جمعية أنوار للمساواة تساهم في توسيع دور الفئة الشابة في المغرب
ترى الناشطة الحقوقية مريم هواد أن المساواة بين الجنسين قضية مجتمع وليست أفراد، لافتة إلى أن الأعراف والتنشئة الاجتماعية ومنظومة القيم التي تبنى لدى الناشئة والأطفال تؤثر بشكل واضح في تمثلاتهم وصورهم النمطية حول مفهوم المساواة.
حنان حارت
المغرب ـ تعتبر الناشطة الحقوقية مريم هواد من الأصوات الشبابية النسائية، التي اختارت الانخراط في المبادرات المدنية، إذ تحتل موقعاً محورياً في بلورة المبادرات انطلاقاً من الاقتراح ومروراً بالتخطيط والتنفيذ وانتهاءً بالتقييم.
قالت المنسقة الوطنية لمجموعة شابات من أجل الديمقراطية وعضوة جمعية أنوار للمساواة والمواطنة مريم هواد في حوار مع وكالتنا إن توسيع مشاركة الشبان والشابات في تدبير الشأن العام تتطلب صياغة سياسة عمومية تشاركية تتوخى إشراكهم/هن حتى يصبحوا مؤثرين في الحياة العامة وهم/هن من يصنعوا/ن القرار والحاملين/ات لمشروعهم/هن الذاتي والمجتمعي.
وأشارت إلى أن المساواة قضية مجتمع بأكمله وليس قضية أفراد، لأن الأعراف والتنشئة الاجتماعية ومنظومة القيم التي تبنى لدى الناشئة والأطفال تؤثر بشكل واضح في تمثلهم وتصورهم النمطية حول مفهوم المساواة.
ماهي الدوافع التي جعلت منكم مناصرة لحقوق النساء والمساواة المبنية على النوع الاجتماعي؟
أولاً نشأت في أسرة تدافع عن الحقوق، ومنذ طفولتي أمارس حقوقي كاملة داخلها، وكان رأيي يحترم ويؤخذ بعين الاعتبار ككيان مستقل بذاته مثل المرأة والرجل متساوون في الحقوق والواجبات، لكني اصطدمت بواقع آخر خارج الأسرة وداخل المجتمع وفي الشارع حيث أن كل حرية تعبير عن الرأي، وكل تلك الحقوق التي كنت أحظى بها داخل أسرتي، وجدت أن الواقع شيء آخر، حيث كنت أعامل وكأني امرأة من الدرجة الثانية فطرحت على نفسي مجموعة من التساؤلات كيف؟ لماذا؟ وما سبب تغير المواقع؟.
في البداية كان الأمر صادماً أكثر، كنت أتمرد على الواقع ولا أقبل، لكني اكتشفت أنه عليّ أن أفهم ما الذي يجري وبالتالي تطوعت في جمعية تدافع عن النساء لكي أفهم وجهات النظر المتعددة والمختلفة، كانت أول تجربة لي مع جمعية نسائية في مدينة الدار البيضاء في المكان الذي أقطن فيه تعرفت عليها عن طريق مجموعة من الأصدقاء في تلك المرحلة وبدأت أتعلم أبجديات النضال ومعنى أن يكون هناك حقوق للإنسان ومعنى مفهوم التمييز.
وكانت هناك جملة تقولها الأستاذة نجاة الرازي يجب أن نلبس نظارات النوع كي نرى الأمور بشكل جيد، لأنه كانت هناك مجموعة من الممارسات نقوم بها بشكل لا مبرر له وليس فيه وعي مسبق، كانت تلتصق بعاداتنا اليومية وتكرس للتمييز ولهذا أخذت قراراً بأن أدافع عن نفسي وعن كل النساء مثلي وعن كل من لم تستطعن كسر جدار المسألة.
هل من تحديات تواجهكِ كونكِ نسوية؟ وكيف يتفاعل الأشخاص من حولكِ مع مسألة دفاعكِ عن حقوق النساء؟
أن عملي في مجموعة من الجمعيات كمتطوعة، في إطار مجال الاستماع ومرافقة النساء من ضحايا العنف في مرحلة معينة من مساري وتجربتي المتواضعة، كان لي لقاء بمجموعة من الصديقات كن يشكلن ثورة جديدة في مجال الدفاع عن حقوق النساء بوجهة نظر مختلفة جديدة شابة وطموحة.
في بداية الأمر كانت علاقتي بهن علاقة صداقة وتفاعل إنساني بدرجة أولى حتى وجدت نفسي داخل تنظيم يدافع عن حقوق النساء باستماتة وهي "مجموعة شابات من أجل الديمقراطية"؛ اليوم أعمل كمنسقة وطنية لشابات من أجل الديمقراطية، خلفاً الناشطة الحقوقية بشرى الشتواتي التي توفيت قبل عدة أشهر.
أجد نفسي اليوم أحمل على عاتقي مهمة صعبة، خاصة بعد أن أصبحت المسؤوليات أكثر والالتزام أقوى؛ التزامي وتفاعلي في الدفاع عن حقوق النساء أصبح واضحاً أكثر، وبالتالي كل من حولي أصبحت نظرتهم عني مختلفة باعتبار في بداية الأمر كانت بالنسبة لهم مسألة الدفاع عن حقوق النساء تشكل فقط لدي هواية أو وقت فراغ، وحضوري لأنشطة الجمعيات التي تعمل في مجال حقوق النساء هو أمر للترفيه، لم يكونوا يأخذوا الأمر بالجدية التي أفكر بها، لكن اليوم من خلال تفاعلي الجاد مع القضية هناك نوع من الاعتراض الضمني لمن حولي ليس بشكل مباشر مثلاً وقت العمل مع الجمعيات النسائية والدفاع عن حقوق النساء سيأخذ الكثير من حياتك الأكاديمية باعتبار أنني حالياً أعمل في إعداد رسالة الدكتوراه في مجال حقوق الإنسان، وهناك من يقول إنه سيأخذ الحيز الأكبر ولن يفيدني في بناء مستقبلي المهني، وأن مسالة الدفاع عن حقوق النساء ليست برهانية وأن هناك حقوق أخرى وأن النساء في مجتمعنا قد أخذن أكثر من حقوقهن وهذه المساواة ليست بشيء جيد.
مجموعة من الأسئلة تصدر من أصدقاء أو من أفراد من الأسرة مع أناس أتقاسم معهم العمل؛ فبالتالي يكون الصراع على جبهتين الأولى من أجل التأثير في المجتمع وتغيير مكانة النساء ورد الاعتبار للنساء والحفاظ على حقوقهن والمستوى الثاني هو مستوى شخصي بحيث أني عندما أدافع عن نفسي، فإني ضمنياً أدافع عن حقوق النساء.
برأيك ما الذي بالإمكان فعله من أجل تغيير الموقف من قضية المساواة؟ وكيف تؤثر الأعراف والتقاليد الاجتماعية عليها؟
من خلال تجربتي ومن وجهة نظري فإن الأعراف والتنشئة الاجتماعية ومنظومة القيم التي تبنى لدى الناشئة والأطفال تؤثر بشكل واضح في تمثلهم وتصورهم النمطية حول أن مفهوم المساواة هو مفهوم النوع والأدوار الاجتماعية التي تفرض على المرأة ولا تمنح لها باعتبار أن المؤسسة الأسرية والمؤسسات التعليمية ومؤسسة المدرسة هم أول المؤسسات المباشرين في صناعة الأجيال، فبالتالي عندما يتم التركيز على اللا مساواة داخل الأسرة والمؤسسة التعليمة، يتم التطبيع مع هذه الممارسات، وبالتالي يتم إعادة إنتاجها بشكل طبيعي بدون التفكير في الإشكاليات التي تطرحها، هنا يتضح لنا مثلاً في المناهج التعليمية أن المرأة دائماً أدوارها مرتبطة بالأعمال المنزلية وتربية الأطفال باعتبار أن هذه الأدوار ممكن أن تمارسها المرأة، ولكن لا يمكن أن نقول إن هذه الأدوار أو الوظائف الوحيدة التي تمارسها المرأة، اليوم النساء اكتسحن بقوة مجال العمل وتعملن في مناصب قيادية داخل المجتمع والمؤسسات العمومية وفي القطاع الخاص، فبالتالي من غير المنطقي أن ذلك الطفل الذي يرى أن الأدوار الطبيعية بالنسبة للأم والتي تربي في المنزل والتي تقوم بأعمال المنزل والتي تسهر على راحة الأسرة هي تلك الأدوار فقط، في حين أنه عندما يتفاعل مع العالم الخارجي ينضج نسبياً عندما يصطدم بواقع أن النساء تعملن في مجالات أخرى غير الأسرة لديهن مؤسسات تتفاعلن بها في الفضاء العام.
هنا يبدأ التساؤل كيف أنني نشأت على أن المرأة لها أدوار محددة ترتبط أساساً بالأسرة ووظائفها، واليوم أراها في فضاء آخر من الطبيعي أن يكون لها رد فعل، وبالتالي هنا نعيد إنتاج اللامساواة والتمييز على اعتبار أن التنشئة الاجتماعية محدد أساسي وهو ما نراه الآن في الشارع العام، مثلا اليوم مجموعة من الشباب يمارسون فعل التحرش الجنسي وكأنه محدد للرجولة ومسألة طبيعية وعادية، وحينما نطرح سؤال لماذا تقوم بالتحرش الجنسي بتلك الفتاة، هناك إجابة بسيطة، إما سيقول إنه لباسها محرض في حين أن مسالة التحرش الجنسي تتعدى بكثير مسألة اللباس أو أن يقول إجابة دائماً ما تحزنني وتحز في نفسي وهو أن تلك المرأة تريد من يتغزل بها وأنه معيار لجمالها ومعيار لوجودها وهذه الفكرة أصبحت سائدة بشكل خطير ومقلق لأن هناك من يعتبر نفسه يقوم بشيء خير وأنه يقدم خدمة لتلك المرأة التي يتحرش بها.
أما كيف يمكن تغيير المواقف بشأن المساواة، وسيكون ذلك من خلال تغيير طريقة التأثير في التنشئة الاجتماعية سواء داخل الأسرة أو المجتمع ككل والمؤسسات التعليمية وتغيير العقليات ومحاربة الصور النمطية عن المرأة.
برأيكم كيف يمكن تفعيل دور الفئة الشابة لإشراكهم في صنع القرار؟
في إطار الحديث عن الفئة الشابة ومكانته ودوره في تحقيق المساواة والنهوض بوضعية النساء ومناهضة جميع أشكال العنف والتمييز ضدهن، لابد لنا من التفكير جدياً في أن يصبح الشباب مؤثراً وفاعلاً أساسياً في الحياة العامة بحيث أنه يصبح هو من يصنع القرار وهو حاملاً لمشروعه الذاتي ومشروعه المجتمعي من خلال إدماجه في برامج واستراتيجيات سواء كانت مؤسساتية أو غير مؤسساتية، وهنا سأقوم بالحديث عن مكانة المجتمع المدني وجمعياته في ذلك الاعتبار أن جمعيات المجتمع المدني اليوم لها مكانة مهمة داخل المجتمع المغربي وتؤثر بشكل إيجابي، إذ لها أدوار طلائعية خصوصاً في الجمعيات النسائية أو الجمعيات التي تدافع عن حقوق الإنسان وحقوق النساء خاصة من خلال إشراك الشباب/ات في البرامج، وهنا لا أتحدث عن برامج بمعنى أن يكون هؤلاء مستفيدين/ات من تكوينات أو برامج، بل هم من يقومون بإنتاج تلك البرامج.
وهنا يمكن الحديث مثلاً عن تجربة جمعية أنوار للمساواة والمواطنة، التي أنا أيضاً عضوة فيها، فمن خلال مشروع يعنى بإدماج النساء والشباب عملت عليه مع المركز الدنماركي للمساواة، نظمنا مجموعة من البرامج، ومجموعة من التكوينات، تعمل على تأهيل قدرات الشباب، من أجل القدرة على المشاركة والهدف، هدف البرنامج بالأساس كان التركيز على أن الشباب/ات يشاركون في الشأن المحلي من خلال تكوينه في مجال الترافع من أجل تقديم العرائض، كيف يمكن لهم أن يشاركوا في تقديم مقترحات داخل الجماعات الترابية، وكيف يمكن أن يكونوا مؤثرين في الحياة العامة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي واستثمارها بشكل جيد في مجال مناهضة جميع أشكال العنف إضافة للدفاع عن القضايا العادلة للنساء.
ختاماً ماهي رسالتكم للنساء والفتيات في المغرب؟
رسالتي للنساء والفتيات المغربيات ولجميع نساء الكون، هو أن يكسرن حواجز الصمت إسماع أصواتنا ليس بعيب أو عار، أن نتحدث عما نتعرض له من عنف وتحرش وحيف وهضم لحقوقنا، نحن لا نطالب أن نأخذ مكان أحد.
والمساواة يجب أن يدافع عنها النساء والرجال، شباب/ات، لأنها قضية مجتمع وليست قضية أفراد لأن تفاعلنا داخل الحياة العامة هو تفاعل للجماعات وليست لأفراد إضافة أنه لابد لنا من أن ندافع عن حقوق النساء اللواتي لم تستطعن أن تعبرن بصرخة عما تتعرضن له.
من الممكن أن اليوم العديد من النساء والفتيات تتمتعن بمجموعة من الحقوق، لكن هناك في المقابل نساء أخريات لم تتح لهن الفرصة سواء في المشاركة في الفعل المدني الذي يدافع عن حقوق النساء أو كسر حواجز الصمت للدفاع عن أنفسهن بشكل أساسي، لذلك لابد أن ننخرط نساء ورجالاً وفتيان وفتيات من أجل الدفاع عن قضايا المساواة.