خمسون عاماً على قانون الإجهاض في تونس... نقائص وجهل بمعرفته

تناضل النسويات في تونس ليصبح قانون الإجهاض "حق دستوري"، وتحذرن من التأثيرات المجتمعية والدينية على النساء اللواتي ترغبن في ذلك بإرادة كاملة منهن.

زهور المشرقي

تونس ـ أكّدت الدكتورة هادية بلحاج أنّه على الرغم من أن الإجهاض يمثل إجراءً آمناً في تونس، خاصة في مراحل مبكرة من الحمل (الثلاث أشهر الاولى)، إلا أنه تم تسجيل تحديات وصعوبة في الولوج إلى هذا الحقّ سواءً في المراكز العمومية أو الخاصة.

قالت رئيسة مجموعة توحيدة بن الشيخ هادية بلحاج، إنّ تونس طالما كانت رائدة في ضمان الحقوق الجنسية والإنجابية، وتم إنشاء برنامج لتنظيم الأسرة في عام 1973 وتشريع الحق في الإجهاض بمرسوم في تاريخ 26 أيلول/سبتمبر 1973 (المادة 214 من القانون الجنائي)، وفي عام 2001، تم إدراج إجراء الإجهاض الطبي ليصبح الأسلوب الرئيسي في المؤسسات العامة، مما يسمح بتحسين جودة خدمات الإجهاض، وقد تلقت تونس العديد من الجوائز الدولية لجودة وابتكار برنامجها للصحة الجنسية والإنجابية، مشيرة إلى وجود2200مركز صحة ومستشفيات جامعية محلية تستقبل النساء.

وأكّدت أنّه على الرغم من أن الإجهاض يمثل إجراءً آمناً في تونس، خاصة في مراحل مبكرة من الحمل (الثلاث أشهر الاولى)، إلا أنه تم تسجيل تحديات وصعوبات في الولوج إلى هذا الحقّ سواءً في المراكز العمومية أو الخاصة، وقد أكد ذلك مسح قامت به مجموعة توحيدة بالشيخ من خلال شهادات النساء في ذلك.

ولفتت إلى أنه حين تم سن القانون في السبعينات كان الإجهاض جراحياً حتى الشهر الثالث من الحمل ومنذ 2001 أُدرج الإجهاض الطبي عبر تناول الحبوب ما سهل كثيراً تلك العملية باعتباره آمناً وبسيطاً، لكن المقلق اليوم التأثيرات التي تتلقاها المرأة حين تتوجه إلى مركز عمومي لتقوم بعملية الإجهاض من قبل القابلات والعاملات حيث هناك محاولات التأثير على رأيها واستعمال الفاظ تترك أثراً سلبياً في نفسيتها، فضلاً عن مطالبتها بإجراء تحاليل برغم عدم إلزاميتها وتأجيل موعدها ما قد يطول مدة الحمل وتصعب العملية وتصبح مهددة لحياة الحامل.

وقالت إن المرأة إذا اتخذت قراراً بالإقدام على الإجهاض، من غير القانوني منعها والتأثير عليها "المرأة تعرف ماذا تريد ومن دورنا كمجتمع مدني أو حكومة توفير الآليات الآمنة بعيداً عن سياسة الضغط ودون معرفة أسباب ذلك لأنه أمر يخصها، القانون يعطيها حق الإجهاض والمؤسسات العمومية من دورها تقديم الخدمة الجيدة دون تساءل".

وأوضحت أن الجمعيات النسوية تطالب بأن يصبح الحق في الإجهاض "حق دستوري" لا سيما وأنه قانوني وآمن يتمّ في مؤسسات عمومية بشكل مجاني وسرّي أو في المؤسسات الخاصة بالنسبة للنساء اللواتي بإمكانهن تحمّل مصاريفه.

وتطرّقت إلى تراجع توفّر أو الحصول على وسائل منع الحمل الذي تم توثيقه من خلال المسح INS-UNICEF MICS 6 في عام 2018 ما يُضاف إلى مؤشرات أخرى تعكس تدهور جودة ووصول خدمات الصحة الجنسية والإنجاب، خاصة تلك التي تتعلق بوصول النساء والمراهقين والشباب إلى المعلومات وخدمات منع الحمل والإجهاض.

ولفتت إلى أنّ كل النساء لديهن الحق القانوني في الاجهاض ما دمن ترغبن في ذلك إلا في حالة تأثير ذلك على حياتهن وصحتهن، مؤكدة أنّ رفض مقدمي الخدمات في الهيئات العامة (القابلات، موظفي الاستقبال، وما إلى ذلك) والهيئات الخاصة القيام بالإجهاض للمرأة الحامل إذا رغبت ومحاولة إقناعها بالاتّكاء على الوازع الديني أو التأثير المجتمعي الذكوري أمر مرفوض.

واعتبرت أنّ تلك المؤشرات والأفعال التي تترجمها التدخلات والتأثيرات في النساء تفسّر ضعف أداء البرنامج الوطني للصحة الإنجابية الذي يرتبط بإغفال الحكومة للصحة الجنسية والإنجابية وغياب برنامج التوعية والترويج، والتراخي في اليقظة تجاه انتهاكات حقوق الاستقلال الجسدي، كما تم توثيقه أيضاً من خلال ارتفاع عدد الحوادث والجرائم المرتبطة بالاعتداءات الجنسية وجرائم قتل النساء.

وعن الدراسة التي أجرتها مجموعة توحيدة بن الشيخ في الفترة من 2022 إلى 2023 على 5837 شخصاً، غير متزوجين/ات تتراوح أعمارهم/هن بين 18 و29 عاماً في 8 محافظات من 4 مناطق في تونس، بيّنت أن الجهل بالقانون الحالي المتعلق بالإجهاض، كان أكثر انتشاراً بين الرجال وفي بعض المحافظات، فقط 26.6% من الرجال و45% من النساء كانوا يعلمون بالقانون، ونسبة كبيرة (43.2% من الذكور و 30.3% من الإناث) كانوا إما بدون رأي أو لم يقدموا إجابة على سؤال ما إذا كان الإجهاض حقاً لكل امرأة، حيث بينت النتائج اختلافات بين الولايات وبين الجنسين.

ودعت إلى ضرورة التوعية بوجود قانون كامل يشرع الإجهاض الآمن لتفادي الحوادث التي قد تنجر عنها الوسائل العشوائية والتقليدية كاعتماد الاعشاب، مشيرة إلى أن العمل على التوعية بأهمية الصحة الجنسية والإنجابية دور تتشارك فيه الحكومة والمجتمع المدني.

وأوضحت بأن المسح الذي قامت به مجموعة توحيدة بالشيخ أظهر أن أغلب المستجوبين يجدون المعلومة عن الصحة الجنسية والإنجابية في الانترنت لا من الإعلام والمجتمع المدني، وهو نقاط يجب التركيز عليها مستقبلاً لمعالجتها.

واعتبرت أن تونس كانت رائدة في الحقوق الجنسية والانجابية وتنظيم الأسرة منذ الستينات وقد تأسس الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري عام 1973 وهو نجاحات يجب تعميقها وتطويرها، خاصة أن الشباب اليوم يفتقد للمعلومة حول هذه الحقوق سواء في المؤسسة التربوية وغيرها.

وعن إمكانية الوصول إلى وسائل منع الحمل في تونس، قالت هادية بلحاج إن البرنامج الوطني يشرع لأي شخص شراء تلك الأدوات من الصيدليات أو توفرها مجاناً في المراكز العمومية دون أي استفسار ودون تقديم هوية أو أي وثيقة رسمية تثبت زواجه من عدمه أي بشكل سري مادام يبلغ من العمر الـ 18عام.

وتحدثت عن الإجهاض في البلدان العربية التي لازالت تربطه بالدين وبالعرف المجتمعي حيث تحرم النساء من ذلك الحق، حيث تمنع الجزائر مثلاً الإجهاض منعاً باتاً وتسمح به في صورة تهديده الكبير على حياة الأم فقط، في وقت تحرم النساء في موريتانيا بشكل قطعي من هذا الحق وحتى إن كان يشكل تهديداً على حياة المرأة، وفي السعودية أيضاً يسمح في حالة تهديده لحياة الأم أو صحتها، أما في الإمارات العربية المتحدة واليمن وعمان والصومال وليبيا ولبنان والبحرين فتحرم النساء من الإجهاض إذا رغبن فيه ويسمح فقط في حالات قصوى تهدد حياتهن، مؤكدة أن أغلبية الدول العربية تعاني فيها النساء وتكافح للحصول على هذا الحق.

ولفتت إلى أن تونس تعد استثناء منذ السبعينات، ليس فقط في شمال أفريقيا والمنطقة ككل بل تسبق دولاً أوروبية، وقد جاء ذلك نتيجة نضالات نسوية وحتى مساعي السلطة في وقت ما.

وبينت أنه يجب العمل مستقبلاً على حصول النساء على الإجهاض الآمن في كل محافظات تونس محذرة من أن عدم توفير الإمكانيات قد يشجع النساء على العودة إلى الطرق التقليدية غير الآمنة والتي قد تتسبب في مآسي إنسانية ما قد يسجل وفيات أمهات من الإجهاض غير الآمن، موضحةً أن "10% من وفيات النساء في المنطقة العربية هي بسبب ذلك "نخشى أن تصبح تونس من بين تلك الدول أن استمر الاستهتار بتوفير وسائل منع الحمل أو صعوبة الولوج للإجهاض الآمن".

وأكدت هادية بلحاج أن رفض القيام بخدمة الإجهاض في مركز عمومي يعد انتهاكاً لحق مواطنة في الوصول للخدمة، مشيرة إلى أنه حق الاجهاض قانوني وكل امرأة لديها الحرية في اتخاذ قرار يخص جسدها بعيداً عن الوصاية.