حقوقية تونسية: النهوض بواقع النساء يتطلب وعياً فكرياً وتضافراً في الجهود
تعتبر الحقوقية التونسية مفيدة البهلول أن النهوض بواقع النساء يتطلّب وعياً فكرياً وتضافراً لجهود الجمعيات النسوية والمجتمع المدني الذي يحتاج الآن إلى المزيد من التكتل والتكاتف.
زهور المشرقي
تونس ـ أكدت الحقوقية التونسية مفيدة البهلول أنه لا يمكن للقانون أن يكافح العنف في ظلّ عقلية ذكورية متسلطة لم يتم بعد النظر في كيفية توعيتها وتطويرها وتحسيسها بخطورة ما ترتكب، فإذ ما تم توعية الرجل وترسيخ أهمية المساواة عنده والإيمان بحقوق المرأة لن يصل مجدداً لتعنيف المرأة بهذه الطرق البشعة.
ترى رئيسة جمعية مجيدة بوليلة مفيدة البهلول في حوار مع وكالتنا، أنه لا يمكن الحديث عن تنقيح القانون عدد58 لمكافحة العنف ضد النساء، وهو التشريع الشامل الذي لم تُحسن الأطراف المتدخلة تطبيقه بالشكل المطلوب.
وأوضحت أن الجمعية تعمل على نشر الفكر الحداثي وقد حملت اسم المناضلة مجيدة بوليلة التي تميزت بمشاركتها في مسيرة الكفاح الوطني من أجل النهوض بواقع النساء في تونس، وقد تشكلت الجمعية لنشر الثقافة التقدمية وتهدف لنشر قيم المواطنة وفكرة المساواة التامة في الحقوق والواجبات ودعم ثقافة الحوار والتواصل وتقبّل الاختلاف.
برغم وجود قانون مكافحة العنف، هناك ازدياد في نسب تعنيف النساء وقتلهن، هل عجز القانون عن مكافحة آفة العنف ضد النساء؟
نعم، برغم صدور هذا القانون الذي اعتبرته النساء نتاجاً لنضالات نسوية عبر عصور، بنتنا اليوم نتحدّث عن جرائم قتل النساء بطرق بشعة وعنيفة، حيث تزايدت حسب وزارة الأسرة والمرأة بنحو 7 مرات في أكبر النسب منذ صدوره منذ عام 2017، لا يمكن أن نعتبر القانون غير كاف لمعالجة الظاهرة لكن يجب علينا الاعتراف أنّ هناك سوء تطبيق للقانون من طرف جميع المتدخلين ابتداءً من باحث البداية الذي تصله قضية العنف مروراً بالنيابة العمومية عند الإحالات بحالة سراح أو إيقاف وصولاً بقاضي التحقيق في حال وقوع الجريمة بمكتب الجناية بلوغاً إلى القضاء الجالس الذي سيقضي بالإدانة ويسلط العقاب على مرتكب الجريمة، كل هذه الأطراف تتحمل جزءً من المسؤولية في حسن تطبيق القانون، لو كان تنفيذ القانون حكيماً وبنزاهة لن نصل لدرجة العنف التي بلغناها اليوم في بلادنا ولبشاعة ما هو مسلط على النساء.
لا يمكن للقانون أن يكافح العنف في ظلّ عقلية ذكورية متسلطة لم يقع بعد النظر في كيفية توعيتها وتطويرها وتحسيسها بخطورة ما ترتكب، فإذ ما تم توعية الرجل وترسيخ أهمية المساواة عنده والإيمان بحقوق المرأة لن يصل مجدداً لتعنيف المرأة بهذه الطرق البشعة؛ فمسألة عقلية وفكر الرجل يجب العمل عليها أوّلاً.
برأيك هل يحتاج القانون 58 لمناهضة العنف ضد النساء إلى تعديلات؟
إذ لم يتمكن هذا القانون من تحقيق الهدف الذي جاء من أجله وهو الحد من عدد ضحايا العنف، فكيف يمكن أن نسّ قانوناً آخر أو ندخل بعض التعديلات عليه علّه يصبح مجدياً في معالجة الظاهرة، فلا زالنا كجمعيات وحقوقيات بصدد تكوين الأطراف المتداخلة فيه حيث نقوم بدورات تدريبية تكوينية في كيفية التعامل مع القانون وضحية العنف انطلاقاً من مركز الشرطة حين تتجه له المعنفة وصولاً إلى المحكمة، وشهدنا تكويناً في صفوف الباحثة والفرق الأمنية المختصة في مجابهة العنف ضد المرأة ودورات للمحامين والقضاة ومندوبيات حماية المرأة والطفولة لتتمكن تلك الأطراف من فهم المصطلحات وتتدرب على التعامل مع الضحايا ومع القانون بكل نزاهة وحكمة للوصول للغاية المرجوة وهي تقليل نسب العنف ضد النساء.
التنقيح غير ممكن لاعتبارات كثيرة أولاً لأن كل القوانين والمراسيم وما دّون في الدساتير بخصوص حماية المرأة وفي أحكام القوانين العامة والمعاهدات الدولية وبعض البروتوكولات والقوانين الوضعية هناك ترسانة من التشريعات تهم المرأة والقانون 58 الصادر عام 2017 كان القانون الذي جمّع كل التشريعات السابقة والثغرات السابقة وكان الثمرة الجيدة برغم أنه لا يطبّق بشكله الذي كنا ننتظره، لا غاية من التعديلات الجديدة أو سن قانون جديد ونحن نملك هكذا قانون شامل ومميّز لو نفذ سيقضي على العنف ضد المرأة.
هل ترين أن النساء في تونس كاملات الحقوق أم أن ذلك مزايدة سياسية وتبجح جاف لا يمت للواقع بصلة؟
النساء في تونس وصلن في جانب إلى تحقيق مساواة حقيقة ولم تحققن في جانب آخر تلك المساواة، مثلا كحقوقية حين أرى بعض القوانين التي نُقّحت لصالح المرأة على غرار قانون الحضانة والترخيص للزوجة لسفر بأبنائها القُصّر دون موافقة الزوج هنا نتحدث عن مساواة في نفس الحق مع الرجل، وهي اعتراف بأن الزوجات مسؤولات بنفس الدرجة مع الأزواج، وكذلك الحق في الطلاق الذي يعطيها حق الانفصال برغبة خاصة منها، وهو حق لا تتمتع به النساء في أغلبية الدول العربية، وهي تشريعات تتحقق فيها المساواة بين الجنسين، لكن في جانب آخر كالجانب الاقتصادي والسياسي، نجد تلك المساواة غائبة وتلك الحقوق معدومة نوعاً ما، ففي الجانب الاقتصادي وخاصة حين نتحدث عن الفلاحات اللواتي تعانين من الاستغلال الفاحش من ناحية الأجر، تجد الجنسين يعملان نفس المهمة لكن بأجر متفاوت والحال أنّ مردودية المرأة مضاعفة، حتى تواجد النساء في مراكز القرار لا يعد بالشكل الذي تستحقه برغم إثبات كفاءتهن وبرغم أنهن الأكثر من حيث حمل الشهادات العليا وفق إحصائيات رسمية، لكن يجب أن ندعم فكرة أن تتمركز النساء في مراكز السيادة وتكون فاعلة وهي القادرة على دعم النساء وتطوير حقوقهن.
هناك انتقادات كثيرة لأساليب الجمعيات النسوية في العمل واتهامات لها تفيد بأنها أصوات لطبقة نسائية معينة على حساب المهمشات، ما رأيكِ؟
القانون عدد 58 لمكافحة العنف ضد النساء لم يوضع للنساء الموظفات أو الكوادر النسائية، بل وضع ليشمل كافة الفئات النسوية دون تمييز بعيداً عن الصفة، لأننا يمكن أن نجد قاضية أو طبيبة محامية ضحايا عنف، لاعتباره لا يستثني أحداً، ففي فترة وباء كورونا كنت في الاتحاد الوطني للمرأة كمهتمة بالشؤون القانونية تفاجأت بعدد النساء اللواتي تواصلن معي لتقديم شكوى، منهن الطبيبة والموظفة والأستاذة، نساء لا يتخيل أنهن قد يكن ضحايا عنف، ومن هنا أرى أن الجمعيات النسوية لا تدافع عن طبقة ما وتهمّش الأخرى، بل أن رسالة المجتمع المدني أوسع وأشمل وهو قد أخذ على عاتقه قضايا النساء كمسؤولية تحملها دون إقصاء أي طرف على حساب آخر، ونحن ندافع عن المرأة كإنسان معرض للظلم والاستبداد والقهر والاستغلال، ندافع عنها لتتمتع بحقوقها التي جاءت في الدستور وتضمنها القوانين، ندافع عنها كإنسان لا بصفتها الوظيفية.
كلنا نعمل من أجل تحقيق المساواة التامة ومزيد من الحقوق ومن أجل استبعاد العنف المسلط ضدها، نتمنى أن تقوم الجمعيات النسوية بتجمع وتتكتل وتقوم باجتماعات مشتركة موسعة تربط بيننا جميعا لتجميع القوى وخدمة قضايا النساء وتقاسم الأعمال لأن في التشارك عمل مضاعف ونتائج أفضل، في اتحادنا قوة وخدمة لمشروعنا النسوي، وكحقوقية ومحامية أدعو الجمعيات إلى التجمع لنتكتل وننسق في قضايا النسوية المشتركة لعلنا نصل إلى حلول أنجع في المشاكل التي تعانيها التونسيات، ولعلنا نكافح العنف ونقلص من البطالة في صفوف النساء وننهض بواقعنا.