خولة شبح: تراجع حرية الصحافة في ظرف وجيز يعتبر انتكاسة في المسار الديمقراطي

شددت منسقة وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية بنقابة الصحافيين التونسيين خولة شبح، على أنه بالرغم من كل التجاوزات والاعتداءات التي مست الصحفيات والصحفيين ضمن مساعي تخوفيهم، نضالهم لمعالجة القضايا المصيرية سيستمر.

زهور المشرقي

تونس ـ رغم هامش حرية الصحافة التي تتميز به تونس منذ عام 2011 والتي يعتبرها التونسيون أهم مكسب للثورة، إلا أن أبناء السلطة الرابعة لا يترددون في إخفاء مخاوفهم من عودة تركيع هذه السلطة وإخضاعها، ويؤكدون أن النضال لازال مستمراً من أجل المحافظة على هذا المكسب الذي فقد من أجله العشرات؛ حياتهم.

ارتفعت وتيرة الاعتداءات على الصحافيات في تونس خلال الآونة الأخيرة حيث حذرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين من استمرار ملاحقتهن والمس بكرامتهن عبر التشهير بمواقع التواصل الاجتماعي والتشويه بدافع التصدي لأقلامهن الحرة المنتصرة للشعب لا غيره.

ولمعرفة أسباب تراجع حرية الصحافة في تونس والاعتداءات المتكررة على الصحفيات في البلاد، كانت لوكالتنا مع منسقة وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية بنقابة الصحافيين التونسيين خولة شبح التي ترى أن السلطة القائمة تسعى لفرض الوصاية على الإعلام، الحوار التالي:

 

أصدرتم أخيراً تقريراً تحدثتم فيه عن مخاوف جدّية تهدّد حرية الصحافة، حدثينا عن هذا التقرير؟

تراجعت حرية الصحافة في تونس في ظرف وجيز نعتبره نكسة في المسار الديمقراطي، لكنه كان تراجعاً منتظراً وهو مؤشر خطير يؤثر على حرية الوصول إلى المعلومة، نعيش واقع مرير في حرية الإعلام، حيث أن الوضع بات مزرياً ولا يمكن الصمت إزاء الاعتداءات المتكررة، التي عرقلت عمل الصحفيات والصحفيين وعطّلته.

لقد عاش الصحفيون عاماً صعباً بفعل الاعتداءات العنيفة خاصة في كانون الثاني/يناير الماضي، فالإشكالية الحقيقية تكمن في استحالة الوصول إلى المعلومة، فقد بلغت نسبة الاعتداءات بسبب صعوبة توفير المعلومة للصحفي من قبل السلطة المتخاذلة 49%، وبلغت نسبة الاعتداءات على الصحفيين والصحفيات في الفترة الممتدة بين الأول من أيار/مايو عام 2021 و30 نيسان/أبريل 2022، 214 اعتداءً، وتعتبر هذه الفترة الأقسى منذ خمس سنوات.

جميعنا يعلم تأثير الفترة الاستثنائية التي تعيشها تونس منذ 25 تموز/يوليو الماضي على واقع الحريات الصحفية في تونس خاصة الملاحقات القضائية للصحفيين في قضايا أمن الدولة وقضايا إرهابية على خلفية محتويات إعلامية، كما تواصلت أزمة الحصول على المعلومة وتواتر وضع العوائق غير المشروعة في عمل الصحفيين وجهودهم في كشف الحقائق ونقل مختلف وجهات النظر، كل هذه المضايقات تأتي ضمن الممارسات نتيجة جملة من الإجراءات والتدابير التي اتخذتها السلطة في إطار التضييق على حق الحصول على المعلومات والنفاذ إليها، وكان اخطرها وأشدها وقعاً على الصحفيين، ونتج عنه تسجيل عمليات حجب لأول مرة، لبعض وسائل الإعلام في تونس خلال الخمس سنوات الأخيرة، وهو ما قامت به رئاسة الحكومة بإصدار المنشورين 19 و20، حيث وضعت الحكومة عوائق أمام صول الصحفيين إلى المعلومة من الإدارة التونسية عبر منع الموظفين والوزراء من التصريح.

وقد ارتبطت التضييقات بثلاث أشياء رئيسية أولها تتمثل في صعوبة الحصول على المعلومة، وثانيها تتمثل في بروز نوع جديد من التحريض والتشويه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأخيراً وصول مرحلة الاعتداءات على الصحفيين جسدياً ومعنوياً وقد لاحظنا نسبة الاعتداء بطريقة غير مسبوقة حيث تم تسجيل 17 اعتداء، وهو رقم يعتبر مرتفعاً مقارنة بالخمس سنوات الماضية زمن عمل وحدة الرصد في نقابة الصحفيين.

 

ما هي إحصائيات الاعتداءات على الصحفيات التي صدرت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي؟

التقرير الصادر في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي يشير إلى ارتفاع كبير في عدد الاعتداءات على الصحفيات خاصةً على أساس النوع الاجتماعي، حيث سجلنا 104 اعتداء على الصحفيات من بين 124 اعتداء على الصحفيين خلال الفترة الممتدة بين الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2020 وتشرين الأول/أكتوبر 2021، ما يدل على ارتفاع العنف الجسدي ضد الصحفيات في 8 تغطيات صحفية.

كما أن المضايقات قد انتشرت بكثرة، حيث سجلنا 10 حالات، فضلاً عن تسجيل حالات تحرش جنسي والتحريض ضدهن في ست تغطيات صحفية، بالإضافة إلى استهدافهن بالاختراق الإلكتروني وأيضاً التشهير بهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في الواقع الـ 104 اعتداء الذي طال الصحفيات نسبة 20% منه كان على أساس النوع الاجتماعي.

ويجب الإشارة إلى أن حالات العنف المسجلة ضد الصحافيات يمكن تتبعها عبر القانون المناهض للعنف ضد النساء، وهذه الاعتداءات تقوم على أساس النظرة النمطية للمرأة تتخللها موروثات عن صورة المرأة في المجتمعات الأبوية، فاليوم في حملات التشهير على شبكات وسائل التواصل الاجتماعي يتم اعتماد مصطلحات مسيئة للنساء وتحط من كرامتهن، وأيضاً يتم استخدام مفردات فيها إيحاءات وسب وقذف قائم على أساس النوع الاجتماعي، كما سجلنا خلال هذه السنة ست حالات تحرش جنسي، وكان التقرير السابق أول تقرير يتم فيه رصد  مثل هذه الحالات بعد أن كسرت بعض الصحفيات جدار الصمت والخوف وأصبحن يبلغن عن حالات التحرش التي تمسهن داخل وخارج فضاء العمل.

فحالات الاعتداء على الصحفيات سجلت أيضاً من خلال اختراق حساباتهن الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تم تسجيل حالات اختراق قام فيها المخترق بإرسال صور مسيئة لمصادر معلوماتها، إضافة إلى اختراق حساب صحفية والمساس بمعطياتها الشخصية داخل المؤسسة التي تعمل بها، في الواقع الاعتداء المسلط على الصحفيات القائمة على أساس النوع الاجتماعي هي اعتداءات تمارس عليهن عند وجودهن في حالة مفردة، وبالنسبة لمرتكبي هذه التجاوزات التي مست الصحفيات تتوزع بين نشطاء وسائل التواصل ومناصري بعض الأحزاب السياسية، حيث يتم استعمال أساليب غير مقبولة تمس بكرامة الصحفيات وتمس بسلامة حياتهن الخاصة فضلاً عن انخراط بعض الإعلاميين في بعض الحملات ضد زميلاتهن وانخراط بعض مدراء المؤسسات الإعلامية.

فهذه النوعية من الاعتداءات ليست مرتبطة بما يعرف بالسلامة المهنية للصحفيات، كما تتعرض الصحفيات في تونس إلى أنواع أخرى من الاعتداءات من ذلك الاعتداءات الاقتصادية، فنجد أن أجر الصحفيات داخل المؤسسات الخاصة خصوصاً أضعف من الصحفيين الرجال، إضافة لعدم تمتعهن بامتيازات تراعي طبيعتهن ومسؤولياتهن الاجتماعية التي تكون عائقاً أمامهن من أجل التقدم والترقية الوظيفية، وهي من أهم الإشكاليات في علاقة تطوير التشريعات في تونس وحقوق الصحفيات وحمايتهن اقتصادياً واجتماعياً وفي الميدان.

 

هل يحترم قانون العمل التونسي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء التونسيات؟

في الواقع، المعايير التي وضعت لقانون العمل لازلت ناقصة ويجب العمل على تطويرها من أجل ضمان الحقوق الاقتصادية للنساء، لا يكفي أن يكون هناك مجلة عمل، بل يجب تفعيل الآليات الرقمية داخل المؤسسات الخاصة، فضلاً عن تفعيل العديد من الضمانات المنصوص عليها يعني أن يتم تعديل مجلة العمل لاعتبارها لا تراعي طبيعة النوع الاجتماعي للنساء والتزاماتهن الاجتماعية، كالرفع مثلاً من أيام إجازة الأمومة ووضع ضمانات أخرى لها علاقة بوجود أماكن خاصة لوضع الأطفال داخل المؤسسات الخاصة، فضلاً عن فرض المساواة في الأجر والأخذ بعين الاعتبار شروط الترقية والالتزامات الاجتماعية للنساء، وأيضاً العديد من النقاط المرتبطة بالامتيازات وتوقيت العمل بالنسبة للنساء في هذا القانون.

فهذه النقاط من الضروري تعديلها في القانون العام وعلى مستوى التشريعات الداخلية، والأهم هو محاربة كل أشكال التمييز ضد النساء، اللواتي يحرمن من حقهن في التدريب والتكوين لضمان الارتقاء الوظيفي بطريقة ناجحة وسلسة.

 

رغم وجود القانون المناهض للعنف ضد النساء، ارتفعت النسب سبع مرات منذ بداية جائحة كورونا، بماذا تفسرين هذا الارتفاع، وهل هناك مشاكل في آلية تنفيذ هذا القانون؟

في تونس هناك العديد من العوائق التي تحيل دون تطبيق هذا القانون المهم، بداية مع سن القانون تم تركيز 60 وحدة لقضايا العنف ضد النساء، وأيضاً أسس مرصد وطني لمناهضة العنف تحت إشراف وزارة المرأة، هذا من ناحية تركيز آلية للعمل على تنفيذ هذا القانون، لكن تطبيقه على أرض الواقع يحتاج العديد من النقاط الأخرى والخطوات، حيث لازلنا أمام عائق كبير حين تتوجه المرأة لمركز الأمن لتقديم شكوى، يتم التأثير على رأيها من خلال بضع كلمات على سبيل المثال لا الحصر "لا بد من أن تغفري لمعنفك وإن ضربك".

وقد تحدثنا سابقاً عن نساء قدمن شكوات ولم يتم فتح محضر في ذلك من قبل أعوان الأمن وبسبب ذلك التصرف تتعرض المرأة للعنف مجدداً ويصل الحال أحيانا لحد قتلها، فمعالجة قضية العنف لا يمكن تعميمها، لكنها معاملات تحت ما يسمى بمراعاة العلاقات الاجتماعية، فالقانون فرض رقابة على تلك الفرق المختصة من قبل وزارة الداخلية في علاقة بمعالجة شكوات العنف.

ويجب الإشارة إلى أن النساء ضحايا العنف تحتجن إلى رعاية نفسية وملاذ آمن الذي لازال عددها محدوداً، حيث أن الدولة لا تقوم بالجهد الكافي لمعالجة المشكلة، فبعض النساء بعد تقديم الشكوى تجدن أنفسهن أمام معنفهن في مناخ غير آمن ما يعرضهن لعمليات انتقامية وهي نقطة خطيرة، هاتين النقطتين مفصليتين في تنفيذ القانون لذلك نعتبر أن تنفيذ القانون اليوم لازال ناقصاً من ناحية الآليات التي تضمن نجاعته وتحد من نسب العنف.

فالمجتمع التونسي لم يتخلص بعد من القيود الاجتماعية ومن النظرة الدونية للمرأة في بعض الجهات والتجمعات الاجتماعية، وهذا يؤثر سلبياً على حماية النساء في محيطهن الاجتماعي والاقتصادي، فتنفيذ القانون يتطلب خطة شاملة تراعي الجانب القانوني والجاني النفسي والاجتماعي للنساء ضحايا العنف.