كريمة الرميكي: تحقيق المساواة التامة يتطلّب تغيير العقلية... نضالنا مستمر

يحل هذه السنة اليوم الوطني للمرأة التونسية في ظل ظروف سياسية وصحية صعبة تمر بها البلاد، هذا اليوم الذي يعد محطة لتقييم واقع المرأة التونسية التي باتت اليوم ورغم الظروف المحيطة بها شريك أساسي في المجتمع

زهور المشرقي 
تونس ـ الذي يرتقي بالعلاقات بين الجنسين إلى مستوى الشراكة؛ فهي تتحمل المسؤوليات في ميدان العمل وفي الحياة الأسرية والعامة، كما أثبت للجميع قدراتها على التعاون المثمر مع الرجل في دفع عجلة التنمية في البلاد.
وكالتنا كان لها الحوار التالي مع الناشطة النسوية والدكتورة كريمة الرميكي رئيسة جمعية "نحب نعيش مع أمي وبابا"، للحديث عن وضع المرأة التونسية في يومها الوطني، وعن المساواة التامة التي تتطلّب أولاً تغيير العقلية ومحاربة الأفكار التي تسيطر على المجتمع الذكوري الذي تقزّم نجاح النساء وأحقية التمتع بحقوقهن كاملة. 
 
تحتفل المرأة التونسية يوم 13 آب/أغسطس بيومها الوطني، في ظل الظروف التي تمر بها البلاد حالياً كيف تقيّمون وضع المرأة التونسية مقارنة مع نظيرتها؟
أرى أن المرأة التونسية تتمتّع بمكاسب ريادية ومراتب متفوقة في مختلف المجالات بالمقارنة مع نظيراتها في المنطقة ككل، حيث تتميّز بحظوظ أوفر في تصدّر مراكز القيادة والقرار، وقد لاحظنا في السنوات الأخيرة بروز التونسيات بشكل كبير في مختلف المجالات ونجاحهن اجتماعياً وثقافياً وسياسياً وعلمياً، ولا ننسى أن تونس مثلاً تحتل ثاني أكبر نسبة في عدد المهندسات في العالم، ما يفسّر تميّز المرأة في تونس، لا أحد يمكنه إنكار ما وصّلت إليه التونسية اليوم منذ عقود من الزمن، برغم كل الحملات التي سعت إلى تشويهها.
وبالنظر إلى المكاسب التي تمتّعت بها التونسية منذ الاستقلال وصدور مجلّة الأحوال الشخصية، تواصل النساء شق طريقهن بثبات من أجل إرساء المزيد من القوانين والتشريعات التي تضمن الحرية والمساواة بين الجنسين ومكافحة التمييز.
ولا ننسى القوانين التي صدرت في السنوات الأخيرة والتي انتصرت للمرأة على غرار قانون مكافحة العنف ضد النساء والذي يعتبر ثورة حقيقية وبمثابة النقلة في تاريخ نضال التونسيات، وبرغم بعض العقبات الصغيرة في التطبيق في مجتمع ذكوري لم تنضج فيه بعد فكرة المساواة بين الجنسين إلا أنه يعتبر مكسباً حقيقياً لمحاربة العنف ضد النساء.
وفي رأيي أنه برغم كل الظروف الصعبة ستظل التونسية كالمصباح مضيئة ومزهرة، ومنتجة، فمنذ صدور مجلة الأحوال الشخصية عام 1956، تمتّعت المرأة بجملة من الامتيازات المدنية اعتبرت بمثابة "تحولات ثورية" مقارنة بوضع النساء في المغرب العربي والمنطقة العربية.
 
هل المرأة التونسية بحاجة إلى يوم وطني فقط للاحتفال بها وإعادة الاعتبار لها؟
لا تحتاج ليوم وطني فقط، التونسية بكل تضحياتها انطلاقاً من الأسرة إلى العمل والتألق الدراسي تستحق الاحتفال بها طوال العام، حيث أن نسبة الفتيات بالتعليم العالي بلغت الـ 60 بالمائة مقارنة بالفتيان .
فاليوم الوطني للمرأة، الذي يوافق الـ 13آب/اغسطس هو فقط وقفة صغيرة للتقييم، ويوم لتذكير بالنضالات النسوية، لتحقيق العديد من المكاسب للتونسية لتكون اليوم بفضل مجلة الأحوال الشخصية رائدة في المنطقة العربية ومثال يحتذي به في اكتساب حقوقها كاملة وبتمتعها بحريتها.
 
هل أنتم متخوّفين من ضياع بعض المكتسبات التي ناضلت وضحت من أجلها النساء طيلة عقود؟ 
لست متخوّفة، لأنني مقتنعة جداً بأن النضال النسوي في بلدي مستمر ولن يتوقّف، أرى بأن  المرأة التونسية تسير في طريق جيّد، طريق العلم وتطوير الذات، المكتسبات هي من حقّقتها وسعت بجهدها الخاص إلى تطويرها أكثر، المساس من مكتسباتها صعب ولن ينجح أي طرف في ذلك، وحتى التشريعات التي سنسعى جميعنا كنساء إلى تطويرها لصالحنا ستخدم أهدافنا أن نكون قادة ملهمات، العمل والنضال مستمر لغد أفضل.
 
هناك من يقول إن تغيير العقلية تجاه حقوق النساء لا يحتاج إلى قوانين بقدر ما يحتاج لميزانية وإرادة سياسية قوية وجهوداً من الأسرة والمؤسسات التربوية وفضاءات العمل لتغيير تلك العقلية التي تقزمّ المرأة وبلوغ المساواة مع الأجيال القادمة، هل تتفقون مع هذا الرأي؟ 
أتفق مع هذا الرأي، إذ أرى أن تغيير العقلية البالية تجاه حقوق المرأة وأهميتها والتمتّع بها ونيلها في المجتمعات يتطّلب وعياً مجتمعياً أيضاً يرسّخ منذ الصغر عند الطفل ومن المدرسة، لذلك لابد من إيلاء أهمية قصوى للبرامج التعليمية  ودعم أحقية النساء في حقوقهن، ومن ثم تكبر الفكرة مع الناشئة ويصبح معتاد بل سنجد جيلاً يتهيأ منذ صغره للدفاع عن المرأة، وبتحقيق ذلك نحن في حاجة إلى إرادة سياسية وجهود ودعم مادي يخلق تلك البرامج ويشجعها عبر دورات تدريبية وتكوين مستمر.
وفي رأيي أنه لنبلغ المساواة بين الجنسين التي نتطلّع إليها لا بد من الانطلاق في العمل على ذلك منذ الصغر لا في مراحل متقدمة يتشبّع فيها الشاب بالعقلية البالية التي تقصي النساء وتحصر دور المرأة في الإنجاب والعمل المنزلي كماكينة، تلك العقلية يجب القضاء عليها، وفي رأيي أن أي تقدم يرتبط أساساً بإرادة مجتمعية وسياسية تدعّم حقوق النساء وتقدّر وجودهن وتعمل من أجل جعلها في المقدمة، فلا يمكن أن ينهض البلد إذا ظلت المرأة في ركن مهمّش.
والكل يعلم أن تونس دولة تقدمية في مجال حقوق المرأة، وبالإضافة إلى ذلك فإن المادة 46، المكرسة تحديداً لحقوق المرأة، تلزم الدولة بحماية حقوقها المكتسبة، ودعمها وتحسينها، وضمان وصول الرجال والنساء إلى مختلف المسؤوليات، وفي جميع المجالات، لإرساء مبدأ المساواة واستئصال العنف ضد المرأة.
 
ونحن نحتفل باليوم الوطني للمرأة التونسية، لا تزال الحركات النسوية قلقة بخصوص وضع النساء في تونس وحقوقها، بحيث يرين أن هناك هوّة عميقة بين التشريع والواقع، في رأيكم كيف يمكن التصدّي لتلك الهوة وهل أنتم مؤمنين إن الحقوق تفتك ولا تهدى؟ 
كما أسلفت القول ما من شيء يتحقّق دون النضال المستمر، والنصوص والقوانين تستحق التطوير ليست نصوص مقدّسة لاعتبار أن الواقع يتطوّر ليس ثابتاً، نحن نسعى إلى سن تشريعات جديدة تنتصر للنساء بتونس وتطوير تلك التي لا تتماشى وواقع المرأة اليوم، الهوة نتصدّى لها بالعمل والسعي والنجاح والمثابرة وتطوير التشريعات عبر نضال مشترك مستمر .
نناضل من أجل الحقوق ونحتل الساحات ونعلو بأصواتنا من أجلها، كل الحقوق تفتك بشكل سلمي  بالعمل والإرادة القوية، وأركز على كلمة الإرادة لأنها مفتاح كل نجاح وتألق، وتخصيص يوم وطني للاحتفاء بالمرأة هو محطة أخرى للتقييم وانتزاع الحقوق التي تحسن من وضعية النساء داخل المجتمع.
 
ختاماً ما هي رسالتكم للمرأة التونسية في عيدها الوطني؟
أقول لها واصلي النضال والتحليق عالياً، اكسري كل الحواجز وانطلقي نحو عالم أفضل، عالم حرّ متوازن سليم والأهم يتضمن حقوقك الكاملة، ناضلي... وكل عام والتونسية حرة وتسعى نحو الأفضل.