمن بها. فبعد إن كن تفتقدن لأبسط حقوقهن، نجدهن بعد هذه الثورة فرضن أنفسهن بكل ما تحمله الكلمة من معنى. إن المرحلة التي عاشتها النساء في هذه المنطقة قبل الثورة تشكل مرحلة الظلمات حيث كن تعتقلن بمجرد مطالبتهن بأبسط الحقوق.
لقد سمعنا كثيراً عن نضال الكرديات كمكون مقصي وعن نجاحات الإيزيديات، ونضال نساء قامشلو وكوباني، فرغم البعد الجغرافي، تصلنا أصداء النساء الكرديات، بعد 2012 استطعن أن تفرضن أنفسهن في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وكلنا نعلم دور الكرديات في ساحات الحروب كيف كن تقفن في الصفوف الأولى وصمدن في وجه الهجمات، فقد حركت مقاومة المرأة الكردية في وحدات حماية المرأة المجتمع الدولي، وأثبتت أن المرأة تملك القوة لحماية نفسها وأرضها.
برأيك هل ما تعيشه النساء في شمال وشرق سوريا اليوم من انتهاكات واستهدافات بلغت حد الاغتيال، هي انتقام منهن لنجاح الثورة النسوية؟
بشكل عام أي شعلة فتية للنساء، دائماً يخوض الفكر الذكوري محاولاته الجادة من أجل وأدها والتصدي لها، وما يحدث في هذه المنطقة من انتهاكات بحق النساء هو وأد لكل المحاولات النسائية الناجحة، وضرب انتصارات تلك الثورة النسوية.
النساء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مواجهة دائمة مع العقليات الذكورية الأبوية التي تسعى لطمس الروح التقدمية والتحررية النسائية، فكلما تحسن وضع المرأة وتطور وتخلصت من القيود يبدأ الرجل بوضع قيود أخرى أمامها، لكن نساء اليوم قادرات على الانعتاق وتجاوز كل الصعاب، وحملة 16 يوماً لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي هي استمرار لهذا النضال، فكلنا نعلم أن هذه الأيام جاءت بناءً على مقتل الأخوات ميرابال 1960، اللواتي ناضلن من أجل الحرية في ظل حكم ديكتاتورية رافاييل تروخيلو في الدومنيكان آنذاك، وبالتالي فهي ثورة وحملة ودعم لكل الثورات النسائية التحررية ونبذ العنف في شتى بقاع العالم.
ما هي رسالتك للنساء بمختلف مكوناتهن اللواتي تعشن انتهاكات واعتداءات؟
الحركة النسائية المغربية تشد على أيدي النساء المناضلات في جميع دول العالم، وكذلك في مناطق الصراع اللواتي تعشن ظروفاً مأساوية، وأوجه تحية للنساء في إيران اللواتي تقاومن العنف والتمييز، ونساء شمال وشرق سوريا اللواتي تقاومن في وجه الهجمات والانتهاكات التي تتعرضن لها، فالحركة النسوية وكل من يدافع عن الحقوق الإنسانية للنساء، يرفض كافة أشكال العنف الممارس على المرأة أينما كانت، فكلنا نتصدى للعنف ونحارب كافة أشكاله ومظاهره من عنف اقتصادي واجتماعي وجسدي ولفظي وسياسي.