خولة كسيكسي: النساء ذوات البشرة السوداء يعشنَّ إقصاءً وتهميشاً

لا تزال النساء ذوات البشرة السوداء في تونس يتحسسن طريقهن نحو مستقبل يغيب فيه التمييز على أساس اللون والجنس، برغم عمل المجتمع المدني والنسوي على نشر ثقافة حقوق الإنسان والمساواة والتسامح وقبول الآخر بين مختلف مكوّنات المجتمع.

زهور المشرقي

تونس ـ لم ينجح قانون مكافحة العنصرية الذي تمت المصادقة عليه من قبل البرلمان التونسي منذ عام 2018، في الحدّ من التفكير العنصري حيث تنتشر حوادث العنصرية في البلاد وتستهدف النساء ذوات البشرة السوداء وغيرهن من جنوب الصحراء اللواتي يقمن في تونس.

ترى الناشطة النسوية خولة كسيكسي، وهي من مؤسسي تجمع "صوت النساء التونسيات السوداوات" في حوار مع وكالتنا، أنّ النساء السمراوات في تونس يعشن أوضاعاً صعبة وإقصاءً بسبب اللون والجنس برغم وجود قانون كامل صدر عام 2018 لمكافحة العنصرية.

 

هل هناك ثغرات في القانون التونسي الذي ينص على مكافحة العنصرية حالت دون تمكنه من الحد من هذه الظاهرة، وما تقييمك لوضع العنصرية في السياق التونسي؟

في قانون مكافحة العنصرية توجد ثغرات لكنها كانت لتكون مقبولة وإذا كان هناك حرص من الدولة على تطبيقه فلا يمكن أن يكون هناك أي إشكال، هذا القانون ينقسم إلى ثلاثة مجالات، أولها ثغرات في مسألة الحماية إذ لا توجد إجراءات تسهّل تلقّي الضحايا الحماية اللازمة بسبب وجود خصوصية تتعلق بضحايا هذا القانون أنفسهن وتتمثل في كونهن مهمشات ودون مستوى دراسي مناسب زاده عدم إلمام بالقوانين التونسية خاصةً أن النساء القادمات من إفريقيا جنوب الصحراء لا يجدن اللغة العربية ولا يعرفن أن لديهن حقوقاً قانونية.

فضلاً عن عدم تحوّز بعضهن على أوراق الإقامة ما يجعلهن أمام استغلال إضافي وتمييز لا يقدرن على مواجهته بسبب الخوف من التوجّه إلى مركز الشرطة لتقديم شكوات حين يتعرضن للتنمر والتمييز بسبب اللون والشكل والجنس، وكنا نودّ أن يراعي القانون النساء اللواتي لا يتمتعن بالإقامة لحمايتهن ونحن نعلم أنهن هاربات من حروب وصراعات أو قادمات عبر طرق غير نظامية وعانين مشاكل وصعوبات عديدة، أما المشكلة الثانية في القانون فتتمثّل في الفصل 11 الذي نصّ على كون الحكومة تلتزم بالقيام باستراتيجية وطنية لمكافحة العنصرية، فهي لم تضع أي تدابير لفرض تطبيق القانون من خلال تخصيص نسبة معينة في الانتدابات لذوي البشرة السوداء من النساء والرجال، والتشجيع على المشاريع الثقافية التي تكافح العنصرية، إضافة إلى وضع مسؤول في كل الإدارات يهتم بتلقي الشكاوي بخصوص هذا الموضوع، كما لا نهتم في مدارسنا على تعليم الأطفال خطورة العنصرية والتمييز بكل أشكاله أو نشر ثقافة الاختلاف وقبول الآخر، وتعلم الحكومة جيداً أن العنصرية ظاهرة اجتماعية متشعبة عميقة وخطيرة بدأت منذ عقود لكنها لم تكن حاسمة في إجراءاتها، ولا أتصور قانون إجرائي بسيط قادراً على محاربة الآفة، وثالثاً غياب دراسات تكشف عن عدد السود في تونس.

ولذلك لابدّ من التوعية والإرشاد وهي من وظائف الحكومة، وقبل هذا يجب الاعتراف بوجود فكر عنصري متفشٍّ تجاه النساء والرجال من ذوي البشرة السوداء.

 

تعاني النساء السوداوات أيضاً من تمييزٍ اقتصادي واجتماعي، كيف يمكن محاربة هذه الممارسات التمييزية ضدهن؟

تعاني النساء السوداوات من تمييز اقتصادي واجتماعي مبني على لون البشرة، ويتعرضن لدرجة أكثر من العنصرية والإقصاء، وهنا لا بدّ من وضع سياسة واضحة وإجراءات عملية حتى تكون السوداوات في موقع الند مع صاحبات البشرة غير السوداء، وغياب تلك السياسية جعل السوداوات في قاع السلم الاجتماعي والاقتصادي، حيث يتعرضن للاستغلال بشتى أنواعه ضمن سياسة تمييزية مبنية على لون البشرة، ولمحاربة الظاهرة يجب وضع دراسة شاملة تتضمن إحصائيات رسمية حول وضع النساء السوداوات وعرض معاناتهن فضلاً عن تحديد هذا التمييز وأشكاله وبناءً على ذلك توضع سياسة لحمايتهن والتعريف بالعنف الذي تتعرضن له والتوعية بخطورته حتى تكون هناك إحاطة بهذه الفئة من النساء.

ونحن نقوم بهذا الدور في التجمّع لكن هناك مشكلة برزت منذ الثورة تتمثل في تنصّل الحكومة من مسؤولياتها الاجتماعية في حين ظل المجتمع المدني يواجه ويتصدى وينبه لمساعدة هذه الفئة بينما السياسيون منهمكين في البحث عن التموقع والمصالح والتغطية عن الفساد والبحث عن السلطة لا غير.

محاربة التمييز ضد النساء ذوات البشرة السوداء يحتاج سياسة محكمة من الدولة وليس من المجتمع المدني بمفرده. وهو عمل جماعي تتّحد فيه كل السلطات، ونذكّر بأنّ المسؤولية جماعية لتمكين هذه الفئة اقتصادياً

 

من مهام تجمّع "صوت النساء التونسيات السودوات"، محاربة الممارسات العنصرية التي تستهدف النساء ذوات البشرة السوداء، ماهي الوسائل التي تستخدمونها لمواجهة التحديات، وهل نجحت تلك الوسائل مبدئياً؟

يوفر التجمع لضحايا العنصرية والتمييز على أساس اللون والنوع الاجتماعي فضاءً حرّاً وآمناً من الهجوم، هو فضاء نؤمن فيه بالحرية والاختلاف، جاء لمحاربة تلك النظرة العنصرية التي تستهدف السوداوات. وكم هو مؤلم حين أسمع وأنا أسير بالشارع عبارات "كحلة تصفيّ الدم"، ونتصدى لمحاربة خرافة جاهلية تقول إنّ ممارسة الجنس مع سوداء تشفي من جميع الأمراض! ولمكافحة ذلك التعدّي على جسد السوداوات، فكرنا في تخصيص فضاء خاص لهن لتوفير الحماية اللازمة والفرصة للتعبير عن أراءهن ومشاعرهن أو مساحة للتعبير عن واقعهن المعيشي والعنف الذي تتعرضن له، وكانت أول وسيلة أن يكون heeling group، أي أن نعطي الفرصة لهن للحديث عن مواضيع جريئة لم تتمكن هذه الفئة من البوح بها منذ عقود، لذلك نؤكد دوما أن معالجة أي ظاهرة تحتاج لتحليلها وفهمها طرح الاشكاليات دون خوف أو تردّد.

يتم طرح مسألة العنصرية ضدّ السوداوات أولاً عبر إعطاء الضوء الأخضر لهن للتعبير وفهمهن خاصةً أنه لم يكن لديهن القابلية أو الجرأة للتعبير عن واقعهن المعيشي، ثم علينا أن نوعّي الضحايا ونشجعهن على الإبلاغ عند الضرورة ونحثّ الدولة على القيام بإحصائيات واتخاذ إجراءات، وقد نجحنا نسبياً في ذلك ولكننا نسعى إلى تطوير آفاقنا وآليات العمل من أجل مستقبل أفضل لصاحبات البشرة السوداء، ونظمنا ندوات عن بعد لنفس الغرض ولقينا تجاوبا منهن. تحدثنا كثيراً وتواصلنا ونسعى الآن إلى تحويل ذلك إلى مادة علمية تنقسم إلى مقالات وبحوث.

 

برأيك هل ارتفاع نسب العنف ضد النساء هو بسبب ضعف آليات تنفيذ القانون الذي اعتبرته النسويات ثورة في مجال الدفاع عن حقوق النساء؟

طريقة التوعية ضد آفة العنف الذي يهدد النساء في تونس غير مجدية، حيث غابت الحكومة عن وضع سياسة محكمة لمحاربة العنف بالرغم من سنّ قانون ثوري. يجب تغيير سياسات التوعية فبدل من حافلة كتب عليها "المتحرش مايركبش معانا"، من الضروري أن نركّز على توجيه رسائل تحذرّ من خطورة تعنيف النساء في مسلسل يشاهده آلاف التونسيين، فتكون الرسالة أسهل وأقوى، لكننا اليوم نشاهد العكس حيث نرى تقزيم النساء في البرامج التلفزيونية وحالة التنمّر عليهن. كما يجب أن نهتم بالناشئة عبر توعية الأطفال في المدارس والإحاطة بهم عبر وضع برامج تعليمية لمكافحة العنف ضد النساء.

هناك رسائل غير مجدية تروج في مدارسنا، فعلى سبيل المثال حين تفتح كتاباً تجد سلمى في المطبخ ورامي في المدرسة وهذا يرسخ في اللاوعي عند الطفل أن دور المرأة ينحصر في المطبخ والقيام بالواجبات المنزلية لا في مراكز القرار وغيرها.

والواقع أن وسائط التواصل الاجتماعي ساهمت في فضح السياسات الخاطئة وكل أشكال العنف للعموم مع هامش الحرية طبعاً.

 

برغم أن الدستور ينصّ على المساواة التامة والفعلية بين الجنسين إلا أنّ ذلك يغيب على أرض الواقع. كيف يمكن تحقيق تلك المساواة وعبر أي وسائل؟

يمكن تحقيق المساواة من خلال الوسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وعدم الاقتصار على الوسائل القانونية حيث إن القانون بمفرده غير قادر على تحليل الظواهر الاجتماعية.