جرائم موثقة بالفيديو... هل بات تصوير الضحايا أهم من محاولة إنقاذهن

مازال عداد قتل النساء في الطرقات مستمر ومعدل تصوير ذلك الحدث وتوثيقه يرتفع مع الوقت وهو الأمر الذي يجعل التساؤل عن محاولات الإنقاذ أمر حتمي خاصةً كلما زاد عدد المحيطين بالضحية.

أسماء فتحي

القاهرة ـ ما أقسى أن تلفظ فتاة أنفاسها الأخيرة وأعينها معلقة بمن يقفون حولها مستغيثة وروحها تأمل وتتألم في خيبة لن يتاح لها شكواها فيما بعد تجاه أولئك الذين خافوا وفروا أو غيرهم ممن وقفوا يتأملون انتهاك آدميتهم وآدميتها والآخرين الذين بحثوا عن "اللقطة" وسعوا لتوثيق الحدث دون بذل أي جهد في تخليصها من مخالب المجرم الذي قرر التخلص منها.

خلال العام الماضي تكرر تداول فيديوهات توثق جرائم قتل تعرضت لها الفتيات في مصر وعدد من الصور دون نجدة الضحية، والحادث الأخير الذي طعن فيه القاتل زوجته نحو 10 طعنات بالسلاح الأبيض الذي نال من طفلته أيضاً إلا أنها لم تفارق الحياة وكتب لها النجاة كان مروع للغاية لكونه وثق محاولات الزوجة في الفرار من يد قاتلها لمرات عديدة وسط الشارع وأمام المارة ولعدم المساعدة تمكن منها فقتلها.

وبمجرد النظر لفيديو الجريمة التي حدثت في الآونة الأخيرة ستسيطر على الناظر حالة من الإحباط وخيبة الأمل، فالقتيلة تقع بعد طعنها وتتماسك متغلبة على آلامها في محاولة مستندة بالمارة والباعة ممن حولها ثم يباغتها القاتل بطعنة أخرى أكثر شراسة، المشهد بقدر بشاعته إلا أنه استدعى الوقوف والبحث عن آليات الحماية والردع وأيضاَ تقنين وتقويم المناخ العام الرافض للتدخل والذي يقبل تأديب الزوج لزوجته وإن كان الثمن حياتها.

 

"اللقطة والترند" أصبحوا هدف

يهتم بعض الحضور في جرائم القتل خاصة تلك التي تحدث في الطريق العام بالتصوير في محاولة لتوثيق السبق واللحظة، بغرض تحقيق جذب أكبر لجمهور منصات التواصل الاجتماعي المختلفة ويصبح ذلك كل همهم آملين في أن يقوم آخرون بإنقاذ الضحية، ولكون كل فرد ينتظر تحرك الآخر عادة ما يتمكن المجرم من إتمام فعلته.

وقالت المحامية والحقوقية شيماء حسن، أن المارة باتوا يستهدفون توثيق اللحظة قبل إنقاذ الضحية، مؤكدةً أن البحث عن "اللقطة" وتوثيق المشهد بات له الأولوية على أية اعتبارات إنسانية أخرى، مضيفةً أن الحضور لا يكلفون أنفسهم عناء التدخل اللفظي أو حتى إلقاء القاتل بـ "طوبة" عن بعد في محاولة تشتيته عن إتمام فعلته والنيل من ضحيته.

وأوضحت أن الواقع بات سيء للغاية مقارنة بما كان عليه المجتمع في السابق، فحينما كانت تحدث مشاجرة خاصة إن كان بين رجل وامرأة سرعان ما يهرول المارة وكل من تقع عينه على هذا المشهد نحو القائمين عليه في سعي لوقف تطوره والتدخل لحسم الخلاف أياً كان حجم شراسته وإن اضطرهم الموقف للضرب والاشتباك مع المعتدي على عكس ما يحدث حالياً، فالهاتف بات أداة توثيق وتصوير وأصبح قائد الانفعالات ومعرقل لإنقاذ الضحية في أغلب الجرائم.

 

الأسباب التي دفعت لذلك

ترى شيماء حسن أن السبب الرئيسي فيما يحدث من تجاهل للضحايا في الطرقات يعود لعدد من الأسباب في مقدمتها غياب الأخلاق وتبلد المشاعر تجاه الجريمة ربما نتيجة الاعتياد على مشاهدتها أو قبول فكرتها خاصة إن كانت الطعنات موجهة من رجل لامرأة.

ولفتت إلى أنه هناك تطبيع مجتمعي مع هذا النوع من الجرائم لذلك تتم مشاهدتها في صمت من نفس الأشخاص الذين يبحثون عن مبررات للجاني بعد ارتكاب جريمته ويلومون الضحية مفترضين أنها بالضرورة ارتكبت خطأ يستوجب عقابها بل والنيل من حياتها بطريقة غير آدمية كما حدث في الجرائم الأخيرة، معتبرةً أن للتربية دور كبير في مثل هذه الجرائم وأيضاً الصمت تجاهها شجع على ذلك، مضيفةً أن قطاع ليس بالقليل من المجتمع يحمل ثقافة استحقاق الذكر لتأديب المرأة زوجته كانت أو أخته أو ابنته أو حتى لمجرد كونها فرد في عائلته الكبيرة وهو الأمر الذي يجعل الكثيرون لا يتدخلون حينما يتم الاعتداء على فتاة في الشارع.

 

القوانين ودورها في دعم الضحايا

أكدت المحامية شيماء حسن على دور القوانين في الردع والحماية وكذلك تقنين اللهث وراء التصوير والتوثيق بلا هدف، خاصة أن جانب منه يعد انتهاك للحريات والمساحات الخاصة للفتيات ويعرضهن للخطر من ذويها بل والألم النفسي والوصم في حالات التحرش والاعتداءات الجنسية، موضحةً أن فكرة التصوير على مطلقها بها قدر كبير من الجور على المساحات الآمنة للفتيات وانتهاك لخصوصيتهن، لافتةً إلى ضرورة قصره على العاملين في مجالات تحتاج لذلك، مؤكدةً أن على الجهات المعنية تقنين ذلك الوضع لمنع اقتحام مجالات حرية الآخرين ومساحات أمانهم الشخصي.

وأكدت على أن القانون يعد على رأس قائمة الحلول الممكنة لحماية النساء بل وتحقيق الردع العام، كاشفةً أن هناك عدد من الإجراءات يجب العمل على تسهيلها ومنها مسألة بحث المعتدى عليها عن إثبات للواقعة فحالة الخذلان العامة جعلت فكر استقدام شهود على الواقعة أمر صعب يرفض من الحضور رجالاً كانوا أو نساءً لذلك يجب أن يعاد النظر في الأمر من الجهات المعنية.

وشددت على أن الوضع الحالي يحتاج للعمل على التوعية بجانب القوانين لتغيير الثقافة العامة التي تنال من حقوق النساء وتنتهك خصوصيتهم بدعوى السلطة الأبوية الذكورية المهيمنة والمحاصرة للفتيات ولحريتهن في اتخاذ القرار.

 

من واقع التجارب... نساء تعرضن للعنف دون تدخل

وروت شيماء حسن أكثر من واقعة تم فيها الاعتداء على فتيات دون تقديم الدعم لهن من المارة والمحيطين بهن قائلة "كنت في المحكمة ورأيت امرأة هناك تقاضي طليقها لدفع نفقة تعيل منه أطفالها وإذا به يخلع عنه حزام بنطاله وينهال عليها ضرباً داخل المحكمة وسط الحرس والمتواجدين من رجال ونساء"، مضيفة أن الحضور لم يتدخلوا لمنعه واكتفى بعضهم بمقولة عقيمة "عيب مش قدام المحكمة" وكأن الأمر مباح في مكان آخر.

واعتبرت أن ما تعرضت له تلك الزوجة من إهانة قطعاً لن يفارقها بسهولة خاصةً أنها في حاجة للإنفاق على أطفالها وما أن طالبت بذلك إلا وضربت على مرأى ومسمع من الجميع، وفكرة الضرب وسحل في الطرقات دون تدخل عادة ما تلقي بظلال من الخوف والتوتر على الضحية قد تحول دون قدرتها على الخروج من منزلها لفترات ليست بالقليلة.

وأضافت أن واحدة من القصص التي أثرت بها ما تعرضت له صديقتها التي تعمل في مدينة نصر وتم تكسيرها عمداً دون تدخل أيضاً ومحاولة لإنقاذها "صديقتي طبيعة عملها تفرض عليها التأخر أحياناً وفي أحد الأيام طاردها شخص بسيارة محاولاً استدراجها للركوب وحينما رفضت صدمها وأصابها بكسور ظلت نتيجتها في الجبس لنحو 6 شهور متصلة ولم يقم أحد بأخذ رقم السيارة أو منع هذا الشخص من الفرار وضاع حقها هباءً وهي الآن تخاف النزول من بيتها بل تخاف النظر في وجوه الآخرين".